الرئيس بوش قال فعلاً لآرييل شارون انه يعارض بقوة قتل الرئيس عرفات أو نقله الى غزة، وتعهد للرئيس مبارك بأن الرئيس الفلسطيني لن يقتل أو يطرد، غير انه أعطى رئيس وزراء اسرائيل كل ما طلب، وبما فاق توقعاته، فكان ان شجعه على الحديث عن انه أنهى التزامه للرئيس الأميركي في اجتماعهما الأول قبل ثلاث سنوات ألا يؤذي أبو عمار. مفاوضات السلام في الشرق الأوسط تفتقر الى شريك، غير ان الشريك الغائب ليس ياسر عرفات، كما يقول الرئيس بوش، وإنما الشريك الاسرائيلي، فشارون عدو السلام على امتداد نصف قرن من عمره النتن، وفي حين أن تكرار الحديث عن جرائمه يبدو ممجوجاً، لأنه تكرار، فإن الواقع هو أن آرييل شارون مجرم من طراز نازي. السفاح الذي قال عنه جورج بوش انه "رجل سلام" سُمع باسمه للمرة الأولى قبل 50 سنة، وتحديداً سنة 1953، عندما قاد قوة قتلت نحو 50 لاجئاً، غالبيتهم من الشيوخ والنساء والأطفال في مخيم البريج في قطاع غزة. وكان ذلك في آب اغسطس فلم يحل تشرين الأول اكتوبر من السنة نفسها حتى كان شارون يرتكب مجزرة قبية، حيث قتل السكان المدنيون داخل بيوتهم، بالرصاص والقنابل. وهو قتل الجنود المصريين الأسرى، خلال عدوان 1956، وعندما عُيِّن سنة 1970 قائداً للمنطقة الجنوبية، مسؤولاً عن قطاع غزة، دمر مئات البيوت في مخيم الشاطئ، وقتل مئات النساء والأطفال يساعده مائير داغان، رئيس الموساد الآن، وشريك شارون في الجريمة دائماً. وأتبع ذلك سنة 1971 بتدمير نحو ألفي بيت في غزة وحولها، وقتل مزيد من المدنيين. وكل قارئ يذكر اجتياح لبنان وشارون وزير دفاع الإرهابي الآخر مناحيم بيغن، عندما قُتل نحو 20 ألف لبناني وفلسطيني، معظمهم من المدنيين، وارتكبت مجزرة صبرا وشاتيلا حيث قتل نحو ألفين غالبيتهم مرة أخرى من النساء والأطفال. وقررت لجنة تحقيق اسرائيلية في حينه، ترأسها اسحق كاهانه، رئيس المحكمة العليا الاسرائيلية، ان شارون مسؤول عن تسهيل المجزرة، وانه لا يصلح لشغل منصب رسمي. "رجل السلام" كما يقول جورج بوش، صوّت سنة 1979 ضد معاهدة السلام مع مصر عندما كان عضواً في حكومة بيغن، وفي سنة 1985 صوّت ضد انسحاب القوات الاسرائيلية من "القطاع الأمني" في جنوبلبنان، وفي سنة 1991 عارض مشاركة اسرائيل في مؤتمر مدريد، وفي سنة 1993 صوّت ضد اتفاقات اوسلو في الكنيست. وفي 1994 امتنع عن التصويت على معاهدة السلام مع الأردن، وفي 1997 عارض اتفاق الخليل الذي عقده بنيامين نتانياهو نفسه. وهو عارض الانسحاب من لبنان الذي نفذته حكومة إيهود باراك. وكان تدنيسه الحرم القدسي الشرارة التي أطلقت انتفاضة الأقصى قرب نهاية أيلول سبتمبر من السنة ألفين، مما دمر عملية السلام في النهاية. هذا على المستوى العام، أما على المستوى الشخصي فهو فاسد حتى العظم، ويواجه باستمرار قضايا فساد تعكس دخائله، ولعل من أسباب تهديده ياسر عرفات هذه المرة انه لا يطيق ان يسقط في قضية الرشوة التي يواجهها الآن، ويبقى ياسر عرفات رئيساً. وفي سوء الفساد أخباره الشخصية فهو كان متزوجاً، وقتلت زوجته في حادث سيارة، وتزوج اختها، وهناك من يزعم انه كان على علاقة بالأخت، وهو متزوج، وان زوجته اكتشفت العلاقة وانتحرت بحادث سيارة. الأخ أحمد الطيبي، عضو الكنيست، يعتبر تهديدات شارون جدية، وقد اتصل بالرئيس الفلسطيني محذراً. وكنت تحدثت هاتفياً مع الأخ أحمد وهو في زيارة لبرلين، وقال لي ان عند آرييل شارون نوعاً من الهوس التاريخي والشخصي بعرفات. ومع قضية الرشوة واستفتاء أعضاء ليكود على الانسحاب من غزة، وتحدي زعامة شارون من داخل حزبه، فإنه يخشى أن يغيب عن الساحة السياسية ويبقى ياسر عرفات لاعباً. الأخ أحمد الطيبي يقول ان الدم الفلسطيني أصبح وقوداً للخلافات الداخلية الاسرائيلية. وفي حين أن جميع المسؤولين الكبار في ادارة بوش أعلنوا معارضة قتل عرفات، فإن شارون ربما كان يعتقد انه يستطيع مواجهة العاصفة اذا قتل عرفات، فهي ستبدأ كبيرة، إلا أن الموقف الأميركي سيتحول تدريجاً للدفاع عنه ومساندته. لا أدري اذا كان القادة العرب يدركون ان المطروح ليس مصير ياسر عرفات، بل مصير كل واحد منهم، فإذا كانت الولاياتالمتحدة تطيح صدام حسين وهو يستحق أن يسقط، وإذا كانت اسرائيل تقتل ياسر عرفات، فمن هو الزعيم التالي على القائمة الأميركية - الاسرائيلية؟ عملية السلام لن تتقدم، وإذا تقدمت فنحو الهاوية، طالما ان آرييل شارون رئيس وزراء اسرائيل، وطالما ان جورج بوش يستقبله في البيت الأبيض ويتعامل معه بما يشجعه على مزيد من الجرائم. وأنا لا أكتب رأياً شخصياً فيه، وإنما أنقل عن مصادر اسرائيلية ويهودية فقط، والمؤرخ الاسرائيلي بيني موريس هو الذي اكتشف الأمر الذي أصدره آرييل شارون الى جنوده في قبية وكان ببساطة "أقصى قتل وأقصى تدمير للممتلكات". وسيظل شارون يرتكب "أقصى جريمة" الى أن يستفيق الرئيس الأميركي على حقيقته.