فاحت امس رائحة انتخابات برلمانية مبكرة بقوة في اسرائيل وسط اجماع قادة الاحزاب السياسية كافة والمعلقين في الشؤون الحزبية على ان الحكومة الحالية برئاسة آرييل شارون تصارع الموت ولم يتبق سوى اعلان موعد لانتخابات جديدة في العام المقبل. ونقلت مصادر اعلامية عن قريبين من شارون انه سيختار بنفسه الموعد الملائم لمثل هذا الاعلان وانه سيعمل من اجل ان تجري الانتخابات بعد تنفيذ خطته للانفصال الاحادي عن قطاع غزة اواخر الصيف المقبل او في اوج التنفيذ لقناعته بان الخطة تتمتع بدعم واسع في اوساط الاسرائيليين، ما يعزز حظوظ ترشيحه على رأس لائحة ليكود من جديد وفوزه في الانتخابات العامة ليعود ويشكل حكومة ثالثة بزعامته. وادخل اصرار حزب "شينوي" العلماني، الشريك الوحيد المتبقي لليكود في الائتلاف الحكومي المتداعي، على الانسحاب منه احتجاجاً على قرار شارون تحويل مبالغ مالية كبيرة للمتدينين يهدوت هتورة وشاس لضمان تصويت نوابهم الى جانب مشروع الموازنة العامة الحلبة الحزبية في دوامة وارتباك شديدين، فعجّت الكنيست امس باجتماعات طارئة لمختلف الكتل البرلمانية لمواجهة تداعيات مغادرة "شينوي" الحكومة والاعداد لانتخابات برلمانية مبكرة محتملة جداً. وعلى رغم ان الحكومة أفلتت امس من حجب الثقة عنها الا ان دوام الحال من المحال، اذ ينتظرها غداً امتحان جدي حين ستطلب من الكنيست التصويت بالقراءة الاولى على مشروع الموازنة للعام المقبل. وفي حال نفّذ حزب "شينوي" تهديده بالتصويت ضد المشروع فان احتمال توافر غالبية من 61 نائباً تعارضه وارداً، اي ان الحكومة ستسقط وهو الاحتمال الذي يخشاه شارون الذي يبذل في الايام الأخيرة جهوداً لاقناع ممثلي الاحزاب الدينية 21 نائباً بتأييد المشروع لقاء رشوتهم بالاموال لدعم مؤسساتهم ومدارسهم الدينية. لكن هذا الدعم ليس أكيداً بعد، اذ فتح "سخاء" شارون شهية قادة حركتي "شاس" و"يهدوت هتوراة" لطلب المزيد وإحداث تغييرات جدية في بنود الموازنة تخفف من الضربات التي تنزلها بالشرائح الضعيفة لقاء منحهم اصواتهم في الكنيست. واكثر من هذا فإنه حتى التصديق على الموازنة لا يضمن البتة استمرار الحكومة او يمنح شارون فرصة حقيقية لتشكيل ائتلاف حكومي جديد يستند الى قاعدة برلمانية متينة، وذلك ازاء الاوضاع الداخلية سواء في "ليكود" او حزب "العمل" التي تضعف احتمالات الشراكة الحكومية بين أكبر حزبين. ويلفت معلقون الى تخبط الأحزاب في اتخاذ مواقف واضحة ومحددة تقود الى استقرار الوضع الحزبي في الدولة العبرية. ويشير هؤلاء الى ان الارتباك هو سيد الموقف فحركة "ياحد" المحسوبة على أقصى اليسار الصهيوني هي التي حالت بامتناع نوابها أمس عن التصويت الى جانب مذكرات حجب الثقة، دون سقوط الحكومة بحجة ان ذلك سيحول دون تطبيق خطة الانفصال، علماً ان الحركة اعتبرت حتى الأمس القريب الخطة "كارثة" ووصفت شارون بأنه اسوأ رئيس حكومة في تاريخ اسرائيل. ثم الاحزاب الدينية المتشددة التي هاجمت شارون في كل مناسبة واعتبره أحد زعمائها الروحيين بأنه "يصلح ليكون رئيس حكومة لحاويات نفاية"، باتت تميل الى الانضمام الى حكومته بعدما حسم ولاءها بالرشوة. أما حزب "شينوي" الذي أظهر ولاء لشارون فاق الولاء الذي قدمه حزب ليكود الذي يتزعمه شارون، أضحى بين ليلة وأخرى من أشد المتحمسين للاطاحة به. وفي حزب "العمل" المعارض، نزاع بين أقطابه على زعامته ينعكس على الموقف من دخول حكومة برئاسة شارون. زعيم الحزب شمعون بيريز الذي مل الانتظار واستشاط غضباً على شارون لعدم استدعائه لحكومته، أصبح معارضاً قوياً وسحب شبكة الأمان البرلمانية التي وعد بتوفيرها لشارون، فيما القطب الآخر ايهود باراك يطالب بتقديم موعد الانتخابات الداخلية لزعامة الحزب الى نيسان ابريل المقبل لقناعته بأن الانتخابات التشريعية العامة ستجري في غضون العام المقبل. ويرى معلقون ان قبول المكتب السياسي للحزب الذي ينعقد اليوم، باقتراح باراك سيعني بقاء "العمل" خارج الحكومة، ما يعني استحالة تمكن شارون من تشكيل ائتلاف جديد. وليس الوضع في "ليكود" الحاكم بأفضل، فغالبية اعضائه تؤيد ضم الاحزاب الدينية الى الحكومة بدل "شينوي"، ما يوفر لها قاعدة برلمانية أوسع، لكن حكومة كهذه ستجهض مشروع شارون لتنفيذ الانسحاب من غزة. الى ذلك يرفض "متمردو ليكود "قطعاً اعادة البحث في امكان ضم "العمل" ويعتبرون المسألة "خطاً أحمر" لا يمكن تجاوزه. وتناولت كبرى الصحف العبرية "يديعوت احرونوت" مختلف الخيارات المتاحة لشارون في حال نفذ حزب "شينوي" تهديده بالانسحاب من الحكومة أو أقدم شارون على إقالة وزراء هذا الحزب رداً على عدم تصويتهم الى جانب الموازنة: - انتخابات مبكرة بعد تنفيذ الانسحاب: يقوم هذا الاحتمال على افتراض توصل شارون وبيريز الى تفاهمات تقتضي بأن يمنح "العمل" شبكة أمان "برلمانية للحكومة لتنفيذ خطة الانسحاب في مقابل تقديم موعد الانتخابات العامة الى خريف العام المقبل، بعد اتمام الانسحاب. وترى الصحيفة في هذا الاحتمال الأقوى بين سائر الاحتمالات الأخرى. - حكومة جديدة من دون شينوي: تشكيل ائتلاف حكومي جديد يضم ليكود و"يهدوت هتوراة" و"شاس". مثل هذا الائتلاف سيؤيده "ليكود"، لكن "العمل" سيشترط مشاركته بالتزام الحركتين الدينيتين دعم خطة الفصل. وتعتقد الصحيفة ان هذا الاحتمال وارد بقوة ويحظى بتأييد شارون وبيريز. - انتخابات مبكرة: يبادر رئيس الحكومة الى انتخابات مبكرة مطلع العام المقبل بعدما يفشل في توسيع حكومته. واحتمال معقول ووارد، برأي "يديعوت احرونوت". وتستبعد الصحيفة تشكيل شارون حكومة بمشاركة "شينوي" العلماني والاحزاب الدينية أو ائتلاف جديد يضم احزاب اليمين المتطرف والمتدينين أو اقامة حكومة علمانية بمشاركة "ليكود" و"العمل" و"شينوي".