في إحدى المرات، وبينما كان أصحاب البيت غائبين، استطاع احد اللصوص الوصول الى فرندة الطابق الثاني بخفة ونشاط ثم قام بقص دائرة في زجاج الباب تتسع ليده بوساطة أداة خاصة ودخل الى الشقة. انتقل فوراً الى غرفة نوم الزوجين وراح يعبث في الخزانة والجوارير باحثاً عن المصاغ والمجوهرات، الا انه أثناء ذلك وجد الخزانة مملوءة بثياب الزوجة الحرير فوقف يتشممها ثوباً ثوباً فتملكه سحر طغى على قلبه فرَّق حاله. أمضى وقتاً طويلاً وهو يفعل ذلك، إلا انه تذكر ما جاء من أجله فترك الثياب وعاد للبحث عما خف وزنه وغلا ثمنه، فانتقل الى الخزائن الأخرى وقبل أن يفتحها وجد بروازاً فيه صورة امرأة مركوناً بجانب السرير فجلس وقرّب البطارية التي كان يستعين بها لإنارة طريقه وراح يتمعن في الصورة. كانت المرأة في الصورة غريبة الجمال، تشع سحراً لا يمكن تفسيره سوى بسبب جمال عينيها ودقة أنفها وأناقة تسريحتها. كانت المرأة تبتسم بسعادة من دون أي تصنع أو تظاهر. اكتشف اللص سر سعادتها في جمالها وصحتها. كانت في منتصف العشرينات من عمرها، شقراء الشعر ويفتر فمها عن أسنان بيض مرصوصة لا شائبة فيها. ظل الرجل يتمعن في رسم المرأة حتى أنه نسي نفسه. منذ مدة طويلة لم تسحره امرأة مثل هذه، بل قل انه لم يسبق له أن وجد نفسه مسحوراً في هذا الشكل في سنينه الأربعين كلها. حياته كلها قضاها في جو من القباحة، فقد نام في السجن ست سنين لم يشعر خلالها بأية بهجة مصدرها جمال أو رقة أو نعومة. كما أن أمه رحمها الله كانت سليطة اللسان وبشرة يديها خشنة وموجعة حين كانت تصفعه، وكان وجهها نحيلاً وشفتاها مزمومتين لا تنفرجان إلا عن صراخ وعويل وشكوى. أما نفيسة التي ورطته بنفسها فتزوجها فقد كانت لئيمة وصاحبة مشكلات حتى انها طلقته وهو في السجن. كان ثوب نوم المرأة الحرير مركوناً على السرير فقرَّبه منه وراح يتلمس نعومته وهو يتابع النظر الى الصورة. وجد نفسه يحلِّق في ملكوت من النعومة والسكون والجمال، ولكي يعيش اللحظة في شكل كامل أمسك بالثوب وراح يتشممه وهو يجمع نسيجه بيديه على وجهه بينما كانت امرأة الصورة تبتسم له. شعر بحنان طاغٍ فنسي بريق الذهب فنهض ودس الثوب والصورة وقارورة عطر نسائي لطيفة التصميم في حقيبته الصغيرة المعلقة على كتفه ثم خرج بالطريقة نفسها التي دخل بها. شغلت المرأة ذهنه، بل قل انه أحبها. صار كل ليلة يطفئ النور المبهر ويترك مصباح الحمام مشعولاً لم يكن يملك مصباحاً ليلياً ثم يتمدد على سريره ويغرق في تلمس أشياء المرأة وشمّها والنظر اليها. في الواقع أصبح ينتظر الليل بفارغ الصبر لكي يعود الى طقسه. من وقتها أصبح أكثر ليونة وأكثر هدوءاً وصار يتلاطف مع أطفال العمارة ويمنحهم الفرنكات. ثم اشترى شريطاً لفيروز وأضاف أغانيها الى طقسه الليلي وأصبح كثير التنهد. بعد مدة جد نفسه مدفوعاً الى الشارع الذي يقع فيه بيت المرأة والذي دخله ليسرقه. كان يريد أن يكحّل عينيه برؤية صاحبة الصورة وجهاً لوجه. تحمم وقص شعره وحلق ذقنه عند المزين "قصر الملوك" ثم ارتدى قميصاً نظيفاً ولمع حذاءه وانطلق. كان الشارع هادئاً في وضح النهار وليس مثل حارته التي بدأ يزهق من ضجيجها، أما البناية التي يقع في طابقها الثاني بيت المرأة فقد كانت أنيقة ونظيفة وذات ألوان محببة. صار يروح ويأتي أمام البناية ولكن الفرندة اياها ظلت مغلقة. لاحظ، بنظره القوي، انهم قد أصلحوا زجاج بابها. لم يشعر بأسف في داخله لأن اقتحامه بيت المرأة أتاح له تلك المشاعر التي بدأ يحس بها في نفسه. ثم انه لم يسرق "حبيبته" ولم يستول على مصاغها وكل ما فعله انه استعار منها ثوب نومها الحرير وصورتها وقارورة عطرها. وجد مكاناً ظليلاً يستطيع منه رؤية فرندة المرأة، فوقف فيه وراح ينتظر. كان كل شيء هادئاً ومسالماً يشبه الى حد بعيد السلام الذي كان يشعر به وهو يحتل كيانه. لو سأله أحد ما في تلك اللحظة عما به لقال انه عاشق، وان العشق جميل وان المرأة هي أجمل ما في الكون. إلا أن صوت محرك سيارة مقبلة من الخلف عكر عليه أحلامه، بخاصة حينما توقفت بطريقة رعناء، ونزل منها ثلاثة رجال يحملون المسدسات. حين ذلك استفاق ليجدهم يمسكون به بطريقة آلمته في شدة ثم أدخلوه برعونة في السيارة فتمزق قميصه. أجلسوه في الوسط ووضعوا يديه في الكلبشات وراح أحد الرجال يضغط على عنقه بقوة ثم انطلقت السيارة. ارادوا اثناء التحقيق معه في قسم الشرطة ان يشير الى المكان الذي خبأ فيه المجوهرات التي ادعت المرأة انها فقدتها تلك الليلة.