تشغل قضايا الشباب حالياً حيزاً مهماً في سياسات الدول وبرامج الاحزاب والمنظمات الدولية وفي طليعتها ال "يونيسكو" التي جعلت منها "اولوية قصوى في استراتيجيتها الشبابية للاعوام الخمسة المقبلة". ويشكل الشباب اليوم نحو 18 في المئة من سكان العالم اي ما يعادل اكثر من بليون شاب وشابة ممن تراوح اعمارهم بين 18 و27 عاماً. وبات وجودهم، حقيقة راهنة لا يمكن تجاهلها او تهميشها. ولا غرو اذا تمحورت انشطة الشباب حول بعض العناوين الكبرى الهادفة الى نشر ثقافة السلام وتعميمها واحداث التغيير الديموقراطي الاجتماعي والسياسي كسبيل للانتقال من التخلف والتقليد الى الحداثة والعصرنة. هكذا هي حال الشباب في البلدان الاوروبية والاميركية المتقدمة، وهكذا هي حال شريحة من الشباب العرب عامة واللبنانيين خاصة في المغترب الكندي. فهؤلاء سواء ولدوا في كندا او وفدوا اليها اطفالاً ويافعين، تعلموا في مدارسها ومعاهدها وجامعاتها واتقنوا لغاتها وترعرعوا على مفاهيم المواطنة والديموقراطية وفي مقدمها الحوار الهادئ وحرية التعبير واحترام الآخر، الى ان اصبحوا جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي الكندي. ويتابع هؤلاء الشباب ما يجرى حولهم من قضايا الساعة، سواء من خلال نشاطاتهم في الروابط الطلابية اوالبرلمانات الشبابية او من خلال تطوعهم في الاستحقاقات الانتخابية البلدية والبرلمانية. وهم بذلك يحذون حذو من سبقهم من الشباب العرب واللبنانيين الذين يخوضون اليوم اولى معاركهم الانتخابية المتوقع لها ان تجرى في 26 الجاري ويشترك فيها اكثر من 20 مرشحاً في مونتريال وضواحيها. وهي ظاهرة "تنم عن جرأة كبيرة للشباب العرب في محاولة لكسر حواجز الخوف والدونية والعنصرية وتصميمهم على التمسك بالمواطنية الكندية التي لا تميز بين انسان وآخر سواء لجهة لونه او ثقافته او دينه او اصوله الاتنية" على حد تعبير هيفا قليلات 20 عاماً وهي طالبة جامعية لبنانية، واحدى المتطوعات في حملة المرشحة ماريا موراني عن حزب "بلوك كيبكوا" المعارض. وفي سياق الحديث عن الحملة الانتخابية الجارية في كيبك كان لقاء مع مجموعة من الشباب والشابات اللبنانيين، من مختلف الطوائف، والذين لم يكونوا مجرد متطوعين وحسب وانما يتمتعمون فعلاً بفهم وخبرة واحاطة واعية لكل ما يقومون به من انشطة ثقافية واهتمامات سياسية وحزبية من خلال مواقعهم المختلفة في برلمان الشباب الكيبكي. تحدث نايف مصطفى 21 عاماً، سنة ثالثة حقوق كرئيس لبرلمان الشباب، فرع مونتريال، عن طموحاته السياسية التي يعمل على تحقيقها، من منطلقين "بناء قاعدة طلابية في برلمان الشباب وتدرجه في الحزب الكيبكي ووصوله الى مركز قيادي يؤهله لترشيح نفسه عن الانتخابات البلدية او النيابية". اما زميله زين مظلوم 19 عاماً الطالب في السنة الاولى حقوق ونائب رئيس برلمان الشباب، فيشدد على ضرورة ممارسة العمل الحزبي بغض النظر عن الحزب بحد ذاته، مشيراً الى ان تردد بعض الشباب او امتناعهم عن مثل هذه المشاركة، مرده في اعتقادهم الى ان الاحزاب الكندية او الكيبكية تشبه الاحزاب العربية واللبنانية. ويرى انه "طالما استمر غياب اللبنانيين والعرب عن اللعبة الحزبية، سيبقى وجودهم مهمشاً وتأثيرهم في المعادلة السياسية الكندية محدودا جدا". وفي مقارنته بين الحركة الطالبية في كيبك ولبنان يقول جان حنا 23 عاماً طالب هندسة كومبيوتر، ان "الطلاب هناك يتعرضون للقمع ويلاحق الناشطون في الحركات السياسية للاعتقال. في حين اننا هنا وكطلاب معارضين للحكومة الفيدرالية نعبر عن آرائنا ونتظاهر داخل حرم الجامعات وخارجها من دون ان يعترض سبيلنا احد". ويضيف: "آمل في أن نصل ذات يوم في لبنان الى مثل هذا المستوى من الحرية والديموقراطية واحترام حقوق الانسان". يعتبر برلمان الشباب اهم مؤسسة شبابية في كيبك والشمال الاميركي، وله تاريخ عريق في صناعة الكوادر السياسية وتخريجها وايصال العديد من البرلمانيين الى سدة المجالس التمثيلية والحكومية. وهو المكان المفضل لتأهيل الشباب وتدريبهم على فنون الحكم وممارسة اللعبة الديموقراطية تماماً كما يجرى في البرلمانات الرسمية. ففيه ينقسم الشباب الى موالين ومعارضين وتقدم مقترحات القوانين التي تنظر فيها لجان متخصصة. وتجرى تحت سقفه مناقشة المسائل السياسية والاجتماعية والثقافية كلها. ويكشف نايف مصطفى بحكم منصبه كرئيس لاحد البرلمانات الشبابية عن بعض القضايا التي يجرى عرضها ومناقشتها مثال خفض الرسوم الجامعية كخطوة على طريق مجانية التعليم العالي، وانشاء عيادات صحية خاصة للشباب، ودعم الحركات النقابية، وملاحقة قضاياهم المطلبية وخصوصاً بالنسبة الى سائقي التاكسي وغالبيتهم من العرب واللبنانيين، وتخفيف التشدد في اجراءات الهجرة لا سيما للوافدين من الشرق الاوسط والغاء القوانين الاستثنائية التي سنتها الحكومة الفيدرالية بعد احداث 11 ايلول سبتمبر تحت اسم مكافحة الارهاب، واعادة الاعتبار لمكانة كندا كدولة حيادية في المحافل الدولية وعدم خضوعها للابتزازات الاميركية. وفي الختام تمنى مصطفى ورفاقه ان يروا في وطنهم لبنان "قريباً برلماناً للشباب يكون بداية لحركة تغيير ديموقراطي يعبرون من خلاله الى المقاعد النيابية ويحلون تدريجاً محل العديد ممن تدفع بهم الزعامات التقليدية والدينية والطائفية والمالية التي تتحكم بشؤون البلاد والعباد".