مما لا شك فيه أن "التشات" فتح مجالات واسعة، بخاصة أمام المراهقين، للتعبير عن ذواتهم، لكن بعض الجامعيين المتخصصين بعلوم اللغة يعتقدون ان هذه التقنية ستخلف أجيالاً لا معرفة لها بأدنى قواعد اللغة الفرنسية ولا بمفرداتها. تعتبر الرسائل المكتوبة التي يتبادلها مستعملو الخلوي الفرنسيون هدفاً لصراع الجبابرة من شركات الاتصال المحلية والدولية، من اجل الفوز بعائدات هذه السوق التي لم تتوقف عن النمو والازدهار في السنوات الخمس الأخيرة. وفي تقرير صادر عن جمعية المستهلكين الفرنسيين، التي تحظى بصدقية كبيرة، كشفت أن شركات الهاتف الخلوي الفرنسية تبيع الرسالة الواحدة بما يعادل ربع دولار، وهي لا تكلفها سوى 3 سنتيمات فقط. وأدى الإعلان عن هذه الأرقام إلى ميلاد أول "إضراب الكتروني" في تاريخ فرنسا. فقد تعاهد مستعملو "التشات" على خفض استهلاكهم في المرحلة الأولى تنديداً بما سموه "جشع شركات الخلوي"، ثم اتفقوا على مواعيد لإرسال "ميساجات" في اللحظة نفسها إلى شركاتهم طمعاً في إعطاب أجهزتها التقنية. ولم تمر سوى أيام حتى شرعت شركات الهاتف في إطلاق حملة دعائية للإعلان عن خفوضات هائلة في أسعار الرسائل المكتوبة. ولم تكن بيدها خيارات أخرى، خصوصاً أن الغالبية من مستعملي هذه التقنية هم من المراهقين وطلبة الجامعات، وهم يمثلون مستهلك الغد، لبقية المنتجات الالكترونية التي تسوقها هذه الشركات، ولذلك سارعت إلى تقديم تنازلات بالجملة لكسب رضاهم. إجابات الامتحانات وبينما تواصل شركات الخلوي سباقها المحموم للفوز بأكبر عدد من مستعملي "التشات" ارتفعت أصوات أكاديمية مختلفة للتنبيه إلى بعض الأضرار الجسيمة التي ستلحقها هذه التقنية باللغة الفرنسية المتعامل بها كلاسيكياً. رولان ماكسيم المتخصص في اللسانيات يعتقد أن اللغة المستعملة من جانب المراهقين تزيدهم ابتعاداً يوماً بعد آخر عن اللغة الفرنسية بمفرداتها وقواعدها، مضيفاً أن بعض التلاميذ في الثانويات اختلطت عليهم الأمور وشرع الكثير منهم في استخدام لغة التشات لصوغ إجابات الامتحانات والواجبات المدرسية. واعتمد رولان ماكسيم على دراسة ميدانية شملت عينة تتكون من 1500 من تلاميذ الصفوف الإعدادية والثانويات في استخلاص نتائجه التي أثارت موجة إعلامية كبيرة ما زالت محل نقاش ساخن في وسائل الإعلام والندوات الثقافية والفكرية. غير أن رولان ماكسيم لم يجد الردود لمواجهة خصومه ممن يعترفون بأن تقنية "التشات" تساهم في إعادة بناء العلاقة المهتزة بين الشباب والكتابة، في زمن يتسم بسطوة الثقافة الشفوية على مختلف أوجه الحياة. وصعب على وزير التربية الفرنسي اتخاذ موقف من الجناحين المتصارعين، بالنظر الى الأرقام المذهلة عن أسباب الفشل المدرسي، إذ يبلغ أكثر من ربع الأطفال المتمدرسين سن العاشرة من دون ان تمنحهم المدرسة قواعد اتقان القراءة. أما الكتابة فتلك المعضلة الكبرى، ولذلك ارتفعت أصوات تنادي بتشجيع إقبال الصغار على استعمال الانترنت في المدارس، في محاولة ربما هي الأخيرة للقضاء على الأمية، بحسب رأيهم.