طاقة كبيرة وروح مغامرة قادتا المخرجة الشابة سعاد عبدالله إلى تقديم مسرحيتها الأولى "الثرثارة"، على مسرح مونو - بيروت. المسرحية عن نص لجيلبير ليوتي، نشر في مجلة "أفان سين" الفرنسية سنة 1968. ومثلت الدور الوحيد في العرض كلود هاني، العائدة من فرنسا بعد 20 سنة قضتها هناك. سعاد عبدالله التي تخرجت في معهد الفنون الجميلة السنة الفائتة، وتكمل حالياً دراساتها العليا في الجامعة اليسوعية - أبحاث مسرحية، استهواها هذا النص الفرنسي. وهو نص يتوغل في مخيلة امرأة، من أهم مكونات هويته الحب القاتل. وشخصيته الوحيدة معقدة نفسياً، وتعاني أزمة السيطرة في علاقتها مع زوجها. ينطلق النص من معنى ثرثرة حواء وتأففها من زوج محاصر يومياً بكلماتها، في تضاد مع حب دفين، يظهر بعد أن يتركها ذلك الزوج للأبد. من هنا تبدأ المسرحية: النبش في أغوار هذه المرأة، على أرض جزيرتها القابعة في أفكارها، والمتمثلة بفضاء رملي دائري - إشارة إلى الزمن المر الذي تعيشه. الجزيرة خالية من المخلوقات، وليس سواها هي وشجرة من حديد تحيط بحياتها القاسية. عشر سنوات أو أكثر، خيال يقارب حياتها الواقعية مع تفكيك أجزائها ومكوناتها. تلك الحياة المطوقة بمفهوم طبقة "المحدثي الثراء"، والمتمثلة بأسوار الذهب الكثيرة، والخواتم التي ملأت أصابعها العشرة. كانت هذه المرأة بشعة جداً، ولم يفلح تراكم طبقات المكياج على وجهها، في إلغاء تلك البشاعة، بل أضاف إليها مزيداً منها. وكما بدأت الممثلة، المسرحية، في البحث عن زوجها الذي تركها، تنتهي بمشهد انتحار الزوج في جزيرتها الفنتازية. ثمة تلوين إيقاعي من خلال إضاءة رسمها نظرياً هاغوب ديرغوغاسيان، ونفذها رامي الصباغ. شكلت هذه الإضاءة دوراً رئيساً في سينوغرافيا العرض، وخلقت أزمنة وأمكنة مختلفة وصوراً بصرية حاولت المخرجة أن تصنع منها منفذاً، لنص سيكولوجي من الدرجة الأولى، عبر أساليب ضوئية مبتكرة لبناء فرجة متماسكة. إلا أن المخرجة رفضت مغامرة التحرر من قيود النص المسرحي، والبحث في تناقضاته الكثيرة. وكان حرياً بها، وهي المنتمية إلى جيل مسرح الشباب، تكسير قيود الكلمة، لكي تترك لذاتها فرصة صوغ مفاهيم جديدة لمسرح العصر، بعيداً من إشكاليات النص، الذي فرض وصاية على هذا العرض. أجبر النص الممثلة والمخرجة معاً على العمل لإيجاد حل إخراجي، تذوب فيه الكلمة، وتتداخل ضمن منظومة العناصر المكونة للسينوغرافيا. وعلى رغم أن الممثلة عملت على أدق التفاصيل، وعبّرت حتى بالعينين في لحظات متناغمة مع البيانو، فإنها وقعت في فخ تكرار الحركة، ولم تستطع التنويع في تعبيرها باليدين. فحركة اليد سيطرت على الممثلة، وبدا أنها في حاجة إلى تمارين أكثر حتى تصل الى مرحلة تتحكم فيها بتعبيرها الجسدي بما يتناسب مع الشخصية. إلا أنها عوضت عن ذلك، في تعابير الوجه، وبراعتها باستخدام عضلات هذا الجزء من الجسد. إضافة إلى أنها أبحرت في تجسيد الشخصية سيكولوجياً بحرفية شدت الحضور، طوال الأربعين دقيقة - مدة العرض. ويمكن القول أنها تفننت في اللعب بصوتها، وفق ما شاءت المخرجة، مما خدم عناصر السينوغرافيا في العرض، على رغم الصراخ المزعج في أوقات قليلة. هذا الصراخ كان يمكن أن يغيب لو أن الممثلة استمتعت أكثر بلعب دورها، وغاصت في تقنيات الصوت، التي تعد ركيزة مهمة للممثل المسرحي. ولا تشكل هذه الملاحظات إلا سياقاً ضئيلاً قليلاً يذوب أمام ممثلة جسدت وببراعة شخصية مركبة وصعبة، أثقل كاهلها وجودها وحيدة في فضاء المونودراما مسرحية الممثل الواحد، مع العلم أنها تمثل للمرة الأولى في هذا النوع من المسرحيات، بعد رصيد بلغ 30 عملاً مسرحياً في فرنسا. بقي أن نذكر أن المخرجة الشابة سعاد عبدالله تكفلت مصاريف إنتاج هذا العمل المسرحي. ولعل ذلك يحيلنا إلى سؤال قد لا نجد إجابته: هل يحتاج كل مخرج شاب في بيروت، إلى حفنة من الأوراق النقدية لكي ينتج عملاً مسرحياً لا يدر عليه أي ربح مادي؟ والسؤال الأصعب، هل سيجد هؤلاء الشباب مسارح يستأجرونها، بعد ظاهرة إقفال المسارح في بيروت وآخرها إقفال "مسرح المدينة"؟ مدرسة الحياة