لم يكن استنكار الموقف الأوروبي كما يجب. فقد جاء على استحياء كذر الرماد في العيون. وكأن الشيخ ياسين قتل في مواجهة حامية مع قوات الاحتلال الصهيوني. ولكن الغريب ما قام به السفير اليوناني في الرياض، بعد أن قدم سكرتيره التعزية للسفارة الفلسطينية، يوم استشهاد الشيخ رحمه الله، بعد أن جاءته تعليمات من بلاده بهذا الخصوص: "لأن الموقف الأوروبي يعتبر حركة حماس منظمة ارهابية" و"الشيخ ياسين لم يكن منتخباً من الشعب الفلسطيني". هل الشيخ ياسين - رحمه الله - كان منتخباً من الشعب الفلسطيني أم لا؟ وما هي آلية الانتخاب في منطق العولمة؟ وكيف يصبح الزعيم منتخباً ومحبوباً من شعبه في نظرهم؟ ربما اختلطت الأمور على الأميركيين والأوروبيين، وعلى السفير اليوناني وبلاده، إذ ما عادت الديموقراطية الأوروبية والأميركية تفرق بين الدبابة وكرسي الشلل، أو بين عصا المقعد وطائرات الأباتشي! هل تعاموا عن الشعبية التي حظي بها الشيخ قبل استشهاده وبعده؟ أم ان وسائل الإعلام عندهم تديرها أياد لا تنقل إلا رأياً واحداً، كما في البلدان الديكتاتورية؟ لقد عرف الناس الشيخ في قطاع غزة منذ عقود طويلة، عرفه الصغير والكبير والصديق والعدو. لقد استولى على قلوب الناس بأسلحة الحب القوية، وفرض احترامه على الجميع بقوانين العدل والهمة العالية. لم يترك أهله في محنهم الشديدة. ساعد الجميع بكل ما استطاع من قوة، أسس البنية التحتية لأهل قطاع غزة، ساهم في انشاء الجمعيات الخيرية التي كانت تواسي آلاف العائلات المشردة، فتح المشافي والمدارس والصيدليات ومشاغل الخياطة. وافتتح دوراً لحضانة الأطفال ومدارس كثيرة، وحتى الجامعة الإسلامية كان من مؤسسيها، ورعى الأرامل والأيتام. لقد انتخبه الشعب الفلسطيني بقلبه وعقله ووجدانه، وكيف لا ينتخب من لا يضمد جراحه في مآسيه الكثيرة؟ وهل الذي يحظى بهذا الحب بحاجة الى صناديق اقتراع مزيفة، واذاعة مأجورة، وصحافة صفراء، ليبرهن للعالم ان الشعب يهتف باسمه صباح مساء وليل نهار! عاش الشيخ في غزة معلماً ومرشداً، ومصلحاً وقاضياً، بعيداً من الأضواء، ومن ألقاب الشهرة البراقة. تفرغ للناس يفض النزاع بينهم بالحق والعدل، كانت أحكامه في أغلب الأحيان مبرمة، غير قابلة للطعن أو الاستئناف، لأن المتخاصمين رضوا بحكمه العادل. احترمه الجميع، بل أحبوه. كان رحمه الله صمام أمان للوحدة الوطنية. لم يقع في فخ الحرب الأهلية على رغم فرض الإقامة الجبرية عليه. حرَّم الاقتتال بين الناس تحت أي ظرف من الظروف. كان حليماً، تحمل كثيراً من التصرفات الحمقاء والقرارات الجائرة التي اتخذت في حقه من ذوي القربى. تحمل ذلك، وصرّح أكثر من مرة أنه لا يريد أن يفرح أعداءنا بإراقة دمائنا. وكثيراً ما كان يردد الآية الكريمة: "ولئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي اليك لأقتلك"، المائدة، 28. الرياض - خليل محمود الصمادي كاتب فلسطيني مقيم، عضو اتحاد الكتّاب والصحافيين الفلسطينيين بدمشق [email protected] ما أجمل الموت حينما يكون استشهاداً في سبيل الله. استشهد الشيخ أحمد ياسين، زعيم حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين، وهو يغادر المسجد بعد صلاة الفجر متوجهاً الى بيته. لقد أخطأ شارون، وسادته في البيت الأبيض، عندما ظنوا ان قتل الشيخ أحمد ياسين سيكسر ارادة الشعب الفل