تلقي الولاياتالمتحدة ووكالة الطاقة الدولية مسؤولية ارتفاع اسعار النفط على دول"أوبك". والإدارة الاميركية مقتنعة بأن قرار"أوبك"خفض انتاجها بدءاً من شهر نيسان ابريل الماضي، هو السبب في ارتفاع الاسعار. إلا ان وزراء الدول الاعضاء في"أوبك"يؤكدون ان هذا ليس واقع الحال. فوزير النفط السعودي علي النعيمي، ردّ على هذه الاتهامات اثناء وجوده في واشنطن الاسبوع الماضي، بقوله ان ليس هناك شحّ في العرض النفطي العالمي، وان العرض متوفر. ووزير الطاقة القطري عبدالله العطية أكد في القمة النفطية الدولية، التي عُقدت في باريس الاسبوع الماضي، أن أياً من المتعاملين في السوق النفطية لم يبلغه بأنه يواجه صعوبة في ايجاد شحنات من النفط. ومدير الابحاث في"أوبك"الدكتور عدنان شهاب الدين الذي يكرّس دراساته لجمع ارقام العرض والطلب في الاسواق النفطية، أكد ايضاً أن السوق العالمية مشبعة بالنفط وأن المخزون التجاري في الولاياتالمتحدة أصبح بمستويات مرتفعة. والواقع أنه على رغم ما قيل عن قرار"أوبك"خفض انتاجها فإن الارقام تظهر أن هذا الانتاج يفوق الحصص المحددة لكل منها. وكان النعيمي أوضح في واشنطن أن قرار"أوبك"خفض الانتاج لا يعود الى رغبة في احداث شحّ في السوق، وانما يستند الى معلومات دقيقة من خبراء الصناعة النفطية، ووكالة الطاقة الدولية، والادارة الاعلامية للطاقة الاميركية التي توقعت انخفاضاً في الطلب في هذه الفترة. واتسم العرض الذي قدمه النعيمي في واشنطن بالوضوح، اذ أكد أنه من وجهة النظر السعودية والمنتجين في"أوبك"فإن ارتفاع اسعار البنزين في الولاياتالمتحدة مردّه الى القوانين الاميركية البيئية المفروضة على البنزين اضافة الى قلّة المصافي لانتاج مثل هذا البنزين. وأكد أن ارتفاع مستوى انتاج النفط لن يؤدي بالضرورة الى انخفاض في اسعار البنزين في السوق الاميركية. وجاء الرد على كلام النعيمي من وزارة الطاقة الاميركية التي أكدت ان ارتفاع انتاج"أوبك"قد يخفض كلفة انتاج البنزين في الولاياتالمتحدة، مما يشجع اصحاب المصافي على المزيد من الانتاج وعلى زيادة مخزونهم على المدى الطويل. لكن الادارة الاميركية، لاسباب سياسية واضحة، ولأن اسعار البنزين المرتفعة مؤلمة للمستهلك الاميركي، تلقي المسؤولية على"أوبك"، على رغم ادراكها التام بأن المشكلة بنيوية تتمثل اولاً بقلّة المصافي الاميركية. في الوقت نفسه، من المعروف ان اسعار النفط ترتفع تقليدياً في هذه الفترة من السنة بسبب انخفاض في الطلب، لكن الارتفاع الاستثنائي هذه السنة سببه ايضاً الاحوال السياسية المتأزمة في الشرق الاوسط. فكلما حصل تطور في العراق او الخليج او فلسطين تتجه الاسعار صعوداً. ويمكن القول ان ال 4 او 5 دولارات التي طرأت على سعر النفط اليوم هي زيادة لا تفسير لها إلا بالعامل السياسي. ان عدم الاستقرار في الشرق الاوسط الذي يتسبب برفع الاسعار يستمد جذوره من سياسة الادارة الاميركية الحالية المتطرفة، التي تلقي المسؤوليات على"أوبك"والدول المنتجة وتغض النظر عن الانعكاسات الناجمة عن سياستها في المنطقة، على صعيد الاسعار النفطية. في المقابل فإن"أوبك"وسياسة اكبر منتجيها، اي السعودية، تتسم بروح المسؤولية وتدرك ان ارتفاع اسعار النفط والبنزين في الولاياتالمتحدة ليس من مصلحتها كبائع ومصدّر للنفط."أوبك"حريصة على الحفاظ على حصة مهمة من الاسواق العالمية وهي تعي ان ارتفاع الاسعار غير محبّذ، ووزراؤها أظهروا منذ حوالي ثلاث سنوات مسؤولية وجدية واحتراف في اعتمادهم تقويماً للاسواق لم تشهده المنظمة من قبل. كما ان"أوبك"التي تجتمع كل شهرين تقريباً تراقب السوق وتدرس العرض والطلب لتحدد مستوى انتاجها بناء على هذه الارقام، وتتعمد الابتعاد قدر الامكان عن الخوض في السياسة، بما يسهّل اتخاذها لقراراتها وسير اعمالها. ونجاح المنظمة، بصفتها مجموعة من الدول النامية في التحول الى هيئة فاعلة ومسؤولة على الصعيد العالمي، بات موضع تصد من جانب الولاياتالمتحدة لأنها دولة عظمى تريد الهيمنة أينما كان، سواء في اوروبا، او على صعيد المنتديات الاقتصادية العالمية، ولذا فإنها تحاول من دون جدوى تحطيم"أوبك". وعلى رغم ما حصل للعراق، وهو من الدول المؤسسة ل"أوبك"، فإن الاحتلال الاميركي لم يتمكن من اختراق المنظمة.