يبشر سقوط القوميين الهندوس في الانتخابات الهندية بانتهاء حقبة التطرف الديني في الهند، غير أن موقف حزب المؤتمر التقليدي الصارم حيال كشمير، لن يساعد في تسريع عملية السلام مع باكستان، خصوصاً ان شخصيات عدة في حكومة القوميين الهندوس كانت أقامت علاقات وثيقة مع رموز مهمة في إسلام أباد بوساطة من الإدارة الاميركية. وانتقد اقطاب حزب المؤتمر آنذاك، تلك العلاقة، معتبرين أن الهند لم تنشط لوقف التقارب الأميركي - الباكستاني الذي جاء على حساب الموقف الهندي التقليدي الذي يعتبر كشمير أرضاً هندية لا يمكن التفاوض في شأنها مع دولة أجنبية باكستان. وتعززت مخاوف حزب المؤتمر وحلفائه، بعقد لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جلسة استماع خاصة في شأن كشمير في واشنطن أول من أمس، انتقدت فيها علناً وللمرة الأولى انتهاكات حقوق الانسان وكثافة انتشار القوات الهندية في المنطقة المتنازع عليها. وتمت دعوة شخصيات رسمية من باكستان ومن منطقة "آزاد كشمير" كشمير الحرة الباكستانية للإدلاء بشهاداتهم، في انفتاح على الجانب الباكستاني قلّ نظيره داخل المؤسسة الاشتراعية الأميركية. وقال وزير الخارجية الباكستاني خورشيد محمود قصوري تعليقاً على امكان تشكيل حزب المؤتمر بزعامة صونيا غاندي حكومة جديدة في نيودلهي: "يمكن أن تتباطأ مفاوضات السلام مع الهند لكنها حتماً لن تتوقف". وعلى رغم أن إسلام أباد رحبت رسمياً بالحكومة الجديدة في الهند، فإن الباكستانيين تلقوا فوز "المؤتمر" بخيبة أمل بعدما استثمروا جهوداً كبيرة في استمالة رئيس الوزراء الهندي المستقيل اتال بيهاري فاجبايي وإقناعه بضرورة أن تتخلى الهند عن مواقفها المتشددة حيال كشمير من أجل تحقيق انجاز تاريخي في تحقيق السلام بين الجارتين النوويتين. كما أن إسلام أباد تعاونت مع واشنطن في محاولة تعزيز مواقع فاجبايي داخلياً، في مواجهة نائبه المتشدد وزير الداخلية لال كريشنا ادفاني. نهرو والقضية الكشميرية وتميزت علاقة باكستان تاريخياً مع حزب المؤتمر الذي حكم الهند لثلاثة عقود عقب الاستقلال، بالتوتر الذي يقترب من العداء. وهذه مسألة تفوت الكثير من المتابعين للعلاقات الباكستانية - الهندية. فكتب التاريخ التي تدرّس للطلبة في مدارس باكستان الرسمية، تتهم حزب المؤتمر بالتعاون مع الإنكليز لعرقلة حركة الاستقلال الباكستانية. ولا يزال حزب المؤتمر يمثل طبقة البراهما، وهي النخبة في النظام الهندوسي، التي تسود في النظام السياسي والاجتماعي في الهند. وتنتمي عائلة غاندي - نهرو الى هذه الطبقة. كما أن جواهر لال نهرو، والد رئيسة الوزراء الهندية السابقة انديرا غاندي ومؤسس حزب المؤتمر، ينتمي الى الأقلية الهندوسية في كشمير. وكان هذا سبباً في تعقيد القضية الكشميرية، ويفسر جزئياً تشدد "المؤتمر" إزاءها، كما يفسر جزئياً لماذا تحقق الانفراج في العلاقات مع باكستان عندما حكمت الهند حكومة غير حكومة حزب المؤتمر. جسور متواضعة لكن المراقبين في إسلام أباد لا يتوقعون أن تتراجع الحكومة الجديدة في نيودلهي عن مفاوضات السلام التي بدأتها الحكومة السابقة مع إسلام أباد نظراً الى التدخل الأميركي القوي في القضية. كما أن الباكستانيين احتاطوا لاحتمالات صعود حزب المؤتمر. ففي شهر نيسان ابريل الماضي، وجهوا دعوة خاصة الى كل من صونيا غاندي وابنتها بريانكا وابنها راوول، لحضور مباريات الكريكت بين فريقي البلدين في باكستان. ولبى الولدان الدعوة من دون والدتهما. وحلا ضيفين على الدولة، لكن لم يلتقيا أياً من المسؤولين الباكستانيين. وعلى رغم ان ميول حزب المؤتمر الذي يعتبر نفسه مؤسس الهند وضامن العلمانية فيها تتميز بالاعتدال في سائر القضايا ما عدا كشمير، فإن الشكوك تحيط بقدرته على أداء دوره التقليدي في الحكومة نظراً الى أنه يصل الى السلطة على أكتاف أحزاب يسارية، شيوعية وقومية، لا تتفق معه في شيء سوى معارضة الحكومة السابقة. فحزب المؤتمر هذه المرة لن يتمكن من إعادة إحياء أمجاد حكومات آل غاندي السابقة، كما في عهدي نهرو وابنته انديرا. ومن المفارقات أن وصول حزب المؤتمر، مؤسس الهند الحديثة، الى السلطة في نيودلهي، تزامن مع اعلان حزب العصبة الإسلامية الحاكم، مؤسس باكستان، توحيد كيانه السياسي للمرة الأولى بتشجيع من المؤسسة العسكرية، بعدما كان انشق الى فروع متناحرة عقب استقلال البلد، ليبرز الآن كأكبر حزب سياسي في باكستان. وستكون مثيرة مراقبة كيف يتولى الحزبان المؤسسان والحاكمان في البلدين إدارة عملية السلام بينهما في الأيام المقبلة.