يسرني أي نجاح تحققه المرأة السعودية في غير مجالاتها المعروفة، وأعتبر هذا النجاح تحدياً وإثبات وجود لها، وسعدت كثيراً بفريق كرة القدم النسائي الذي تأسس في جدة وضم مجموعة من السيدات، وسعدت كثيراً بحملة سيدات الأعمال الداعية الى إلغاء الوكيل، وجمعية أخرى للمطلقات، وفي المجتمع حراك نسائي ورغبة اجتماعية لمنح المرأة دوراً اكبر في مجالات متعددة من شأنها أن تسهم في خدمة قضايا أخرى، وتنال حقوقها، ولهذا نجد هذا الحراك وهذه الرغبة من اجل كسر الجمود، فرأينا كابتن طيار، ومحامية وعالمة، مع التطور العلمي والتقدم الحضاري، يسأل المواطنون ما الخطوات التي تدرسها الجهات الحكومية لمواجهة الحياة العصرية بكل تحدٍ؟ طالما انها تدخل ضمن المصلحة العامة، هل هي تنازلات او انها تطورات؟ أسئلة عدة، ولكن تستغرب أن هذه القيود الاجتماعية، تتكسر حينما تذهب إلى الخارج أو إلى دولة مجاورة. قبل اسبوع لفت انتباهي تصريح منسوب إلى مدير إدارة الافتاء في دبي أحمد بن عبدالعزيز الحداد، صرح به الى شبكة «سي إن إن» العربية، يقول مدير الافتاء في دبي: «سمعت من عدد من النساء أنهن يردن أن يصبحن مفتيات، لكن على ندرة ومن غير تأهل، ولذلك لنا طموح أن نستقطب من لديها أدنى تأهل من الراغبات وتأهيلهن في ميادين الإفتاء»، ويضيف مدير الافتاء: «إنه لا يوجد خلاف في فتوى المرأة المتأهلة بين العلماء، كما كانت أمهات المؤمنين يقمن بذلك وغيرهن من نساء المهاجرين والأنصار اللاتي تفقهن في مدرسة النبوة، ولم يكن الحياء يمنعهن من التفقه في دين الله»، ويقول: «إذا وجدت المرأة المتأهلة والمتخصصة في العلم الشرعي، قرآناً وسنة وفقهاً وأصولاً وقواعدهما ومعرفة الأعراف والأحوال، فنحن نرحب بهن، وسيخففن عنا كثيراً من عناء النساء اللاتي يحتجن إلى عنصر نسائي يشرح لهن أحوالهن الأسرية والنفسية، والتي يشق عليهن بيانها للعلماء الرجال». بصراحة أعجبني نضج فكر هذا المسؤول وحرصه على المصلحة العامة، وايضاً أهميته لكي تأخذ المرأة مكاناً مهماً، ليس فقط في اماكن أخرى ذات أهمية اجتماعية او مواقع يمكن أن نسميها مجاملة من أجل توظيف المرأة فقط، وليس الغاية، بل أماكن اخرى يمكنها ان تقدم رسالة وتخفف من وطأة الحمل على الرجل، وتساعدها على اخذ حقوقها ومقارعتها من انتزاع حقها. حديث مدير إدارة الإفتاء نشرته اربيان بزنس، وأخذت تعليقاً حول الموضوع من الناشطة الاماراتية في قضايا الاسرة والمرأة السيدة الفاضلة وداد لوتاه، ما لفت انتباهي في التعليق، وهو ان السيدة وداد قالت في ختام تصريحها: «إن هناك نساءً فقيهات في السعودية، ويمكنهن القيام بذلك الدور»، وهي تأمل ان تستطيع تأهيل النساء ليكن مفتيات، بالطبع التعليق كان مطولاً وكلها كانت تصب في المشاكل التي تواجه المرأة لإيصال او شرح قضيتها امام القاضي، خصوصاً إن كانت المسألة فيها حرج، وتخجل المرأة أن تتحدث عنه أمام الرجل القاضي او المفتي، فحياؤها يمنعها. طبعاً هذا الكلام يحدث بعد عام من تعيين اول امرأة قاضية في امارة ابوظبي، حينما اصدر رئيس دولة الامارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في (آذار) مارس الماضي قراراً بتعيين خلود احمد جوعان الظاهري في وظيفة قاضٍ ابتدائي على الفئة الثالثة بدائرة القضاء في ابوظبي، وكانت مملكة البحرين اعلنت في وقت سابق تعيين امرأة قاضية. ما دفعني للحديث عن هذا الموضوع، ونحن نعيش مرحلة التأسيس والتغيير في مجال القضاء، منذ ان أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز التعديلات والتغييرات الوزارية الاخيرة، وحملت فيها مفاجأة سارة بتعيين سيدة في منصب وكيل وزارة في وزارة التربية والتعليم بمرتبة وزير، هذا يعني انه ليس هناك ما يمنع من ان ندفع بالعديد من الاصلاحات بما يخدم المصلحة العامة والمجتمع، ويسهل لرجال القضاء والجهات المعنية أداء أعمالها. المرأة السعودية ومنذ أن أسس بنيانها الملك عبدالعزيز، وتبعه من بعده أبناؤه، جميعهم كانت لهم لمسات وجهود مضنية، ونحن اليوم في عهد الملك عبدالله، حيث تعيش المرأة التطور في مختلف اوجهها ومجالاتها، وتشكيلات القضاء بعد التغيير الجديد لا تزال في بداياتها يمكن ان يبادر المسؤولون في الاعلان عن أماكن شاغرة للنساء في القضاء والمحاكم، وان تُعطى لها مساحة صغيرة لتطل منها وتقف سنداً لبنات جنسها في السماع للقضايا والمشاكل، ولا يخفى على أحد أن الكثير من القضايا الاجتماعية الموجودة والعالقة في محاكمنا لها علاقة مباشرة بالنساء، فنسب الطلاق لدينا مرتفعة، وقضايا الميراث وضياع الحقوق وغيرها من القضايا المرأة كانت الطرف الآخر في القضية، نحن لا نطالب بالمستحيل، فدول مجاورة تستشهد بقدرات نسائنا وهي تعيش مثلنا القيم والعادات والتقاليد نفسها طالما اننا في مجتمع خليجي واحد، هل يمكن ان نقول إن الطريق أمامنا لا يزال طويلاً لكي نذيب الحواجز الاجتماعية، ونفسح الطريق أمام الكثير من الأعمال والأنشطة، أم نرى غداً فقيهات سعوديات ومحاميات يعملن في المحاكم الاماراتية، مثلما اتجهت الكثير من النساء لدينا للعمل فيها في مجالات أخرى؟ * إعلامي وكاتب اقتصادي