لم تكن إقامة البطولة الأوروبية السابعة لكرة القدم 1984 في فرنسا سبباً رئيسياً في فوز المنتخب الفرنسي بكأس البطولة للمرة الأولى في تاريخه، وهو اللقب الذي انتظره الفرنسيون طوال80 عاماً منذ أسسوا الاتحاد الدولي الفيفا عام 1904. الفرنسيون كانوا قادرين على إحراز البطولة في أي مكان آخر في أوروبا" لأن فريقهم تفوق على بقية المنتخبات في كل عناصر كرة القدم، ونجح الكابتن ميشيل بلاتيني مع زملائه في خط الوسط الممتاز جون تيغانا وزلان غيريس ولويس فرنانديز في فرض السيطرة على منطقة المناورات في كل المباريات، وهو الأمر الذي منحهم الفرصة للفوز في كل مبارياتهم الخمس على التوالي في ربع النهائي ثم نصف النهائي وأخيراً المباراة النهائية. ووصل تفوقهم إلى ذروته أمام المنتخب البلجيكي وصيف البطولة السابقة وهزموه بخماسية نظيفة، وهو الفوز الأكبر لأي منتخب في الأدوار النهائية للبطولات الأوروبية في تاريخها الطويل. الفوز الفرنسي، وهو الأول للمنتخب الأزرق عالمياً أو أوروبياً، جاء بين بطولتين لكأس العالم تعرض خلالهما بلاتيني وزملاؤه لسوء حظ شديد وخسر في نصف النهائي رغم أنه كان الطرف الأفضل جداً عام 1982 أمام منتخب ألمانيا الغربية. وسرق الفوز الفرنسي والأداء البديع لبلاتيني الأضواء من أحداث كبرى أبرزها عجز منتخبات عملاقة عن التأهل إلى النهائيات، وعلى رأسها إنكلترا وإيطاليا والاتحاد السوفياتي وتشيخوسلوفاكيا. ولم تجد المنتخبات البريطانية الأربعة وجارتها آيرلندا مكاناً واحداً في النهائيات، وزاد من وجه الغرابة الخروج الألماني الغربي من ربع النهائي، وعجز حامل اللقب عن تجاوز عقبتي إسبانيا والبرتغال في مجموعته رغم أن كل الترشيحات كانت لمصلحته، وفاجأ منتخب الدنمرك العالم باحتلاله المركز الثاني رغم أنه كان قانعاً دائماً بذيل مجموعته في التصفيات السابقة. ولا يزال الإسبان عاجزين عن نسيان الخطأ الفادح الذي ارتكبه حارسهم أركونادا وتسبب في الهدف الأول لفرنسا في المباراة النهائية عندما أفلتت الكرة التي سددها بلاتيني من بين يديه بعد إمساكه بها، ولم تكن الكرة قوية ولا منحرفة لالتماس العذر له. وشهدت المباراة النهائية إشهار أول بطاقة حمراء في تاريخ هذا اللقاء منذ عام 1964، وكان الفرنسي إيفون لورو أول من يتعرض للطرد على يدي الحكم التشيخوسلوفاكي الصارم كريستوف. والطريف أن الدقيقة الأخيرة التي شهدت طرد إيفون حملت رياحاً طيبة للفرنسيين بإحراز بيلوني هدفاً ثانياً ضمن الكأس لبلاده رغم أن الإسبان لم يشكلوا أي خطورة على الحارس الفرنسي باتس طوال الفترة التي أعقبت هدف بلاتيني. التصفيات استفاد منتخب بلجيكا من تدني مستوى منافسيه في المجموعة الأولى ونال بطاقتها على حساب سويسراوألمانياالشرقية وأسكتلندا. وعلى العكس كان الصراع في المجموعة الثانية عنيفاً بين البرتغال والاتحاد السوفياتي وبولندا وفنلندا، وخطف البرتغاليون الفوز والتأهل بهدف جورداو من ركلة جزاء. أقوى منافسة كانت في المجموعة الثالثة بين منتخب إنكلترا والدنمرك مع مناوشات من هنغاريا واليونان واستسلام من لوكسمبورغ، والأخيرة خسرت كل مبارياتها ولم تنل نقطة واحدة، واستقبلت شباكها 36 هدفاً. ولم يفرط الدنمركيون في أي نقطة حتى تمكنوا من الصعود إلى النهائيات، وفشل المدرب الإنكليزي بوبي روبسون ونجومه في التأهل. أضعف المجموعات كانت الرابعة التي ضمت يوغوسلافيا وويلز وبلغاريا والنروج، وصعد المنتخب اليوغوسلافي برصيد 8 نقاط وبأضعف فارق أهداف في أي مجموعة. الكارثة الحقيقية لأي منتخب في التصفيات كانت للإيطاليين الذين قبعوا في المركز الرابع في المجموعة الخامسة قبل قبرص المتواضعة، وسبقتهم منتخبات رومانيا والسويد وتشيخوسلوفاكيا، وكانت تلك النتيجة وصمة عار على منتخب إيطاليا بطل كأس العالم 1982. وكانت صدارة المجموعة لمنتخب رومانيا. فارق الأهداف فقط كان فاصلاً بين ألمانيا وآيرلندا الشمالية لتحديد المتأهل إلى النهائيات. وتساويا في المجموعة السادسة عند رصيد 11 نقطة وحسمها الألمان بفارق 10 أهداف مقابل 3 فقط للآيرلنديين. الشكوك أحاطت بنهاية المجموعة السابعة وأرسل الهولنديون احتجاجات عدة في كل الاتجاهات، ولكن من دون جدوى، وفاز الإسبان في المباراة الأخيرة والسهلة ضد مالطة 12-1 وهو المطلوب لخطف بطاقة التأهل. النهائيات في فرنسا قبل أسبوع من انطلاق البطولة كانت تذاكر 11 مباراة نفدت تماماً وبينها كل مباريات فرنسا والدورين نصف النهائي والنهائي. وشهد ملعب بارك دي برنس حفلاً استعراضياً جميلاً في اليوم الافتتاحي الذي سبق مباراة فرنسا ضد الدنمرك. منتخب الدنمرك الذي أخرج إنكلترا أرهق الفرنسيين كثيراً، وتولى برغرين رقابة بلاتيني كظله، وظلت المباراة معلقة حتى فعلها بلاتيني بعد 78 دقيقة وخطف الفوز 1-صفر. وفي مدينة لنس كانت مباراة بلجيكا ويوغوسلافيا إشعاراًَ بمولد نجم عالمي جديد اسمه إنزوشيفو وهو بلجيكي من أصول إيطالية، واستحق فريقه الفوز بجدارة 2- صفر. انتقل الفرنسيون إلى مدينة نانت لمواجهة أقوى فرق المجموعة بلجيكا في مباراة قمة مبكرة تحدد متصدر المجموعة الأولى، وفاجأ المدير الفني لمنتخب فرنسا ميشيل هيدالغو الجميع بطريقة لعب مختلفة لكسر مصيدة التسلل البلجيكية. ولم يصدق أحد النتيجة التي مالت لمصلحة فرنسا 5- صفر، بينها "هاتريك" لبلاتيني. وفي مباراة الدنمرك ويوغوسلافيا في ليون، اكتسح الدنمركيون منافسيهم بعد أداء هجومي فريد ومستمر وقريب من الكرة الشاملة، وفاز منتخب الدنمرك أيضاً 5- صفر. المباراة الأخيرة لفرنسا في المجموعة سجل بلاتيني 3 أهداف "هاتريك" انتزع بها الفوز لفريقه 3-2 وأنهى مجموعته بنسبة نجاح 100 في المئة، وتبعه منتخب الدنمرك. المجموعة التالية التي ضمت إسبانيا والبرتغالوألمانيا الغربية ورومانيا لم تشهد أكثر من فوز واحد لأي فريق، وانتزع الإسبان بطاقة التأهل من البرتغاليين بطريقة أكثر صعوبة مما فعلوه مع هولندا في التصفيات. التكافؤ ظهر واضحاً في المجموعة منذ المرحلة الأولى التي شهدت تعادلاً سلبياً للألمان والبرتغاليين في ظل عجز رومنيغيه عن القيام بدوره الكامل بعد ابتعاد زميليه شوستر وبرايتنز. واستمر التعادل في المباراة الثالثة للبرتغال ضد إسبانيا مع أداء دفاعي مكثف للإسبان. وكرر مونيوز غضبه، ولم يحضر المؤتمر الصحافي وتعرض لعقوبة مالية من الاتحاد الأوروبي. وارتفعت أسهم منتخب ألمانيا الغربية بعد فوزه على رومانيا 2-1. الحياة توقفت في إسبانيا وألمانيا عندما التقى فريقاهما في باريس والتعادل يكفي الألمان وتخلى الإسبان عن دفاعهم وهاجموا من البداية، وشكلوا خطرا على منافسيهم، ولكن الخط خدمهم عندما منعت العارضة هدفين لألمانيا وتدخل القائم لإنقاذ إسبانيا من هدف آخر. وعندما تأكد الجميع من انتهاء المباراة بالتعادل السلبي فعلها الإسباني أنطونيو ماسيدا الذي تقدم من الدفاع في ركلة ركنية في الدقيقة الأخيرة، وارتفع فوق الجميع وحول الكرة برأسه في شباك الحارس شوماخر ليسجل أغلى أهداف بلاده وليضعها في صدارة المجموعة. وفي الجانب الآخر كان تعادل البرتغال مع رومانيا كفيلاً بصعود ألمانيا الغربية. وعجز البرتغاليون عن هز الشباك حتى اضطر مدربهم أوغنستو إلى الدفع بالاحتياطي العجوز نيني في ربع الساعة الأخير. ولم يخيب نيني ظنون مدربه وسجل هدف الفوز والتأهل. نصف النهائي إثارة غير مسبوقة شهدها ملعب فيلودروم في مرسيليا في مباراة فرنساوالبرتغال في نصف النهائي، ولكن أصحاب الملعب كادوا يكررون سقطتهم الشهيرة أمام ألمانيا الغربية في نصف نهائي كأس العالم 1982. افتتح دوميرغ التسجيل لفرنسا وهو الهدف الذي أفسد أداء الفريق" لأن الثقة الزائدة تحولت إلى غرور وأداء استعراض. ودخل البرتغاليون إلى أجواء اللقاء بقيادة شالانا وأصبحوا الأفضل والأخطر حتى تعادل جوردان. وامتدت المباراة إلى وقت إضافي فاجأ خلاله جوردان الجميع بإحراز هدف ثان لبلاده، ولو كانت قاعدة الهدف الذهبي سارية لخرج الفرنسيون. ومع دخول الشوط الرابع عاد بلاتيني ليؤكد أنه الفارق، ووضع هدفاً لدوميرغ قبل أن يسجل هدفاً رائعاً في الدقائق الخمس الأخيرة، وصعدت فرنسا إلى النهائي بالفوز 3-2. مباراة إسبانيا والدنمرك في الجانب الآخر من نصف النهائي شهدت تعادلاً 1-1 في وقتها الأصلي، وسلبية في وقتها الإضافي، وفوزاً مثيراً للإسبان في ركلات الترجيح 5-4. ولم يستفد المارد الدنمركي من هدفه الباكر لسوربين ليربي ولا من فاعليته الهجومية، واستسلم للأسلوب الإسباني" حتى تمكن من التعادل بهدف سانتيلانا في الشوط الثاني، واحتكم الفريقان إلى ركلات الترجيح وخلالها سجل كل لاعبي المنتخبين، حتى جاء الدور على الدنمركي لارسين الذي أهدر ركلته بينما سجل الإسباني سارابيا هدف الفوز والصعود إلى المباراة النهائية. المباراة النهائية ازدان ملعب الأمراء لاستقبال المباراة النهائية لفرنسا ضد إسبانيا واستقبل الجماهير، وكان على رأسهم الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، ونجل ملك إسبانيا الأمير فيليب كارلوس، ورئيس وزراء إسبانيا غونزاليز" لمتابعة المباراة النهائية للبطولة التي أدارها الحكم الدولي التشيخوسلوفاكي فويتش كريستوف. وأعلن مدرب فرنسا هيدالغو أنها المباراة الأخيرة له بعد 8 سنوات في الموقع المرهق. وانتظر الجمهور الفرنسي طويلاً حتى اهتزت الشباك من ركلة حرة احتسبها الحكم التشيخي كريستوف خارج منطقة الجزاء الإسبانية مباشرة في الدقيقة 57، ووقف الحائط البشري الإسباني واستعد الحارس أركونادا، ولكن بلاتيني خدع الجميع وسدد كرة أرضية بجوار الحائط البشري في المكان الذي يحرسه أركونادا، ومع لحظة ذهول قصيرة ارتمى أركونادا على الكرة وأمسكها، ولكنها أفلتت من يده وعبرت خط المرمى قبل اللحاق بها، وسبقته صافرة الحكم باحتساب هدف البطولة وعززه بيلوني في الدقيقة الأخيرة بهدف ثان لتفوز فرنسا 2- صفر.