يتفق معلقون إسرائيليون بارزون على نجاح رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون في تخطي الحواجز التي انتصبت في طريق بقائه في سدة الحكم خطة الفصل الأحادي وملف الرشوة سيدفعه إلى التحليق من جديد ليعود كما كان في بداية ولايته، آمراً ناهياً غير آبه باتساع رقعة المعارضة له في أوساط اليمين المتطرف بعد أن ضمن حزب العمل المعارض في جيبه، لإدراكه أن أقطابه بانتظار ايماءة منه لينضموا إلى حكومته. وليس من شك في أن القرار المتوقع للمستشار القضائي للحكومة ميني مزوز طي ملف الرشوة فيما بات يُعرف ب"الجزيرة اليونانية" يُزيح عن رأس شارون سيفاً مصلتاً منذ أكثر من ست سنوات، خصوصاً في الأشهر الأخيرة بعدما أوصت المدعية العامة السابقة عدنة ارييل بتقديمه للمحاكمة. ويبدو أن التبرئة المتوقعة هي التي تحدو بشارون إلى التريث قبل ادخال تغيير على ائتلافه الحكومي الهش، فهو يسعى أولاً إلى ابقاء نواب حزب "مفدال" الأربعة داخله، علّه يفتت بذلك جبهة المعارضة المتراصة في صفوف اليمين المتشدد، وهكذا يمنح خطته للانفصال الأحادي شرعية أقوى بداعي أنها تحظى بدعم مختلف الأحزاب من اليمين واليسار، ثم انه لن يتردد في التفاوض مع حزب ديني متشدد آخر هو "يهدوت هتوارة" لإقناعه بالانضمام إلى الائتلاف مقابل اغداق موارد مالية نحو 70 مليون دولار على مدارس الحزب الدينية. ويبقى أمام شارون دائماً خيار ضم "العمل" بزعامة شمعون بيريز الذي لا يخفي أنه سئم الجلوس على مقاعد المعارضة البرلمانية ويرغب بالعودة إلى كرسي وزير الخارجية الذي شغله في حكومة شارون الأولى، وقام بتوفير المظلة لشارون وتلميع صورته في الرأي العام العالمي. ومع زوال السبب الذي حال دون التحاق "العمل" بالحكومة ملف الرشوة أضحى انضمامه مسألة وقت يقرر فيها شارون نفسه، لكن هذا لا يبدو أنه على عجل، إذ يفضل أن تهدأ العاصفة التي هبت داخل حزبه "ليكود" بعيد إقرار الحكومة خطة الفصل على رغم قرار منتسبي الحزب رفضها. ونجح أول من أمس في تليين موقف القطب البارز وزير المال بنيامين نتانياهو الذي تراجع عن الرفض التام لانضمام "العمل"، ليشترطه بقبول الأخير الخطوط العريضة لسياسة الحكومة الاقتصادية. وسبق لوزير معارض آخر، تساهي هنغبي، ان أعلن هو أيضاً أنه يفضل "ابتلاع" انضمام "العمل" على الذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة. كما يعوّل شارون على تراجع نشاط متمردي "ليكود" الذين يخشون فقدان كراسيهم في الكنيست في حال تبكير موعد الانتخابات. ووراء "هدوء" شارون هذا ادراكه أن المعارضة الحالية في الكنيست ليست قادرة على حشد 61 نائباً لاسقاطه وانتخاب بديل له واستبعاده أن ينضم "العمل" إلى مبادرة كهذه لتفادي اتهامهم بإطاحة رئيس حكومة وضع خطة للانسحاب من غزة. ويعيش حزب "العمل" من جهة، حالاً من الفوضى، إذ أن غالبية أعضاء كتلته البرلمانية تتلهف للحصول على مناصب وزارية، وفي مقدمهم شمعون بيريز، الذي سيطالب، طبقاً لمصادر صحافية، بمنصب وزير الخارجية والمسؤول عن المفاوضات مع الفلسطينيين، بالإضافة إلى مطالب "العمل" بوضع جدول زمني كامل للانسحاب من غزة، وتغيير السياسة الاقتصادية والحصول على ست حقائب وزارية، وجميعها تبدو مطالب يستحيل على شارون قبولها، لعلمه أن تنحية وزير الخارجية سلفان شالوم، الذي يتمتع بشعبية واسعة داخل "ليكود" ستشعل حريقاً قد تطاله نيرانه، الأمر الذي يبقى أمام شارون إمكان "تصميم وتفصيل" بذلة خاصة لبيريز. وملخص القول إن الدلائل تشير إلى أن شارون سيحاول "جر" الوضع الحالي حتى انتهاء الدورة الصيفية للكنيست مطلع آب اغسطس المقبل ليكون أمامه متسع من الوقت ليقرر طبيعة توليفته الحكومية الجديدة ليعرضها على الكنيست لنيل الثقة في أواخر أيلول سبتمبر المقبل.