لم يحدث أي لقاء بين رئيس الاتحاد الأوروبي والأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي، ويذكر ان المحاولات التي قامت بها غرفة التجارة العربية - البريطانية في هذا الشأن لم يكتب لها النجاح بسبب مواقف المفوضية الأوروبية. ولم يحدد أي برنامج للمساعدات الفنية او المالية التي يمكن ان يقدمها الاتحاد الأوروبي لدول الخليج كل في ضوء احتياجاتها. وفي الوقت الذي يبدي فيه العشرات من مسؤولي الاتحاد الأوروبي الاهتمام بالدول العربية المطلة على حوض البحر المتوسط، يتعامل اثنان من مسؤوليه فقط مع ملف الدول الخليجية. ويجدر القول ان دول الاتحاد الأوروبي تعترف بأهمية دول الخليج من الناحية الجيوسياسية، الا ان هذا الاعتراف لا ينعكس بشكل ملموس ضمن سياسات الاتحاد على اي مستوى من المستويات، والدليل ان الطرفين مشتركان منذ خمسة عشر عاماً في مناقشات حول التجارة الحرة، الا ان الاتحاد الأوروبي لم يبد حتى الآن اهتماماً بأن يصل بهذه المفاوضات الى نهاية الشوط. كذلك لا بد من الاعتراف بأن الدول العربية كمجموعة، بما في ذلك دوله المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط، تفتقر الى الاتفاق حول نقاط محددة تعبر بها عن نفسها لدى الاتحاد الأوروبي. على سبيل المثال يوجد في بروكسل اكثر من سبعمئة جماعة ضغط مسجلة رسمياً تعمل لمصلحة آخرين، لكن، للأسف ليس من بينها جماعة عربية واحدة!! في ظل الأوضاع الحالية وكنتيجة لتصاعد المخاوف تجاه دول الاقليم في ضوء الأحداث التي تقع في العراق، ولأن دول الخليج ليست في حوار حميم مع صانعي السياسة على مستوى الاتحاد الأوروبي.. هل يمكن ان يصل الأمر الى ما هو أسوأ؟! الاجابة قد تكون بنعم، للأسباب التالية: أولاً: لا يوجد ما يشير الى ان الدول العربية عامة والدول الخليجية على وجه الخصوص اهتمت بدراسة توسيع عضوية الاتحاد الأوروبي تجاه علاقاتها معه، خصوصاً انها امتدت الى ما كان يقع سابقاً ضمن الهيمنة السوفياتية، اضافة الى كل من قبرص ومالطا وهذا بدوره إن صح قد يؤدي الى مزيد من الفتور في العلاقات بين الطرفين. ثانياً: وعلى رغم ان مصالح الاتحاد الأوروبي تكمن في التوسع نحو الشرق، فثمة أدلة قوية في الوقت ذاته على ان الاستثمارات الألمانية والبريطانية والفرنسية والاسبانية والبرتغالية قد تتجه نحو أسواق العمل الرخيصة في دول مثل: لاتفيا، ليتوانيا، استونيا، بولندا، هنغاريا، جمهورية التشيك، سلوفينيا وسلوفاكيا. ثالثاً: إن العالم العربي ليس على صلة بالدول التي انضمت الى الاتحاد الأوروبي، وإن ما يهم هذه الدول هو روسيا وسياساتها الاقتصادية بنفس قدر اهتمامها بمساعدات الاتحاد الداخلية والسياسة الزراعية العامة التي تمثل أهمية قصوى في ضوء قاعدتها الزراعية العريضة. رابعاً: كذلك، فإن اتصال هذه الدول بالحدود الألمانية يجعلها على ثقة كبيرة من ان هذه الجمهورية الاتحادية التي هي على اتصال محدود بأحداث العالم العربي ستلقي بثقلها السياسي في ما يتعلق بالاتحاد الأوروبي ناحيتهم. خامساً: إن عمل الدول العربية على التصدي لنتائج توسيع عضوية الاتحاد الأوروبي ضدها لن يؤتي ثماره الا اذا اتخذت موقفاً لم يجرب من قبل، اذ لم يعد في مقدورها اختراق مطبخ السياسة الأوروبية وإحداث التأثير المطلوب فيه بالاعلان فقط عن ان مصالح الأوروبيين تتربع على قمة اهتمام العرب، اذا بقيت العلاقات العربية - الأوروبية تعيش في ظل الممارسات السابقة من دون بذل جهود حقيقية لتفهم وجهات نظر الدول العربية والخليجية، فسيظل التوسع الأوروبي في غير مصلحة القضايا العربية. لذلك فمن الأهمية بمكان ان يدرك العرب ان المصالح الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي انسحبت الى ناحية الشرق في عمق القارة الأوروبية لأن الأوروبيين وفق رؤيتهم الاستراتيجية يهدفون الى خلق كتلة مضادة للتأثير على الولاياتالمتحدة الأميركية، لذلك يجب عليهم ان يتخذوا من الخطوات ما يجعلهم اكثر انخراطاً مع هذه الاستراتيجية وضمنها. وإذا ألقينا نظرة على البنية الاقتصادية للدول الجديدة التي انضمت الى عضوية الاتحاد الأوروبي، وبالذات اذا تناولناها من زاوية الاقتصاد العالمي، سيتضح انها تمثل كتلة اقتصادية تتجه نحو الشرق سواء من منظور البرامج الاستثمارية او المخططات السياسية، كما ان تزايد الاهتمام بأوروبا الشرقية سيقلل حتماً من اهتمام الاتحاد الأوروبي بعلاقاته العربية وبالتأكيد سيقلل هذا من مساحة اهتمامه بها. ولتأكيد ما نقول فإن خطوات التكامل التي اتخذتها دول الاتحاد وبالذات في ما يتعلق بصوغ دستور موحد يعكس ارادتها الموحدة ويوضح رغبتها في رؤية طاقاتها متجهة نحو دول اوروبا الشرقية. لذلك يتوقع المراقبون ان ينصرف الاتحاد الأوروبي في السنوات القادمة نحو تفعيل مؤسساته الداخلية وتنظيم العلاقات بين دوله لخلق مجالات للتفاهم والتنسيق بين القدامى والجدد من اعضائه، وهذا مؤشر أيضاً الى ان اهتمام الاتحاد بالسياسة الخارجية سيحتل المرتبة الثانية في أولوياته، وإذا نظرنا الى السوابق التاريخية سنجد ان تركيزه على علاقاته بالعالم العربي سيكون في ذيل اهتماماته. ومن أجل مزيد من إلقاء الضوء على ما نقول لا بد من نظرة على اوضاع هذه الدول التي انضمت مؤخراً الى عضوية الاتحاد، وهي خليط من الدول الكبيرة والمتوسطة والصغيرة. فبولندا التي يبلغ عدد سكانها 32 مليون نسمة تعد من اكبرها جميعاً، اما هنغاريا وجمهورية التشيك فتعدان من الدول المتوسطة اذ يبلغ عدد سكان كل منهما 10 ملايين نسمة أما دول البلطيق الثلاث لاتفيا يسكنها 2.3 مليون نسمة، استونيا 1.4 مليون نسمة ولتوانيا 3.5 مليون نسمة، فترجع اهميتها بالنسبة للاتحاد الأوروبي على رغم صغرها الى كونها تتشارك في الحدود مع روسيا!! كما ان مقارنة اقتصادات هذه الدول الشرق أوروبية باقتصادات الدول التي تطل على حوض البحر المتوسط والتي انضمت أيضاً معها الى عضوية الاتحاد الأوروبي، يؤكد وفق اي مقياس ان دول حوض البحر المتوسط هذه لا تملك مقومات جذب انظار الاتحاد الأوروبي الى المشكلات التي يعاني منها الجزء الجنوبي من هذا الحوض بأمل ان ترفع من درجات اهتمامه بملف علاقاته العربية. أضف الى ذلك ان تعداد سكان قبرص هذه الجزيرة المقسمة بين اليونان وتركيا لا يتعدى 771 ألف نسمة أما جزيرة مالطا فسكانها 440 ألف نسمة فقط. كذلك فإن اختبار مدى حاجة الاتحاد الأوروبي الماسة والتي ستوضحها السنوات المقبلة الى دعم قوة تماسك الدول الأوروبية التي انضمت اليه مؤخراً والعمل على تسهيل خطوات اندماجها على مستوى السوق الأوروبية يمكن قياسه بمقارنة الانتاج القومي لكل منها بالناتج القومي لأعضاء الاتحاد القدامى. هنغاريا التي يقطنها 10 ملايين نسمة يبلغ اجمالي انتاجها القومي 134 بليون دولار. جمهورية التشيك التي يقطنها 10 ملايين نسمة أيضاً يبلغ اجمالي انتاجها القومي 157 بليون دولار... بولندا وهي الأكبر من حيث تعداد السكان 32.6 مليون نسمة يصل اجمالي انتاجها القومي الى 373 بليون دولار. اما بلجيكا التي هي من الأعضاء القدامى للاتحاد فيصل اجمالي انتاجها القومي الى 229 بليون دولار على رغم ان تعداد سكانها لا يتجاوز 10 ملايين نسمة فقط اي أقل من تعداد سكان بولندا بنحو 22 مليون نسمة. ولا بد للاتحاد بالطبع ان يقلص الفجوة بين الأعضاء القدامى والجدد من اجل تحقيق مستوى من التناسق والانسجام بين الدول التي يتشكل منها الآن، لذلك فإن هناك شبه اجماع على ان ردم هذه الفجوة سيكون محور اهتمامات الاتحاد القادمة. وإذا أمعنا النظر في أحوال بولندا وجمهورية التشيك فإن هذا قد يعطي تفسيراً لمبررات انصراف التوجهات الأوروبية الاقتصادية والسياسية في السنوات القليلة القادمة نحو الشرق. فكل من البلدين يشارك ألمانيا التي تقع في قلب الاتحاد الأوروبي حدودها، وهي كما نعرف تناضل بقوة في مواجهة مستوى عال من التأمينات الاجتماعية وتكاليف اليد العاملة، ألمانيا هذه التي يبذل اقتصادها وصناعتها الخدمية جهداً كبيراً للبقاء في ظل منافسة من مثيلاتها الآسيوية، يمثل اختراقها للسوق الأوروبية ظاهرة ملحوظة تحتاج الى عائد كبير من وراء استثماراتها وتسعى الى تحقيق كلفة منخفضة في اسعار منتجاتها وأسعار زهيدة في مقابل نقلها. انضمام بولندا وجمهورية التشيك - بشكل خاص - الى الاتحاد الأوروبي يوفر لألمانيا ولغيرها من المستثمرين فرصة كبيرة لتحقيق مثل هذه الطموحات. اليد العاملة والباحثون العلميون في بولندا وجمهورية التشيك يتمتعون بمستوى عال من التعليم وتصل نسبة المتعلمين بين سكانهما الى نحو 99.8 في المئة. وفي بولندا مثلاً يعمل نحو 27.5 في المئة من اليد العاملة في مجال الزراعة التي تعاني صناعتها من القدرات المتواضعة بسبب العدد الكبير من المزارع الصغيرة، هذه الصناعة بعد اعادة تنظيمها ستؤدي الى توفير عدد هائل من الأيدي العاملة القادرة على الاندماج في سوق العمالة الأوروبية في مجالي الصناعة والخدمات. تبلغ تكلفة اليد العاملة والضمانات الاجتماعية في بولندا نحو ثلث مثيلتها في المانيا، من هنا يمكن القول ان السوق البولندية تعد بكل المقاييس الموقع البديل للصناعة الألمانية وبالطبع لغيرها من استثمارات الأعضاء القدامى في الاتحاد مثل المملكة المتحدة وفرنسا. اما جمهورية التشيك فتمثل لألمانيا ولغيرها من الدول الأوروبية القديمة ميداناً للجذب الاستثماري يماثل بولندا وإن كان يختلف عنها في بعض الأمور، فاليد العاملة هناك تتوزع كما يلي: 5 في المئة في ميدان الزراعة، 35 في المئة في الميدان الصناعي، اما ال60 في المئة الباقية فتعمل في ميدان الخدمات ويجب ألا ننسى ان هذه الجمهورية كانت تتمتع بوضع خاص في عالم الهندسة حتى ايام انضوائها تحت راية الاتحاد السوفياتي، وتعد الآن بعد ان تحررت من قبضة الاقتصاد الموجه من أفضل الأماكن على مستوى اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي المتحررة التي يجب ان تتبوأ مكانتها المتميزة في ميدان التكنولوجيا، وهذا يجعلها من أولى الأسواق التي ستتوجه اليها استثمارات دول الاتحاد الأوروبي القديمة. وعندما نمعن النظر في احوال دول صغيرة مثل لاتفيا وأستونيا وليتوانيا نجدها، على رغم كونها سوقاً محدودة، الا انها تمثل قاعدة صناعية لاستثمارات المانيا ولغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، حيث تملك كلها وسائل اتصال بحرية ميسرة الى الأسواق الأوروبية الاستهلاكية من ناحية، وتتيح لها حدودها المشتركة مع روسيا ان تتحول الى نافذة لصادرات الاتحاد الأوروبي الى أسواق روسيا الداخلية. ليس من السهل الاشارة الى حجم الاستثمارات التي يتوقع ان تضخها الدول الأوروبية الى داخل اسواق الأعضاء الجدد الذين انضموا الى اتحادها في ضوء الحقائق التي أشرنا اليها في ما سبق، على رغم توافر الأدلة التي تؤكد ان بعض الشركات العاملة في الدول القديمة العضوية في الاتحاد مثل بلجيكا وفرنسا والمملكة المتحدة قطعت على نفسها عهوداً بتفكيك مصانعها وبنقل مراكز انتاجها الى منطقة البلطيق وبولندا وجمهورية التشيك. من هنا يمكن القول ان توسع الاتحاد الأوروبي نحو الشرق يحمل في طياته احتمالات سلبية التأثير على الدول العربية سواء كانت تتمركز حول حوض البحر المتوسط أو في منطقة الخليج، لذلك ليس من قبيل المبالغة القول ان الدول العربية جميعها، في ضوء تنامي تعدادها السكاني، تعيش أجواء تنافسية طاحنة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وما تنقله معها من تكنولوجيا. تقول تقارير الأممالمتحدة في هذا الشأن ان 80 في المئة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة تتميز كما تبين سجلات الاستثمارات التي تشرف عليها الهيئة الدولية ان اميركا والاتحاد الأوروبي هما أكثر المستفيدين من هذه الاستثمارات بحكم سابق تفوق اقتصاداتهم التي تملك العدد الأكبر من المشاريع التجارية القابلة والقادرة على الاندماج معاً. هذه الحالة تترك بقية الاستثمارات العالمية التي لا تتعدى ال20 في المئة في حال صراع عنيف من أجل الفوز بموضع قدم في أسواق الاستثمار. وهذا يعني في شكل مباشر ان التوسع الأوروبي المنجذب الى اغراء الاستثمارات في أسواق دوله الجديدة ذات المستويات التعليمية العالية والتكنولوجية المتقدمة مع خفض تكلفة اليد العاملة، ترك لل20 في المئة من حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة ان تتنافس حول أسواق الصين وأسواق منطقة آسيا وأيضاً داخل الدول الأوروبية التي انضمت أخيراً الى الاتحاد الأوروبي. وهذا بدوره يضيف عاملاً آخر لأسباب سلبيات انعكاس التوسع الأوروبي نحو الشرق واستبقاء توجهات الاتحاد الأوروبي السياسية والاقتصادية تجاه الدول العربية في ذيل اهتماماته أكثر مما كانت عليه الحال سابقاً، ونعني بذلك التحديات التنافسية التي تواجه استثماراته المستقبلية. لذلك، ومن أجل دفع وتنظيم المسار العربي داخل المواقع السياسية للاتحاد الأوروبي وقطاعه الخاص يجب على الدول العربية مجتمعة وكل على حدة ان تسلك طريقاً شاقاً لإسماع صوتها داخل بروكسل وأيضاً داخل عواصم الدول الأوروبية التي انضمت أخيراً الى الاتحاد الأوروبي... هذا اذا أرادت ألا تفقد الأرضية التي تتمتع بها داخل دوائر صنع القرار الأوروبية. هذا الطريق الشاق لا يقتصر على الجهد الرسمي فقط، بل من الضروري أن يكون للحكومات وللقطاع الخاص دور في التعريف بوجهة النظر العربية وردود الأفعال التي تعكسها. والخلاصة فإن الواقع المر يقول انه منذ بدأ الحوار العربي - الأوروبي وحتى يومنا هذا لم يمنح الاتحاد الأوروبي لعلاقاته الاقتصادية بالعالم العربي إلا اهتماماً هامشياً مماثلاً لما تمنحه لهم الدول الآسيوية وأميركا وروسيا وكذلك فعلت دول شرق ووسط أوروبا التي انضمت أخيراً الى الاتحاد الأوروبي. ولكي تتغير هذه الأوضاع يجب على الدول العربية والقطاع الخاص لديها أن تكون أكثر قرباً من مراكز صنع القرار في العاصمة البلجيكية بروكسل التي كثيراً ما سمعنا من المسؤولين فيها قولهم: "لن يستمع اليك أحد ان لم ترفع صوتك هنا وان لم تقرع طبولك"، فمتى نفعل؟ * اقتصادي عربي مقيم في لندن.