سيكون على القضاء المغربي ان يحسم في قضية ثقافية، لكنها اخلاقية بدرجة أكبر. إذ صوّرت مخرجة شابة اسمها نرجس النجار شريطاً سينمائياً في موضوع الدعارة، أقدم مهنة في التاريخ. ولم يكن في ذلك أي عيب أو فضح للمسكوت عنه. فمنذ فترة صور مخرج آخر وقائع شريط عن سنوات الاحتقان السياسي في معتقل مولاي الشريف في الدار البيضاء. ونزلت الى الاسواق مذكرات معتقلين سابقين. كما عرضت معتقلات سابقات أشكال التعذيب في السجون، وتحدثت كاتبات ناشئات عن تجارب قاسية في الجنس والحياة ودونية الانسان والأشياء. لكن الجديد في شريط "العيون الجافة" للمخرجة نرجس النجار انها اختارت نساء يمتهن الدعارة في احدى مناطق الأطلس المتوسط ليصبحن بطلات الشريط. سبقها في ذلك المخرج نبيل عيوش الذي اختار أبطال شريطه من عالم تشرد الأطفال، فحصد جوائز في المغرب والمهرجانات السينمائية في الخارج. بيد ان حظ نرجس كان دعاوى قضائية بتهم التشهير واستغلال نساء ساذجات في عمل تجاري، خارج ارادة الإدراك. ويقول أحد محامي أولئك النساء انهن اعتقدن بأن الأمر يطاول ريبورتاجاً لإثارة الانتباه الى أوضاعهن، بينما ترد المخرجة بأنها تعرضت الى ضغوط وكانت تتلقى تهديدات خلال تصوير الشريط، ولم تفعل سوى تقديم واقع مهنة الدعارة في تلك المنطقة. قبل سنوات كان بعض الأسر يكتب على جدران بيوته في تلك المنطقة وغيرها انها بيوت متزوجين كي لا يزعجهم طالبو اللذة في آخر الليل. وكانت الظاهرة المثيرة أقرب الى بيوت الدعارة المقننة في الغرب. لكن تلك الصورة اختفت الى حد ما، وبقيت تداعياتها المرتبطة بتنظيم "ليالي الطرب والمجون والغناء التقليدي" قائمة وعالقة في الذاكرة، ما شجع المخرجة الشابة على التعاطي معها. لكن السؤال هل رصد الواقع عبر تقديم شخصيات واقعية شيء من عالم السينما؟ والى أي حد يمكن للواقع ان يتجاوز الإبداع؟ والاشكالية هنا ليست ثقافية محضة، بل مزيج من التعرية والجرأة والاستغلال أيضاً. واذا كان صحيحاً ان تلك المنطقة المنزوية تحت جبال الأطلس تستطيع ان تمنح نفسها للآتي الغريب مقابل ثمن المتعة، فهل صحيح ايضاً ان ذلك الواقع تمكن قراءته كما هو سينمائياً من دون "رتوش"؟ ثمة ابداعات مغربية تجاوزت المحظور، كما في رواية الكاتب الراحل محمد شكري "الخبز الحافي"، لكنها لم تترجم سينمائياً. وقد يكون عذر المخرجة نرجس النجار انها انتقلت من الروائي الى الواقعي، ما أثار سكان المنطقة. وبعيداً عن الحس النقدي أو الطموح التجاري، يظل السؤال عالقاً، وان حسم فيه القضاء. فبعض الممارسات يرضاه الانسان قهراً ومذلة، لكنه اذ يتعايش معها يرفض ان تصبح سلعة في أيدي آخرين.