لم يفز منتخب بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم بالجدارة التامة التي نفذها منتخب ألمانيا الغربية في بطولة 1972، ولم يكتف بإحراز اللقب دون أي هزيمة عبر عشر مباريات في كل الأدوار، ولكنه جمع كل أطراف المجد سواءً بتخطي نظيره الإنكليزي من ربع النهائي أو إسقاط منتخب بلجيكا صاحب الملعب والجمهور من نصف النهائي، وأخيراً اكتساح المنتخب السوفياتي بثلاثية نظيفة في المباراة النهائية، وأكملها القناص غيرد مولر بالحصول على لقب الهداف، واحتار الخبراء في تحديد النجم الأول للنهائيات بين لاعبي ألمانيا فرانز بيكنباور وغيرد مولر وغونتر نيتزر والحارس سيب ماير. الفارق الواسع في المستوى بين ألمانيا الغربية وأقرانها في البطولة الأوروبية أكد باكراً أن فرصتها هي الأكبر في إحراز كأس العالم على ملعبها بعد عامين، وهو الأمر الذي تحقق فعلاً في 1974 وبفضل الأفذاذ بيكنباور ومولر وماير. ازداد عدد الدول التي شاركت في البطولة الرابعة ليصل إلى 32 دولة، وهو الأمر الذي جعل التصفيات في الدور الأول شاقة لعدد من المنتخبات الشهيرة إثر وقوعها في مجموعة واحدة، وجاء المنتخبان السوفياتي والإسباني في مجموعة واحدة، وانتظر السوفيات 6 أعوام كاملة لرد الاعتبار وتمكنوا بالفعل من إقصاء إسبانيا من الدور الأول، ولكن الضحية الكبرى للتصفيات كان المنتخب الهولندي المتخم بالنجوم كرويف ونيسكنز وكرول وفان هينغم. وخرج من الدور الأول على أيدي يوغسلافيا رغم الفاعلية الهائلة التي سمحت له بإحراز 18 هدفاً في 6 مباريات. شهدت المجموعة الأولى خروجاً مريراً للمنتخب التشيخوسلوفاكي بفارق الأهداف عن نظيره الروماني رغم تساويهما في رصيد النقاط، ودفع الحارس المتألق إيفور فيكتور ثمن غيابه الاضطراري عن مباراة تشيخوسلوفاكيا الأولى في البطولة ضد فنلندا في براغ وأهدر خلالها فريقه نقطة عجيبة بالتعادل 1-1 مع أضعف فرق المجموعة، وهي النقطة الوحيدة التي نالتها فنلندا في البطولة والأعجب أن عودة فيكتور لمباراة الإياب في هلسنكي سمحت لفريقه بالفوز 4-صفر. استمر التراجع الفرنسي في البطولة الأوروبية وخرج منتخبها هذه المرة من الدور الأول وللمرة الأولى في تاريخه، بل واحتل المركز الثالث في المجموعة الثانية خلف هنغاريا التي تأهلت وبلغاريا، وجاء الترتيب طبيعياً بعد الفوز الهنغاري في باريس 2-صفر على نظيره الفرنسي. المنتخب الإنكليزي لم يفرط إلا في نقطة واحدة في المجموعة الثالثة بتعادله على ملعب ويمبلي في لندن 1-1 مع ضيفه السويسري أمام 100 ألف متفرج، والشرط الوحيد لصعود سويسرا كان فوز اليونان 3- صفر وهو أمر مستحيل وفاز الإنكليز بقيادة بانكس وبوبي مور وألان بول وتشيفرز وهيرست وبيترز 2-صفر. الصراع الأقوى كان في المجموعة الرابعة بين السوفيات والإسبان، ورغم فوز الأول في موسكو 2-1 إلا أن فرصة إسبانيا زادت عندما تعادل السوفيات في بلفاست مع آيرلندا الشمالية وبقيت لإسبانيا 3 مباريات متتالية ولكنها أهدرت الفرصة بالتعادل في سيفيليا مع المنتخب السوفياتي سلباً. المشاركة الدولية الأخيرة للؤلؤة الأوروبية السوداء إيوسيبيو لم تفد منتخب البرتغال وجاء ثانياً في المجموعة الخامسة خلف بلجيكا، وكانت مباراتهما في نهاية التصفيات في لشبونة فاصلة واحتاج إيوسيبيو وزملاؤه للفوز 2-صفر على الأقل، ولكنهم عاشوا أصعب 90 دقيقة عاجزين عن هز الشباك وتعرضوا للضغط عندما بادر البلجيكي لامبرنت بالتسجيل بعد 60 دقيقة ولولا ركلة جزاء من الحكم الإنكليزي كينيث بيرنز في الوقت بدل الضائع ما تعادل البرتغاليون. تأهل مريح ثلاثة انتصارات متتالية لمنتخب إيطاليا في المجموعة السادسة وأهمها على النمسا في فيينا سمحت لحامل اللقب بالصدارة والتأهل دون معاناة، وعوض الإيطاليون خسارتهم للمباراة النهائية لكأس العالم 1990 أمام البرازيلي 1-4 بتقديم عروض جيدة ولاسيما من الثلاثي ماتسولاورينا وريفييرا والظهير فاكيتي. المنتخب الهولندي المتطور تعادل في روتردام مع نظيره اليوغسلافي وصيف البطولة الماضية 1-1 وسقط أمام ألمانياالشرقية صفر-1 في درسدن وكان غياب المايسترو كرويف في المباراتين سبباً كافياً لتبرير النتيجة ونقص الفاعلية، وتكرر غيابه عن لقاء يوغسلافيا في بلغراد وكانت الهزيمة الثانية صفر-2 والإعلان الباكر عن تنحي هولندا عن سباق الصدارة، ومع عودة كرويف أحرز الهولنديون 17 هدفاً في 3 مباريات بالفوز على لوكسمبورغ 6-صفر و8-صفر و3-2 على ألمانياالشرقية ، ولكن بعد فوات الأوان. منتخب ألمانيا الغربية تلاعب بمنافسيه في المجموعة الثامنة وتصدرها دون معاناة، والعجيب أن بدايته كانت مخيبة للآمال بالتعادل في كولن أمام تركيا الضعيفة 1-1 والهدف الوحيد جاء من ركلة جزاء لمولر، ولكن العجلة الألمانية الجادة دارت وتوالت الانتصارات حتى تحقق التأهل باكراً. خروج الكبار خروج ثلاثة منتخبات عملاقة كان حدثاً بارزاً في الدور ربع النهائي وهي إيطاليا وإنكلترا ويوغسلافيا ، وجاء السقوط الإيطالي عجيباً إذ اصطدموا بدفاع منظم أبعدهم عن المرمى وانتهى اللقاء سلبياً، وفي الإياب انتهز الفنان كابتن بلجيكا بول فان هيمست الفرصة وقاد زملاءه للفوز 2-1 وسجل الهدف الثاني ووضع اسمه بين نجوم البطولة، وأهدى بلاده شرف تنظيم نهائيات المسابقة للمرة الأولى. المنتخب الإنكليزي كان ضحية القرعة لأنه وقع في طريق المنتخب الألماني أقوى المتنافسين، ولأن الألمان كانوا في أحسن حالاتهم حققوا المفاجأة الأكبر والفوز الأغلى في تاريخهم على أرض إنكليزية، وعادوا من لندن فائزين 3-1، والعجيب أن الإنكليز ظلوا خاسرين لمدة ساعة كاملة حتى تعادل لهم فرانسيس لي بعد 77 دقيقة، وظن 100 ألف متفرج أن الفوز قادم ولكن الدقائق الخمس الأخيرة حملت هدفين للضيوف واكتفى الألمان بالتعادل السلبي على ملعبهم. الندية الكبرى كانت بين أضعف منتخبات هذا الدور، هنغاريا ورومانيا، فالتعادل 1-1 في بودابست لم يكن عادلاً مع تفوق هنغاري ملموس، وجدد منتخب هنغاريا تفوقه في بوخارست وتقدم 2-صفر في ربع ساعة فقط، ولم يتعادل المضيف إلا في الدقائق الأخيرة 2-2 واتجه الفريقان إلى بلغراد لخوض مباراة فاصلة بعد 3 أيام فقط، وفازت هنغاريا 2-1. المواجهة التقليدية بين عملاقي شرق أوروبا الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا وهما طرفا المباراة النهائية الأولى للبطولة. يوغسلافيا لم تستفد من 99 ألفاً تقاطروا على ملعب النجمة الحمراء في بلغراد وتعادلا سلباً، واستغل السوفيات عاملي الملعب والجمهور وفازوا بجدارة 3- صفر. نصف النهائي في توقيت متزامن في مساء 14 حزيران يونيو 1972 احتار الجمهور بين متابعة مباراتي ألمانيا الغربية ضد بلجيكا والاتحاد السوفياتي ضد هنغاريا ونالت الأولى نصيب الأسد بسبب وجود المضيف والمرشح الأول وكوكبة النجوم، وامتلأت مدرجات ملعب بوسويل في انتفيرب بستين ألف متفرج بينهم عدد ضخم من الألمان الذين عبروا الحدود وأعطوا اللاعبين شعوراً أنهم لم يغادروا أرضهم، وكشف غيرد مولر عن الفارق بين الفريقين وأحرز هدفين وفازت ألمانيا 2-1 وتأهلت للمرة الأولى إلى النهائي. وأمام 5 آلاف متفرج فقط في ملعب استريد بارك في بروكسل كان الحكم الألماني الشرقي رودولف غلوكنر النجم الأول للقاء وحسم الخشونة الزائدة باكراً جداً، وتقدم كونكوف للمنتخب السوفياتي ومالت الكفة لمصلحة الهنغاريين بقيادة المخضرم فلوريان ألبرت الذي دخل الملعب بعد 60 دقيقة، وأهدى لبلاده ركلة جزاء في الدقيقة 84 ولكن زميله شاندور زامبو أهدرها وأضاع آمال هنغاريا في أول لقب أوروبي لها. عوض لاعبو بلجيكا إخفاقهم في إحراز اللقب بالوصول إلى منصة التتويج والحصول على الميدالية البرونزية كأكبر إنجاز لكرة القدم البلجيكية في 70 عاماً، وفازوا بجدارة على منتخب هنغاريا 2-1 في مباراة تحديد المركز الثالث، وقفز كابتن الفريق بول فان هيمست ولاعب الوسط المهاجم إلى واجهة نجوم الكرة الأوروبية، ولكن الجماهير لم تواكب الحدث وقاطعت المباراة، وتناثر 6184 متفرجاً في مدرجات ملعب مليسين في لويك الذي بدا خالياً. المباراة النهائية جمعت المباراة النهائية منتخبي ألمانيا الغربية والاتحاد السوفياتي في 18 حزيران يونيو 1972 على ملعب هيسيل في بروكسل بحضور 43437 متفرجاً وأدارها الحكم النمساوي فرديناند مارشال. مثل ألمانيا الغربية: جوزيف سيب ماير وهودست هوتغز وبول برايتنر وغورغ شفارزنبك وكابتن الفريق فرانز بيكنبارو وهربرت فيمر وجوزيف هينكس واولريخ هونيس وغيرد مولر وغونتر نيتزر وارفين كريمرز، والمدرب هيلموت شون. ومثل الاتحاد السوفياتي: روداكوف وريفاز ودوداشفيلي كابتن الفريق مورتاز هورتسيلافا وفلادمير كابليتشن ويوري استومين وفيكتور كولوتوف وفلاديمير تروشكين واناتولى بيداتشين ادوارد كوزيفكيتش وأنا تولي كونكوف اوليغدولما توف وفلاديمير اونيشيشنيكو، والمدرب الكسندر بونوماريف. وبدأ غيرد مولر بتسجيل أول أهداف المباراة بعد 27 دقيقة، تبعه فيمير في الدقيقة 51 وأخيراً في الدقيقة 58.