لم أكن أتصور، بعد مضي ما يقارب النصف قرن، ان ارى صور السحل والتمثيل بالجثث تتكرر، مرة أخرى، في شوارع احدى المدن العراقية. قامت الغوغاء، يوم 14 تموز يوليو 1958، بقتل وسحل جثث بعض رجالات الحكم السابق في العراق. وتكررت الصورة في شوارع الموصل وكركوك عام 1959، حين بدأ رجال الانقلاب بتصفية بعضهم بعضاً. وكانت فلسفة السحل والتمثيل من أهم منجزات زمرة الانقلابيين، بمساندة كبيرة من الغوغاء والجهلة والمجرمين. عادت الصور البشعة، هذه المرة، الى مدينة الفلوجة "المناضلة" مناضلة لعودة صدام؟ أو لمجيء بن لادن؟. وهذه المرة شاهد البشر في ارجاء المعمورة، ومن خلال الاعلام المرئي وشبكة الانترنت. كيف لا تتعلم الأجيال من أخطاء الماضي؟ ألم تكن الوحشية التي تمثلت في عامي 1958 و1959 أحد الأسباب أو ظواهر ما حدث بعد ذلك من حروب وإرهاب وقتل وتهجير للشعب العراقي؟ أليست تلك الوحشية هي الدلالة على الحقد البدائي لبعض فئات المجتمع؟ ألم يُعلم الأجداد أحفادهم ان تلك الأعمال الوحشية هي من أهم اسباب ما جرى بعد ذلك في العراق؟ وان اراقة الدم، والقتل والتمثيل بالجثث، لا تجلب إلا المزيد من الدم والحروب والمصائب؟ لقد تضرر بعض الناس من زوال حكم صدام، ومن ضمنهم قسم من أهالي الفلوجة الذين كانوا من أفراد الحرس الجمهوري، وفدائيي صدام، وحصلوا على بعض مكارم ذلك النظام في مقابل استخدامهم كأدوات للبطش وإرهاب بقية أفراد الشعب. فالمقابر الجماعية لم يحفرها ويملأها بالجثث صدام حسين بنفسه، بل بواسطة أولئك الأتباع. اني، كعراقي الأصل، شعرت بالخجل مما شاهدت على شاشات التلفزيون، وما قامت به الغوغاء في الفلوجة. وانها لصورة قاتمة لمستقبل ذلك البلد، كما كانت صور القتل والسحل في 1958 و1959 نذير شؤم للعراق، وما حل به بعد ذلك على أيدي بعض الفئات المارقة. وبئس الخلف لذلك السلف! واشنطن - زهير عبدالله