يقول الشاعر العربي: ويقضى الأمر حين تغيب تيم/ ولا يستأذنون وهم شهود و"تيم" الواردة في هذا البيت من الشعر قبيلة عربية أراد الشاعر ان يهجوها هجاءً مقذعاً يوحي بما بلغ بها الهوان والصغار، وأنها لا يؤبه لها، ولا يؤبه بها وأن أي أمر مهم أو غير مهم يتعلق بهذه القبيلة يمكن ان يبت فيه وهذه القبيلة غائبة. هذه حال "تيم" التي أراد أن يعبر عنها الشاعر في بيته الحكيم، فهل يختلف حال "تيم" عن حال الأمة العربية الآن؟ أظن أنه لا اختلاف في شيء قط. طرحت أميركا ما سمته مبادرة إصلاح الشرق الأوسط الكبير الذي يضم بين جنباته كل الدول العربية ودولاً أخرى. وطرحت أميركا هذا المشروع لإصلاح "تيم" من دون أن تستشار "تيم" في شيء، ذلك أن هذه لا إرادة لها ولا وزن ولا اعتبار، وهي متخلفة ويراد إخراجها من وهدة التخلف بهذه المبادرة الاميركية. وستعقد مؤتمرات لمناقشة هذه المبادرة وغيرها "وتيم" عنها غائبة كل الغياب. والذي لا شك فيه ان "تيم" متخلفة وأنها تحتاج الى ما هو أكثر من الإصلاح. إنها تحتاج الى "نفضة"، أي تحتاج الى أن "تنتفض" لتزيح ما علاها من الغبار لكي تصبح بعد ذلك قابلة للإصلاح. والعالم كله من حول "تيم" يقيم تكتلات اقتصادية ومناطق تجارة حرة وأسواقاً مشتركة في آسيا وفي أوروبا. بل إن دول أوروبا التي حاربت بعضها حروباً شرسة أدركت أنه لا حياة لها بغير التكتل والتوحد فاتجهت الى أن تصبح دولها الخمس والعشرون أقرب الى أن تكون دولة واحدة لها دستور واحد وعملة واحدة، وسوق واحدة يدخلها الناس من خارجها بتأشيرة واحدة وينتقلون هم في داخلها بغير قيود. اما أفراد "تيم" فبأسهم بينهم، والعياذ بالله، شديد. لا يستطيع أحد ان ينتقل من هذا النجع الى ذلك النجع إلا بعد اجراءات معقدة وطويلة. ويظن بعض ابناء تيم أن تأشيرة الدخول اليها هي تأشيرة الدخول الى الجنة، ولو علموا لأدركوا انهم على رغم ما يتصورونه من غنى ومن ثراء أنهم أضعف أهل الأرض طراً، وانهم جميعاً عندما يضاف بعضهم الى بعض لا يصلون في مجموعهم الى بلد مثل ايطاليا ومثل اسبانيا وكلاهما ليس من أغنى الدول الأوروبية. دول أوروبا تحكمها مؤسسات. وهذه المؤسسات تستند الى قواعد قانونية وتعمل في إطار سيادة القانون. وشعوب هذه الدول هي التي تختار حكامها وهي التي تحاسبهم وهي التي تغيرهم، وكل ذلك وفقاً لقواعد القانون. أما "تيم" فإن شعوبها لا شأن لها بحكامها. يأتون بالقدر ويذهبون بالقدر. لا يحاسبهم أحد ولا يحبهم - في الحقيقة - أحد. ويعلن في الصحف وفي الإذاعات وفي كل وسائل الإعلام أن شعوبهم تهيم بهم حباً وغراماً وأنهم يختارون بنسب لا تقل عن 90 في المئة بل وصلت في مرة من المرات الى 100 في المئة. ومن عجب أن بعض شيوخ تيم - أي بعض حكام بعض أقاليمها - تقول كل تصرفاته إن مكانه الطبيعي هو في مكان مختلف تماماً عن مكان القيادة والحكم. وهكذا يعرف العالم كله ان "تيم" هذه هي أعجوبة من الأعاجيب التي نسيها التاريخ وترك مياهها راكدة آسنة حتى وصلت الى ما وصلت إليه. ولكن بعض أبناء "تيم" - وقد أكون واحداً منهم - يتساءلون هل التخلف والهوان بالنسبة الينا ضربة لازب لا فرار منها أم أن هذا التخلف له أسبابه، فإذا زالت زال الهوان؟ بمعنى آخر هل يمكن أن يكون لتيم وزن؟ وهل يمكن أن لا يقضى الأمر في غياب تيم وأن تستباح أمورهم وأقدارهم وهم شهود حضور. هل من الممكن ان يكون ذلك؟ وهل هذا الممكن مرتبط بمبادرات تهبط من السماء؟ أم أنه ممكن بغير هذه المبادرات. الذي لا شبهة فيه عندي أنه لا أحد من خارج ابناء قبيلة "تيم" يريد إصلاحاً لأحوال "تيم" لسبب بسيط وواضح هو ان بقاء تيم متخلفة ومفككة وضعيفة يحقق مصالح الذين يتشدقون بأنهم يريدون إصلاح أحوال "تيم" والأمور أوضح من أن تحتاج الى شرح كبير. لو فرضنا العكس ماذا ستكون النتيجة؟ ولو فرضنا ان بطون قبيلة "تيم" التقت وسائد بعضها بعضاً وأقامت تكتلاً اقتصادياً يتكلم لغة واحدة ويتعامل بعملة واحدة وله مصلحة واحدة لحقق ذلك لتيم منافع كبيرة ولأعطاها وزناً في أي حوار أو مفاوضة، فهل ذلك في مصلحة من يقولون إنهم يريدون إصلاح أحوال "تيم". أعتقد لا. هم يريدون ان يصلحونا بمعنى إذابة هوية "تيم" بحيث تصبح شيئاً آخر. والحقيقة أن الهوية الحالية لتيم مشوشة، وهذا هو الذي يغري بمسخ تلك الهوية وإذابتها في كيان واسع. والأهداف واضحة وجلية: أ- إحكام الهيمنة الامبراطورية الاميركية على العالم. ب- فرض السيطرة الكاملة على كل منابع الطاقة اذ تتمتع "قبيلة تيم" بحصة كبيرة. ج- تمكين المندوب السامي لأميركا في المنطقة واسمه إسرائيل بن صهيون من تأديب أهل تيم وإذلالهم تمهيداً لإصلاح أحوالهم. واذا كان ذلك كذلك وكانت الأمور أوضح من أن تختلط على أحد فما الحل؟ الفرض الأول... والذي توحي شواهد كثيرة برجحانه أن مصيرنا هو مصير الهنود الحمر الذين أنهت وجودهم أميركا منذ قرنين وتتهيأ الآن لإذابة وجودنا وإنهائنا بدعوى إصلاحنا تحقيقاً للأغراض الامبراطورية التي أشرت اليها في الفقرة السابقة. أما الغرض الثاني... وهو ما قد أكون أكثر ميلاً إليه بدليل أنني ما زلت أمسك القلم وأكتب وألتقي طلابي في الجامعة واتحدث في الندوات وأتكلم في الفضائيات، أن هذه الأمة لها رصيد تاريخي وأن هذا الرصيد عصي على الذوبان وأن الهنود الحمر انتهوا الى هذا المصير لأنهم كانوا - مثل غزاتهم - بغير رصيد حضاري ومن هنا سهل اجتثاثهم. ولكن، هل ذلك الرصيد الحضاري كافٍ وحده للبقاء والاستمرار؟ قطعاً لا. إن هذا الرصيد الحضاري هو القاعدة التي يجب أن نبني عليها بنياناً حديثاً يصلح لهذا الزمن. وهذا البنيان الحديث يقوم على محاور ثلاثة كل محور منها يحتاج الى حديث. هذه المحاور الثلاثة هي: أ- الايمان بالمنهج العلمي في الحياة. الايمان بالعلم وبالبحث العلمي، وأنه بغير علم ومنهج علمي فإن كل بنيان لا بد من أن ينهار كالعمائر التي تبنى على غير قواعد العلم الهندسي السليم. ب- الايمان بالديموقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان وتداول السلطة، وأن إرادة الشعوب هي التي لها الأمر والنهي والغلبة، وأن السلطة للشعب وليست للحكام. ج- الجدية. ان نأخذ أمورنا مأخذ الجد وأن نكتفي بما قلناه من شعارات وأقمناه من "ديكورات" وأن ننصرف الى العمل الجاد. هذه هي المحاور الثلاثة التي لا بد منها لكي تصبح "تيم" موجودة على خريطة العالم. * كاتب - وزير مصري سابق.