- 1 - كان أحمد بن يوسف السليكي المنازي فقيهاً مشهوراً وقاضياً، وشاعراً مجيداً، وكاتباً بارعاً، وقد تردد في الترسل والسفارة إلى القُسطنطينية غير مرة، وحصَّل كتباً عزيزة أوقفها على جامعي آمد وميافارقين في جنوب شرقي تركيا الحالية، وكانت وفاته في عهد السلطان السلجوقي طغرل بك سنة 437 ه/ 1045م. ويروى أنه دخل يوماً على أبي العلاء المعري في محبسِه، فقال له المعري: إني معتزل الناس وهم يؤذونني، وتركت لهم الدنيا. فقال له السليكي المنازي: والآخرة أيضاً؟ فقال المعريُّ: والآخرة يا قاضي قال: نعم. فأجابه المعري: لا. وكان للسليكي المنازي ديوانُ شعرٍ قليلَ النظير عزيزَ الوجود، ولذلك حَرِصَ على اقتنائه القاضي الفاضل البيساني فلم يقدر على ذلك، ومن شعره في وادي نزاعة: وَقَانَا لَفْحَةَ الرَّمْضَاءِ وَادٍ وَقَاهُ مُضَاْعَفُ النَّبْتِ الْعَمِيْمِ نَزَلْنَاْ دَوْحَهُ فَحَنَاْ عَلَيْنَاْ حُنُوَّ الْمُرْضِعَاْتِ عَلَى الْفَطِيْمِ وَأَرْشَفَنَاْ عَلَىْ ظَمَأٍ زُلاْلاً أَلَذَّ مِنَ الْمُدَاْمَةِ لِلنَّدِيْمِ يُرَاعِي الشَّمْسَ أَنَّىْ قَاْبَلَتْهُ فَيَحْجبُهَا لِيَأْذنَ لِلنَّسِيْمِ تَرُوْعُ حَصَاْهُ حَاْلِيَةَ الْعَذَاْرَىْ فَتَلْمسُ جَاْنِبَ الْعِقْدِ النَّظِيْمِ - 2 - كان أبو القاسم القشيري عالماً فقيهاً شافعياً، واسمه الكامل هو: عبدالكريم بن هوازن بن عبدالملك بن طلحة، من بني قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، من هوازن من العدنانية، وكانت إقامته بنيسابور وفيها توفي عن 89 عاماً، وكان السلطان ألب أرسلان السلجوقي يقدمه ويكرمه، وكانت وفاته سنة 465 ه/ 1074م، ومن كتبه: "الرسالة القشيرية" وفيها ترجم جماعة من العلماء الصالحين، و"كتاب التيسير في التفسير"، و"التفسير الكبير"، و"لطائف الإشارات"، وغير ذلك، وكان طويل الباع في الفقه والتفسير والحديث، وكان من كبار علماء الصوفية، ومع ذلك كان يقرض الشعر، وهو القائل: وَمَنْ كَاْنَ فِيْ طُوْلِ الْهَوَىْ ذَاْقَ لَذَّةً فَإِنِّيَ مِنْ لَيْلَيْ لَهَاْ غَيْرُ ذَاْئِقِ وَأَكْثَر شَيْءٍ نِلْتُهُ مِنْ وِصَاْلِهَا أَمَاْنِيَ لَمْ تَصْدقْ كَخَطْفَةِ بَاْرِقِ ومن شعره أيضاً: لَوْ كُنْتَ سَاْعَةَ بَيْنِنَاْ مَاْ بَيْنَنَاْ وَرَأَيْتَ كَيْفَ نُكَرِّرُ التَّوْدِيْعَاْ لَعَلِمْتَ أَنَّ مِنَ الدُّمُوْعِ مُحَدِّثاً وَعَلِمْتَ أَنَّ مِنَ الْحَدِيْثِ دُمُوْعَاْ والبيت الثاني من مرقصات الشعر. - 3 - ولد القاضي المحسن بن علي التنوخي في بيت علم وفقه وقضاء، بالبصرة سنة 329 ه/ 940م، وتوفي سنة 384 ه/ 994م، وبدأ بتأليف كتابه "نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة" سنة 360 هجرية/ 971م، وأتَمّه سنة 380 ه/ 990م، واستقر التنوخي في بغداد، وشملته عناية الوزير المهلبي، فأصبح من ملازمي مجلسه، وذكر في نشوار المحاضرة أخباراً من داخل القصور، أو من خلال المحادثة. وقد بدأت تظهر بغداد في أخباره منذ أن أقام فيها من سنة 349 ه/960م إلى سنة 354 ه/ 965م، والتقى مجموعة من العلماء والأدباء والشعراء، ثم توطدت الصلة بينه وبين "عضد الدولة" البويهي وأصبح يرافقه في أسفاره، لكن "عضد الدولة" غدر به، وفرض عليه الإقامة الجبرية التي استمرت حتى موت "عضد الدولة" البويهي سنة 372 ه/ 982م. ومن شعر التنوخي قوله: "قُلْ لِلْمَلِيْحَةِ فِي الْخِمَارِ الْمُذَهَبِ أَفْسَدْتِ نُسْكَ أَخِي التُّقَى الْمُتَرَهِّبِ نُوْرُ الْخِمَاْرِ وَنُوْرُ وَجْهِكِ تَحْتَهُ عَجَباً لِوَجْهِكِ كَيْفَ لَمْ يَتَلَهَّبِ وَجَمَعْتِ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْحُسْنِ عَنْ ذَهَبِيْهِمَا مِنْ مَذْهَبِ وَإِذَا أَتَتْ عَيْنٌ لْتَسْرقَ نَظْمَهُ قَاْلَ الشُّعَاْعُ لَهَا: اذْهَبِي" لاْ تَذْهَبِي!" - 4 - كان القاضي علي بن عبدالعزيز الجرجاني فقيهاً شافعياً، وقد ذكره الشيرازي في طبقات الفقهاء، وعلى رغم عُلوِّ منزلته الفقهية فقد كان يقرض الشعر، وقد ولد القاضي الجرجاني في جرجان، وإليها نسبته، وهو من العلماء الأعلام، وقد رحل في طلب العلم إلى العراق والشام واقتبس من أنواع العلوم والآداب حتى أصبح من أعلام عصره في الأدب والعلم والشعر، ووفد على الصاحب بن عباد، فقربه واختص به وحظي عنده وقلده قضاء جرجان ثم ولاه قضاء الري ومنحه رتبة قاضي القضاة. وقد ألف القاضي الجرجاني كتاباً في الرد على خصوم المتنبي، وسَمّاه: الوساطة بين المتنبي وخصومه، وإلى جانب ذلك له مصنفات أخرى منها: "تفسير القرآن المجيد"، و"تهذيب التاريخ"، وله ديوان شعر، وتوفي الجرجاني في الرّيّ، ودفن في جرجان سنة 392 ه/ 1002م، في عهد الخليفة العباسي القادر بالله تعالى. وكان الجرجاني إلى جانب علمه الوفير في الفقه شاعراً وناثراً ومتكلماً، ولكنه اشتهر بالشعر والتأليف، وكان شعره جزلاً، نقي الألفاظ متين السبك مع سهولة وعذوبة، وأحسن فنونه الحكمة والغزل، وقد حافظ على كرامته، وعَبَّر عن إبائه بقصيدته التي يقول فيها: يَقُوْلُوْنَ لِيْ: فِيْكَ انْقِبَاْضٌ، وَإِنَّمَا رَأَوْا رَجُلاً عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَاْ أَرَى النَّاْسَ مَنْ دَاْنَاْهُمُ هَاْنَ عِنْدَهُمْ وَمَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا إِذَاْ قِيْلَ: هَذَاْ مَشْرَبٌ، قُلْتُ: قَدْ أَرَى وَلَكِنَّ نَفْسَ الْحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَاْ وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ الْعِلْمِ إِنْ كُنْتُ كُلَّمَا بَدَاْ طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِيَ سُلَّمَاْ وَمَاْ كُلُّ بَرْقٍ لاْحَ لِيْ يَسْتَفِزُّنِيْ وَلاْ كُلُّ مَنْ لاْقَيْتُ أَرْضَاْهُ مُنْعِمَا وَإِنِّي إِذَا فَاْتَنِي الأَمْرُ لَمْ أَبِتْ أُقَلِّبُ طَرْفِيْ إِثْرَهُ مُتَنَدِّمَا وَلَكِنَّهُ إِنْ جَاءَ عَفْواً قَبِلْتُهُ وَإِنْ مَالَ لَمْ أَتْبَعْهُ لَولا وَرُبَّمَا وَأقْبضُ خَطْوِي عَنْ أُمُوْرٍ كَثِيْرَةٍ إِذَاْ لَمْ أَنَلْهَا وَافِرَ الْعِرْضِ مُكْرَمَا وَأُكْرِمُ نَفْسِي أَنْ أُضَاحِكَ عَاْبِساً وَأَنْ أَتَلَقَّى بَالْمَدِيْحِ مُذَمّمَا وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوْهُ صَاْنَهُمْ وَلَوْ عَظَّمُوهُ فِي النُّفُوْسِ لَعُظِّمَا وَلَكِنْ أَهَانُوْهُ فَهَاْنَ وَدَنَّسُوا مُحَيَّاْهُ بِالأَطْمَاْعِ حَتَّىْ تَجَهَّمَا أَ أَشْقَى بِهِ غَرْساً؟ وَأَجْنِيهِ حَنْظَلاً؟ إِذَنْ فَاتِّبَاْعُ الْجَهْلِ قَدْ كَاْنَ أَحْزَمَا وكان القاضي الجرجاني مع علو منزلته يقول شعر الغزل الظريف الرقيق، ومن ذلك قوله: أَفْدِي الَّذِيْ قَاْلَ وَفِيْ كَفِّهِ مِثْلُ الَّذِيْ أَشْرَبُ مِنْ فِيهِ: الْوَرْدُ قَدْ أَيْنَعَ فِيْ وَجْنَتِي قُلْتُ: فَمِيْ بِاللَّثْمِ يَجْنِيْهِ.