عندما كتب ارنو دي بورشغراف، وهو صحافي خبير في الشرق الأوسط، عن السيد أحمد الجلبي لوكالة "يونايتد برس"، قال انه في طريقه الى رئاسة الوزارة تؤيده وزاره الدفاع، وتعارضه وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية. كان هذا قبل شهر وقد اختلف الوضع الآن مع ان دي بورشغراف يقول ان السيد الجلبي يملك "الأسلحة الأهم" في التنافس على رئاسة الوزارة العراقية، وهي أطنان من الوثائق التي حصل عليها المؤتمر الوطني العراقي بعد سقوط بغداد، ومبالغ كبرى وضعت بتصرفه. غير ان الكاتب فضح السيد الجلبي من حيث أراد اطراءه، فهو سجّل ان المؤتمر الوطني العراقي ورئيسه تلقى 40 مليون دولار من وكالة الاستخبارات المركزية، ثم وزارة الدفاع منذ 1994، ويتلقى الآن 340 ألف دولار في الشهر من الوزارة في مقابل تقديم معلومات استخباراتية عن العراق. وزاد ان إفلاس بنك البتراء على 300 مليون دولار ترك السيد الجلبي ومعه ما يكفي من نقد لإطلاق المؤتمر الوطني العراقي. والآن يقبض السيد الجلبي محمولات عن دوره في توزيع العقود ضمن برنامج بمبلغ 4،18 بليون دولار لإعادة تعمير العراق، ونسب دي بورشغراف الى رئيس شركة أميركية طلب عدم ذكر اسمه قوله ان "العمولة كانت عالية حتى بمقاييس الشرق الأوسط". السيد الجلبي لم يحاول تبرير تلقي أموال للتجسس على بلاده، وكان يستطيع بسهولة ان يركز على هدف إسقاط صدام حسين، الا انه حتى عندما تحدث عن ذلك الهدف الذي نتفق عليه جميعاً معه، قال لصحيفة "الديلي تلغراف" ان ما قال المؤتمر في السابق من معلومات كاذبة غير مهمّ وزاد "نعتقد اننا نجحنا تماماً فالطاغية سقط، والأميركيون في بغداد". وهو اعتبر نفسه وأنصاره "أبطالاً في الخطأ" من دون ان يلاحظ ان الأميركيين في بغداد ليسوا موضع ترحيب عربي أو إسلامي، أي ذلك العالم العربي الذي يريد ان ينتمي إليه. وهو لم يكتفِ بإغضاب عراقيين وعرب ومسلمين من دون حاجة، فقد كُلّف برئاسة لجنة تصفية البعث، غير ان الادارة الموقتة للتحالف أدركت الخطأ في ذلك مع انهيار الأمن، وما الاستعانة بجنرال من جيش صدام حسين في الفلوجة ثم الاستغناء عنه إلا دليل على ذلك، فكان ان قرّر رئيس الادارة بول بريمر التعامل مع صغار البعثيين. وأتوقف هنا لأقول ما يعرفه أي قارئ عربي أو مسلم، فصدام حسين دمّر حزب البعث، واستعمل اسمه للحكم، وكان الانضمام الى الحزب شرطاً للعمل أو دخول الجامعة، أو التخرّج منها. ولم يكن أحد من هؤلاء بعثياً حزبياً نشطاً، وإنما كان تسجيله عضواً ضرورة حياتية. مع ذلك فعندما قرّر بول بريمر الاستعانة بصغار البعثيين السابقين في الادارة والشرطة والجيش أصدر أحمد الجلبي تصريحاً غريباً قال فيه ان الاستعانة بهؤلاء مثل ضمّ نازيين الى الحكومة الألمانية بعد سقوط هتلر. لا وجه للمقارنة بين عراقي أُرغم على دخول حزب صدام ليعمل أو يتعلّم، وبين النازيين. وكانت النتيجة ان السيد الجلبي زاد من غضب بريمر عليه، مع العلم ان هذا ابتعد عنه من اليوم الأول، واعتبر انه انتهازي يسعى وراء مصالحه الشخصية. وكان السيد الجلبي أغضب قبل ذلك الادارة الأميركية كلها بالمطالبة بتسريع نقل السلطة الى العراقيين، ثم أغضبها مرة ثانية بقوله في الأممالمتحدة انه أقرب الى فرنسا من الولاياتالمتحدة. أغرب نقطة في كل ما سبق ان أخطاء السيد الجلبي تؤذي طموحاته السياسية، وأنها من صنع يده، مع انه يفترض ان يكون ذكياً جداً ومثقفاً حسن الاطلاع. شخصياً، كنتُ كمواطن عربي ابتعدت عن المؤتمر الوطني العراقي ورئىسه لأسباب عربية، فهو فاخر دائماً بصداقاته مع بول وولفوفيتز وريتشارد بيرل، وهذا الأخير أيّده بحماسة وكان يريد تسليم العراق له من دون حكومة موقتة أو انتخابات. وبين المحافظين الجدد الآخرين مع أنصاره جاي غارنر الذي سُحب من العراق بسرعة بعد الحرب، والبروفسور فؤاد عجمي، مدير قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة جونز هوبكنز ومواقفه معروفة، وكن ادلمان الذي نقلت عن كتاب بوب وودوارد كيف بكى فرحاً بسقوط العراق، وجيم ووزلي، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، الأسبق. في المقابل المسؤولون الأميركيون الآخرون لهم رأي مختلف في أحمد الجلبي الذي أصرّ على حرق العملة القديمة بدل دفنها، وتبيّن ان عقد الحرق ذهب الى متعامل معه. وقال تشاس فريمان، رئيس مجلس سياسة الشرق الأوسط ان أخف ما يوصف به مجلس الحكم هو انه "أحمد الجلبي والعشرين حرامي". أما بات لانغ، رئيس مكافحة الارهاب في وكالة استخبارات الدفاع في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، إن جعل الجلبي رئىساً سيدمّر الحكومة. وقال بوب باير، وهو عميل سابق للاستخبارات المركزية "اذا تركنا العراق لن يبقى الجلبي ساعتين". ونسبت "واشنطن بوست" الى أعضاء ديموقراطيين في الكونغرس قولهم ان السيد الجلبي "فاسد يسعى لمصلحته الشخصية، ولا يمكن ان يبقى طويلاً رئيساً للعراق". اليوم تراجعت فرص السيد الجلبي في رئاسة العراق، وأقول انه كان يستطيع ان يلعب اللعبة السياسية بذكاء أكبر، وأن يقطف ثمرة جهوده في إسقاط صدام حسين، الا ان لسانه سبق عقله في كل مرة، وأكمل غداً.