خرق رئيس الحكومة اللبنانية السابق عمر كرامي نسبياً جوّ الرتابة والملل الذي طغى على مداخلات النواب في اليوم الثاني من جلسة مناقشة مشروع قانون الموازنة للعام الحالي بانتقاداته لسياسة الحكومة ورئيسها رفيق الحريري،. وبدا النواب وأعضاء الحكومة كأنهم مضطرون الى الحضور الى ساحة النجمة، إذ لم يتعد الحضور الصباحي الثلاثين نائباً نظراً الى خلو الموازنة من مواد تستدعي المناقشة واقتصارها على شقين، دفع رواتب الموظفين في القطاع العام، وتغطية خدمة الدين العام. في هذه الاثناء شغل رئيس المجلس النيابي نبيه بري في تطويق التداعيات السياسية المترتبة على ما ورد في كلام النائب نقولا فتوش اول من امس من مواقف اعتبرت أنها تستهدف رئيس الجمهورية اميل لحود الذي بدا مستاء للغاية من كلامه ومن مواقف صدرت عن نواب في كتلة قرار بيروت برئاسة الحريري اثاروا فيها السلبيات الناجمة عن اسقاط التزامات مؤتمر "باريس -2" وتجميد المشاريع الإنمائية الخاصة بالعاصمة ومنها بناء المدارس. كان لافتاً امس في الجلسة النيابية لمناقشة مشروع الموازنة ان الجهود التي قام بها بري شخصياً أثمرت تهدئة للأجواء، خصوصاً ان فتوش عاد في مستهل الجلسة الصباحية الى طلب الكلام مؤكداً انه لم يتعرض لأحد شخصياً وأنه لم يتكلم إلا في قضايا دستورية وقانونية، فاعتبر موقفه هذا بمثابة اعتذار ضمني من رئيس الجمهورية. وتزامن ذلك، مع مبادرة نواب في كتلة الحريري الى توضيح ما قصدوه في مداخلاتهم اول من امس، في اشارة واضحة، الى رغبتهم في الرد على بعض الجهات الرسمية والاعلامية التي صنفت كلامهم بأنه متناغم مع فتوش الذي لم يعف رئيس الحكومة من انتقاداته. واستغرب نواب في كتلة الحريري ربط موقفهم بانتقادات فتوش وسارع بعضهم، حفاظاً على اجواء التهدئة، الى شطب أسمائهم من لائحة طالبي الكلام. ولم يكن اللقاء الذي عقد امس على هامش الجلسة بين الحريري ووزير الداخلية الياس المر بعيداً من مساعي التهدئة، خصوصاً انه استمر أكثر من ساعة وتخللته مصارحة في العمق يفترض ان تسهم في تطويق أي توتر سياسي وإعلامي. وعلمت "الحياة" ان لقاء الحريري المر، تزامن مع اكثر من اتصال أجري في الساعات الماضية بين الرئيسين لحود وبري الذي رعى اعادة الأمور الى نصابها في الجلسة، وكان طلب شطب بعض ما ورد على لسان فتوش من كلام فسر على انه يستهدف رئيس الجمهورية من محضر الجلسة. وقال فتوش انه فوجئ ب"هجمة اعلامية فسرت الأمور على غير حقيقتها، فأنا لم أتكلم الا في قضايا دستورية وقانونية واحكام قضائية ولم أتعرض لأحد شخصياً وكلامي مكتوب وواضح". وأضاف "اذا كان مسموحاً للصحافيين ان يكتبوا أكثر مما نتكلم ولا يسائلهم أحد، فلماذا تقوم القيامة على النائب اذا تكلم وهو اذا لم يسم الامور يفقد دوره الديموقراطي؟". وانتقد عبداللطيف الزين ارتفاع كلفة اشتراكات الهاتف الثابت والخلوي والمياه وسعر المحروقات. وطالب ب"دفع التعويضات للقرى المحررة". واعتبر غسان الاشقر ان "مناقشة الموازنة جهد مهدور وهي موازنة هزيلة لا تسد الرمق فكيف بإحداث نهضة اقتصادية". داعياً الى "اعادة تأسيس الدولة في عملية النهوض وترميم الثقة". وطالب جورج قصارجي ب"رحيل الحكومة المفلسة والمجيء بحكومة اصلاحيين". ورأى ان "رئيس الحكومة رفيق الحريري لا يحمل أي خطة لمعالجة الدين العام"، معتبراً ان "افكاره عناوين عامة سقطت مع سقوط "باريس -2" والخصخصة المشوهة". واعتبر صالح الخير ان "الموازنة جاءت متأخرة الى المجلس بسبب التجاذبات السياسية التي تكلف اموالاً يدفعها المصرف المركزي". وهنا تدخل رئيس الحكومة فنفى "ان يكون مصرف لبنان يتدخل بائعاً بل شارياً". واعتبر اسامة سعد ان "الحكومة مترنحة ولا تحتاج الا الى رصاصة الرحمة"، داعياً ممثلي الشعب الى اطلاقها. ولاحظ غسان مخيبر ان "الموازنة هي مجرد موازنة تصريف أعمال لحكومة شبه تصريف اعمال، وهي فارغة من أي مضمون اصلاحي". وقال انه سيصوت ضد الموازنة. وقال محمد برجاوي: ان "الموازنة عادية في زمن استثنائي واكثر من ينتقدها هو من اعدها". وانتقد اداء الحكومة على مختلف الصعد. وركز سليم سعادة على الارقام معتبراً ان الموازنة في حاجة الى تصحيح بما لا يقل عن 500 مليون دولار. وانتقد جورج نجم "سياسة الاستمالة للحكومات المتعاقبة منذ العام 1992". ودعا أنور الخليل المجلس الى "وضع سقف رقمي للدين العام لا يجوز للحكومة ان تتخطاه". وقال عبدالله قصير: ان "مشروع الموازنة خالٍ من بنود اصلاحية وهي موازنة العجز الحكومي". وأثار مسألة تأخر ربط شبكة التيار الكهربائي بين منطقتي بصاليم والجمهور، فأوضح الحريري ان السبب "سياسي". وطلب بري من رئيس لجنة الاشغال والنقل محمد قباني الدعوة الى جلسة للجنة يحضرها وزير الطاقة أيوب حميد والمعنيون من اجل مناقشة هذا الموضوع. ودعا فريد الخازن كل السائقين الى اعلان اضراب عام مفتوح لا يعلق الا عندما يعود الجميع الى العمل. واعتبر ان الموازنة لا تستحق النقاش. وقال محمد الصفدي ان "الحكومة مفككة ولا ننتظر منها خيراً والموازنة هي موازنة الاعتراف بالأزمة". وأشار الى ان 40 في المئة من الشعب يعيش تحت خط الفقر وان "لبنان ذاهب الى الهاوية اذا لم نجر الاصلاحات اللازمة". وقال كرامي انه تردد قبل ان يتكلم في المناقشة "لأن الرأي العام مل الكلام وكذلك النواب ورئيس الحكومة والوزراء ورئيس المجلس. اننا نتكلم منذ 10 سنوات ويا ليتهم استمعوا الينا لما كنا وصلنا الى هذه الحال المأسوية. وكم حذرنا من ان الطريقة التي تسير بها حكومات الانماء والاعمار والمصروف الكبير الذي لا يتحمله الاقتصاد يؤديان الى افقار الناس واضعاف مناعة المجتمع في مواجهة الاخطار". وأضاف: "في العام 92 بدأت حكومات الحريري وكان الدين العام لا يتجاوز مئات ملايين الدولارات. وعندما قلنا في كل المحافل وللحريري وشكونا من الصرف غير الطبيعي كان يقول: "ألا تريدون بناء البلد طوّلوا بالكن السلام واقع ونجد من يسدد الديون". لكن الحريري استغرب هذا الكلام وقال: "كتير هيك". وتابع كرامي: "من العام 92 الى العام 98 ترتب دين 18 بليون دولار، وهنا دارت المشكلة حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه وبلغ الدين العام 34 بليون دولار. وصلنا اليوم الى ما وصلنا اليه والوزير السنيورة يلمح ولا يصرح، ونحن طلبنا منه ان يفصح ليعالج المجلس كل الأمور ولكن على من تلقي مزاميرك يا داود. كنا نشير الى الخلافات الرئاسية وكان الحريري ينفي ذلك واقول له هناك خلافات". وقال: "لا اريد ان ادافع عن أحد ولكن من 92 كان الوفاق الرئاسي على اتمه وكانت الحكومات حتى 98 احسن حكومات متجانسة وكان المجلس النيابي يصادق على كل اقتراحات القوانين حتى اوصلتنا هذه التركيبة الى دين 18 بليون دولار". وأضاف: "باريس - 2 اعطى دفعاً معنوياً للبنان لكنه لم يحل اي مشكلة. والسنيورة عودنا على تفخيم الكلام وهو يقول ان ميزان المدفوعات فيه فائض كبير وهذا يعني انه يسجل الدين الذي يدخل البلد فائضاً ومنه الودائع من الدول المانحة... ويقول ان الوضع الاقتصادي على تحسن، ما هو مقياس ذلك؟ كيف تحسن الوضع الاقتصادي والعجز 38 في المئة؟ وهناك 3 بلايين دولار خدمة دين". وتوجه الى الحريري قائلاً: "قلت في تصريحاتك أمرين: لماذا تحملوني المسؤولية وحدي وهذا محق، والثاني ان كلفة الاعمار 5.5 بليون دولار. لا يمكن ان يحصر الدين العام بالاعمار، انت رئيس حكومة لبنان ووافقت على كل المصاريف وتقول ان الفاتورة التي صرفت على الاجهزة الامنية كبيرة. انت ذهبت الى وزارة الدفاع وأعطيتهم 3 اضعاف". الحريري: "حصل العكس. جاؤوا الى عند السنيورة" ضحك. الحريري: "في نهاية 98 اصدرنا كتيباً قلنا ان كلفة الاعمار 5.5 الاعمار ومثله كلفة الأمن والشأن الاجتماعي اقل بقليل والمبلغ هو الفارق ما بين الايرادات والمصاريف". واعتبر كرامي ان "الجيد في الموازنة هو أن لا ضرائب جديدة. لكن السنيورة حضر لهم وهو سادي. وقف الحريري وقال سنجعل من لبنان جنة ضرائبية ونفتح الاجواء ونخفض الجمارك لنصبح كدبي لكن النتيجة كانت ان الضرائب المحققة زادت العبء 10 اضعاف في 10 سنوات. الكهرباء اغلى تسعيرة في العالم وهي تخسر 350 مليون دولار في السنة. قال لي تجار الاسواق الداخلية انه عندما يأتي موظفو السنيورة سنضربهم فقلت لهم انا اساعدكم. جاء الي وفد من الصيادلة احدهم بلغت الضريبة عليه 54 مليون ليرة. نظامنا الضريبي ليس عادلاً. الحكومة اصبحت حكومات بفضل التجاذب ودخلت في الكوما ولن تفيق الا بعد الاستحقاقات. ورأى ان في الموازنة مخالفة دستورية ولقانون المحاسبة العمومية. تظاهرة مطلبية اليوم وتنفذ نقابات قطاع النقل البري في لبنان بمشاركة الاتحاد العمالي العام ونقابات، تظاهرة مطلبية اليوم في اتجاه ساحة رياض الصلح حيث تنتهي باعتصام قرب البرلمان.