بدأ رئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الأحمد قبل أيام سلسلة لقاءات مع المجموعات السياسية الإسلامية، السنّية منها والشيعية والليبرالية وبعض نواب مجلس الأمة البرلمان الكويتي، وقال مشاركون في هذه اللقاءات ل"الحياة" إن موضوعين غلبا على حوارات الشيخ صباح، أولهما ملف تعديل الدوائر الانتخابية، والثاني ما دعا إليه من رفض "الممارسات الطائفية" ومنعها. وكان الشيخ صباح التقى أولاً بعض نواب "الكتلة السلفية"، ثم بعض رموز الشيعة القريبين من الحكومة، وبعدها اجتمع بممثلي "الحركة الدستورية الإسلامية" التي تمثل تيار "الاخوان"، ثم التقى مساء أمس نواباً شيعة في البرلمان وبعض وجهائهم، وسيجتمع خلال الأيام المقبلة بليبراليين وإسلاميين مستقلين ومجموعات أخرى. كان أبرز ما طرحه الشيخ صباح الأحمد في اللقاءات قلقه واستياءه من ممارسات تحض على الطائفية ظهرت أخيراً، مثل انتشار بعض المنشورات السرية من متطرفين سنّة وشيعة وبعض الحوادث المتفرقة، مثلما حدث في دار للكتب في منطقة حولي قبل أسبوعين. إذ رصد بعض الشيعة وجود كتاب غير مرخص يباع هناك عنوانه "مذهب خامس أم طابور خامس" ويمس الشيعة، ما حرّك شكوى جاء على أثرها رجال أمن لضبط الكتاب. وحدث أن الضابط المسؤول عن الضبط كان شيعياً، ما أثار حساسيات بدأت بمشادة ثم تطورت إلى اشتباك بالأيدي شارك فيه عشرات واصيب خلاله الضابط وآخرون بكسور. واعتقل صاحب دار الكتب، ثم ما لبث مؤيدون له من السلفيين أن اعتصموا أمام الدار بعد يومين، مطالبين باطلاق زميلهم المعتقل. ونظراً إلى حساسية هذا التطور، طلبت الحكومة تدخل نواب سلفيين، فتوجه النائبان الدكتور وليد الطبطبائي والدكتور عواد برد العنزي إلى المعتصمين وطالباهم بالتفرق سلماً، وهو ما حدث واطلق صاحب دار الكتب في اليوم التالي بكفالة. هذه الحادثة طوقت تداعياتها بسرعة، خصوصاً أن الصحف المحلية امتنعت بطلب من الحكومة عن نشر أي شيء عنها، لكنها جاءت بعد شهور قليلة على اعتقال ناشط شيعي هو ياسر حبيب، وضبط عشرات من الأشرطة التي سجلها لمحاضرات له تهاجم السنّة وتروج لأفكار مذهبية متطرفة. ودان وجهاء من الشيعة أشرطة حبيب واعتبروا أنها تمس الوحدة الوطنية. وشدد الشيخ صباح في لقاءاته على أن "القانون سيطبق على كل من يثير الطائفية"، في حين أبلغ النواب من السنّة والشيعة، تأييدهم له وان "التزام الحكومة تطبيق القانون بحياد وعلى الجميع، يكفل القضاء على الطائفية والفئوية". ولا توجد في الكويت طائفية سياسية، لذلك لا يظهر مذهب المواطن على الوثائق الرسمية، لكن دراسات احصائية عن طلاب جامعة الكويت ابان الثمانينات، قدرت نسبة الشيعة بينهم ب18 في المئة، ورأت دراسات أخرى أن 15 20 في المئة من الشعب الكويتي 900 ألف شخص من الشيعة الذين يتحدر أكثرهم من اصول إيرانية. ويستفيد الشيعة من الحريات السياسية الواسعة نسبياً في الكويت، ولديهم نواب فاعلون في البرلمان، لكن أحداث العراق بدأت تخلق نقاشاً حساساً حول إذا كان يحق للشيعة المطالبة بالمزيد أم ان ذلك سيكون استغلالاً غير موضوعي منهم لصعود صوت الشيعة في العراق. قطب سلفي قال ل"الحياة" إن الحكومة اعتادت دعم مجموعات شيعية محسوبة عليها عن طريق الترخيص لها بمكاسب مذهبية، مثل فتح الحسينيات وغير ذلك، من أجل دعم شعبية هذه المجموعات ضد المجموعات الشيعية المحسوبة على المعارضة، خصوصاً في غمرة المنافسات الانتخابية، والمثل منح نائب شيعي قريب من الحكومة وللمرة الأولى في الكويت ترخيصاً بأداء عمل مسرحي عن معركة كربلاء في ذكرى عاشوراء قبل بضعة أسابيع، وذلك في ساحة عامة في منطقة بنيد القار. وحضر آلاف هذا العرض، لكن الحكومة بدأت تشعر بأن هذه المبادرات "صار لها أثر عكسي"، وأن بعض الشيعة "يسيء قراءة الأحداث في العراق". ورأى القطب السلفي أن الحكومة ربما لا تعطي ترخيصاً لنشاطات مماثلة في المستقبل القريب، وأنها "لمحت إلى عدم تجديدها دعم بعض النواب الشيعة المحسوبين عليها إذا تصرفوا في شكل طائفي". وعلى رغم حساسية المسألة الطائفية وارتباطها بأحداث العراق، أكد نواب ل"الحياة" أن لا مشكلة في الكويت الآن حول الملف الطائفي. وقال نائب، فضل عدم ذكر اسمه: "بعد الثورة الإيرانية عام 1979 ظهرت حساسيات طائفية في الكويت ثم انطفأت، وطالما الأوضاع المعيشية والاقتصادية عندنا جيدة وما دامت المشاركة السياسية قائمة للجميع مع استمرار حريات الصحافة والتعبير، لا قلق عندنا من هذا الملف، والمتطرفون من كل الطوائف موجودون دائماً لكنهم أقلية غير مقنعة". معضلة الدوائر وخلال اللقاءات أثار الشيخ صباح مع رموز القوى السياسية والنواب الذين التقاهم موضوع الاقتراحات المقدمة لتعديل الدوائر الانتخابية. وقال نواب ل"الحياة" إن الشيخ صباح أكد موافقة الحكومة المبدئية على تعديل الدوائر، لكنهم لمسوا منه عدم تقبل فكرة تقليصها من 25 إلى 5 وأنه يقبل تقليصها إلى عشر. وسيكون موضوع الدوائر على رأس جدول أعمال جلسة مجلس الأمة البرلمان اليوم، ويقول نواب المعارضة إن تعديل الدوائر مطلوب للقضاء على ظاهرة شراء الأصوات، وعلى التحالفات القبلية والطائفية التي تهدم مبدأ المشاركة الشعبية. وكانت الكويت منذ انتخابات عام 1963 مقسمة على عشر دوائر إلى أن حُلَ البرلمان وعُلق الدستور عام 1976. ولمّا أعادت الحكومة العمل بالدستور وأعلنت عن انتخابات عام 1981 بادرت إلى إعادة توزيع الدوائر إلى 25 وجاء التوزيع في صورة مكنت المنتسبين إلى القبائل من حصد 26 على الأقل من أصل 50 مقعداً على أساس أن القبليين محسوبون عليها. لكن القبائل أفرزت منذ ذلك الوقت مزيداً من المعارضين، ودفع انتشار الرشوة الانتخابية وعدم حزم السلطات في محاربتها النواب إلى المطالبة بتعديل الدوائر من أجل رفع سقف الفوز رقمياً، بالتالي كبح ظاهرة الشراء. ويريد اقتراح جعل الدوائر خمساً فقط وتحاربه الحكومة ضرب القبلية والطائفية، وجعل الاختيار قائماً على البرنامج السياسي للمرشح لا خدماته الشخصية للمواطنين. ويرى نواب أن الحكومة لا تود معارضة التعديل في شكل صريح لئلا تظهر كأنها عقبة في وجه الإصلاح، لكنها تأمل بأن يخفق المشروع بأكمله في ضوء الاختلافات الواسعة بين النواب. إذ ظهرت تفاصيل كثيرة في تقسيم الدوائر المقترح وفي عدد الأصوات لكل دائرة وعدد المقاعد الممنوحة لها، ليس مرجحاً أن يوافق عليه كثيرون من النواب، لأن ذلك يخل بفرصهم في الفوز مستقبلاً. ويلاحظ أن الاختلاف على الدوائر موجود بين نواب القبيلة الواحدة والطائفة، لأن كل نائب يرى الموضوع بمقياس فوزه أو خسارته. إلى ذلك، رحب مجلس الوزراء الكويتي في جلسته الأسبوعية أمس، بفكرة تقليص عدد الدوائر الانتخابية، مؤكداً في بيان رسمي أنه يفضل أن تكون عشراً من حيث المبدأ. ورأى أن "تحديد هذه الدوائر وتوزيع المناطق عليها وتحديد العدد الذي يسمح به للناخب لاختيار المرشحين، تعد أموراً بالغة التعقيد والأهمية في ضوء المبادئ التي اعتمدها مجلس الوزراء في هذا الشأن، وهي الحياد والعدالة ومعالجة مظاهر القصور القائمة، وأن يكون التعديل معززاً للممارسة الديموقراطية الصحيحة ويحد من الممارسات السلبية المتمثلة في مظاهر الطائفية والقبلية والفئوية على حساب الولاء للوطن، ويتيح المجال لتمثيل شرائح المجتمع الكويتي".