مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    الأمن.. ظلال وارفة    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    ضيوف برنامج خادم الحرمين يؤدون العمرة    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    التحليق في أجواء مناطق الصراعات.. مخاوف لا تنتهي    من «خط البلدة» إلى «المترو»    أهلا بالعالم    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    كرة القدم قبل القبيلة؟!    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    النائب العام يستقبل نظيره التركي    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    استثمار و(استحمار) !    وسومها في خشومها    وانقلب السحر على الساحر!    منتخبنا كان عظيماً !    الضحكة الساخرة.. أحشفاً وسوء كيلة !    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة العراق في خليجي 26    نيابة عن "الفيصل".. "بن جلوي" يلتقي برؤساء الاتحادات الرياضية المنتخبين    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    إحباط تهريب (140) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    آل الشيخ: المملكة تؤكد الريادة بتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن حكومة وشعبا    موارد وتنمية جازان تحتفي بالموظفين والموظفات المتميزين لعام 2024م    "التطوع البلدي بالطائف" تحقق 403 مبادرة وعائدًا اقتصاديًا بلغ أكثر من 3مليون ريال    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحملة على العرب ... بات بيوكانن يفند مشروع المحافظين الجدد في الولايات المتحدة
نشر في الحياة يوم 27 - 04 - 2004

هل ينجح مشروع المحافظين الجدد في إعادة رسم العالم العربي عبر طروحات "الدمقرطة" و"الإصلاح" و"الشرق الأوسط الكبير"؟ وكيف يمكن تحقيق هذا المشروع على أرض الواقع؟ أبالحملات العسكرية أم بالعقوبات الاقتصادية أم بالضغوط الديبلوماسية أم بها جميعاً؟ لا شك في أن هناك ظروفاً مواتية تجعل هذا التيار يغرق في أحلامه الإمبراطورية المرتكزة على غطرسة القوة والرغبة في الهيمنة وسوق العصاة والمعاندين إلى بيت الطاعة الأميركي.
لكن، ما هي أبرز ملامح هذا المشروع؟ الكتاب الذي صدر أخيراً لريتشارد بيرل وديفيد فروم "نهاية شر: كيف نكسب الحرب على الإرهاب" يمثل "إنجيل" المحافظين الجدد ويبسط رؤيتهم للعالم العربي والإسلامي.
يتحدث الكتاب عن الإسلام بصفته خطراً يجب التصدي له ويرى أن الحرب عليه حتمية وأبدية ومقدسة، ويعيد إنتاج القوالب الاستشراقية حول العرب والمسلمين، فهم متوحشون وخطرون وغير جديرين بالديموقراطية وأعداء للحضارة ويجب أن يكونوا تحت التحكم.
يتسم الكتاب بالضحالة وتفادي التفاصيل والتعميم وغياب التحليل النزيه للظواهر الاجتماعية والسياسية. وكالعادة في الخطاب الأميركي والغربي، فإن الكتاب لا يتحدث عن المرض، بل عن العرض، ويغفل أسباب المرض وينكرها. وكالعادة أيضاً، فإن أي حديث عن جذور المشكلة يجرى تجاهله بدعوى عدم الرضوخ للابتزاز والإرهاب.
يشير جوشوا ميكا مارشال في قراءته للكتاب إلى هذه النقطة قائلاً إنه يدعو إلى الصمود في "معركة مطردة"، موحياً "أن أميركا في حرب مع الإسلام نفسه في أي مكان وفي كل مكان: يبدو العالم الإسلامي المعاصر مرجل كراهية وقتل وظلامية وخداع. إذا لم يقم خصومنا المسلمون بتدمير الحضارة الغربية، فيجب أن نتأهب لمزيد من المعارك" "موقع ليديو دي فيلاج في 22 شباط/ فبراير 2004.
الكتاب أثار ضجة عالمية، ولا تزال أصداؤه تتردد، وقد قرأه كثيرون، ومن أبرز الذين قرأوه قراءة نقدية صارخة باتريك بيوكانن الصحافي والسياسي الإصلاحي الأميركي الذي يعتبر من المحافظين التقليديين، ويرى أن تيار المحافظين الجدد ليس محافظاً في حقيقة الأمر، بل ليبرالي بأسنان حادة، وقد كتب في صحيفة "نيويورك تايمز" قائلاً إنه "تم اختطاف الحركة المحافظة وتحويلها إلى إيديولوجية حدود مفتوحة تدخلية كونية، فهي ليست الحركة المحافظة التي نشأت في ظلها" 8 أيلول/ سبتمبر 2002.
يقدم لنا بيوكانن قراءة مستفيضة للكتاب كانت موضوع غلاف مجلة "ذا أميركان كونسيرفاتف" في عددها الصادر في أول آذار مارس 2004. ولأهمية الأفكار التي طرحها بيوكانن في نقده للكتاب، ولتاريخه الطويل في العمل السياسي والصحافي، ولصلته الوثيقة بالحركة المحافظة، فإن قراءته تكتسب أهمية خاصة تستحق الوقوف عندها في ثنايا هذا المقال، وسنورد هنا أهم آراء بيرل وفروم المتعلقة بالعرب والإسلام، وتعليق بيوكانن عليها.
يستهل الكتاب بعبارات هستيرية تقول إن الجديد بعد أحداث الحادي عشر من أيلول هو اكتشاف الأميركيين أن "الخطر الإرهابي الذي كنا نظن أننا احتويناه يهدد بقاءنا كأمة".
ينتقد بيوكانن هذا التحليل قائلاً: "كيف يتعرض بقاؤنا كأمة للتهديد، بينما لم يمت أميركي واحد في هجوم إرهابي على الأرض الأميركية منذ 11/9؟". يقول بيرل "إن هناك تياراً إسلامياً متشدداً يسعى لإطاحة حضارتنا، وتحويل أمم الغرب إلى مجتمعات إسلامية، فارضاً على العالم كله دينه وقوانينه". ويسخر بيوكانن من هذا القول متسائلاً: "أية أعمال لصبيان تورا بورا تلك التي ستقود إلى إطاحة حضارتنا، وتجبرنا على الصلاة خمس مرات في اليوم نحو مكة؟".
انتقاد مبالغات بيرل وفروم لا يعني في نظر بيوكانن التقليل من خطورة التهديد بشن أعمال هجومية على خطوط الطيران ومراكز التسوق، وأعمال أكثر خطورة كتهريب قنابل "قذرة" في شاحنات نقل الأمتعة، لكن حتى هذه الأعمال - كما يقول بيوكانن - لن "تطيح حضارتنا". لقد كانت ألمانيا واليابان تفقدان 3000 مواطن كل يوم في السنتين الأخيرتين من الحرب العالمية الثانية، مع تسوية كل مدينة بالأرض، وتدمير مدينتين بالقنبلة النووية، وكلا البلدين عاد للظهور بعد عقد من الزمن.
ما هي القدرة التي تملكها "القاعدة" وتؤهلها لإحداث تدمير هائل؟ ثم هل يمثل الإسلام "المتشدد" تهديداً حقيقياً؟ لا يرى بيوكانن ذلك. حتى لو استطاع إسلاميون الوصول إلى السلطة في عدد من البلدان العربية والإسلامية، فلا شيء في رأيه يدعو إلى القلق. كل الدول العربية لا تملك الناتج القومي الإجمالي لإسبانيا، وصادراتها - إذا استثني النفط - تعادل صادرات فنلندا. لا توجد دولة عربية واحدة تستطيع الوقوف أمام إسرائيل، فما بالك بالولايات المتحدة؟
يضيف بيوكانن: "التهديد الإسلامي ليس استراتيجياً، بل ديموغرافي. إذا جاء الموت للغرب فسيكون السبب أننا اعتنقنا ثقافة الموت: تنظيم الحمل، الإجهاض، قطع الإنجاب، والقتل الرحيم".
يقول مؤلفا الكتاب: "يظل الإرهاب الشر العظيم في زماننا، وتظل الحرب عليه قضية جيلنا الكبرى. نحن لا نؤمن بأن الأميركيين يحاربون هذا الشر ليضعفوه، أو ليروضوه، بل لينتصروا عليه وينهوا هذا الشر قبل أن يقتل مرة أخرى على نطاق إبادي. لا توجد طريق وسط أمام الأميركيين: إما النصر، وإما المحرقة. لكن، لا توجد أمة تستطيع القضاء على الشر". يقول بيوكانن: "لقد وجد الشر منذ ثار قابيل على أخيه هابيل وقتله. النزعة إلى الشر موجودة في قلب كل آدمي. وإذا كان الله قبل وجود الشر، فكيف يقترح فروم وبيرل إنهاءه؟". كما لا توجد أمة تستطيع كسب الحرب على الإرهاب.
لكن ماذا في وسع أميركا أن تفعل للانتصار في حربها على "الإرهاب"؟
يجيب المؤلفان: "يجب أن نطارد الأفراد الإرهابيين قبل أن يقتلوا شعبنا أو آخرين... يجب أن نردع كل الأنظمة التي تستخدم الإرهاب سلاحاً للدولة ضد أي أحد، أميركي أو غير أميركي". مدهش! يعلق بيوكانن. أميركا إذاً مسؤولة عن الدفاع عن كل شخص، في كل مكان، وعن ردع كل الأنظمة التي قد تستخدم الإرهاب ضد أي شخص، وفي أي مكان على الأرض، لكن هناك 192 دولة. أنظمة كثيرة من ليبيريا إلى الكونغو إلى كوبا، ومن زيمبابوي إلى سورية إلى أوزبكستان، ومن إيران إلى السودانكلها أنظمة استخدمت التعذيب والإرهاب لمعاقبة خصومها. هل سنقاتلها جميعاً؟ كلا، فقائمة الأهداف التي تحتاج إلى الهجوم الآن كما رسمها المؤلفان، أعدت كما يبدو في وزارة الدفاع الإسرائيلية باستثناء كوريا الشمالية.
يقول بيرل وفروم: "الحرب على الإرهاب لم تنته بعد، لقد بدأت للتو، القاعدة وحزب الله وحماس لا تزال تأتمر للقتل".
حسناً، فهمنا أن القاعدة مسؤولة عن مهاجمة الولايات المتحدة، لكن ماذا فعلت حماس؟ يتساءل بيوكانن: متى هاجمتنا حماس؟ وإذا كانت إسرائيل قادرة على التعايش والتفاوض مع حزب الله، فلماذا يكون واجب أميركا أن تدمر حزب الله؟
يدعو الكاتبان إلى مهاجمة سورية والسعودية وليبيا وإيران بحجة دعمها للإرهاب، ويؤكدان: لا يوجد لدينا مزيد من الوقت، لكنهما يخصان سورية بنصيب الأسد مستنكرَين ما يصفانه ب"الصبر" عليها ومطالبَين بقطع النفط عنها، وتوجيه إنذار للرئيس بشار الأسد: أخرج قواتك من لبنان، سلِّم الإرهابيين المشتبه بهم، أوقف دعم حزب الله، أوقف التحريض ضد إسرائيل، واتخذ توجهاً غربياً أو ستلاقي أنت أيضاً ما لاقى صدام، لكن ماذا فعلت سورية لنا؟ يتساءل بيوكانن. وإذا رفض الأسد الإنذار، فهل سنقصف دمشق؟ هل نغزو؟ من أين لنا بالقوات؟ وماذا لو لجأ السوريون أيضاً إلى حرب العصابات؟ يقول المؤلفان: لا يوجد لدينا مزيد من الوقت.
حسناً، ماذا صنع لنا نظام الأسد حتى نهاجمه في هذه اللحظة؟ هل هو أيضاً يشتري الكعكة الصفراء من النيجر؟ إشارة إلى اتهام الرئيس بوش العراق في خطبة حال الاتحاد عام 2003 بأنه اشترى يورانيوم الكعكة الصفراء من النيجر، واتضح بعد ذلك كذب هذا الزعم، واضطر البيت الأبيض للاعتذار.
يطالب الكاتبان بإلزام السعودية "أقصى تعاون في الحرب على الإرهاب". وعلى رغم أن بيوكانن يرى أن المسؤولين السعوديين كانوا "حلفاء على استحياء" في الحرب على "الإرهاب"، إلا أنهم في نظره ليسوا أعداء أميركا. ويتساءل: "إذا سقطت الملكية السعودية وجاء مكانها مساعدو بن لادن، فكيف سيجعلنا ذلك أكثر أماناً في بلادنا؟ أما الرئيس الليبي معمر القذافي، فهو يدفع الآن بلايين الدولارات تعويضاً عن طائرة "بان آم"، وينزع أسلحته ذات التدمير الشامل، ويدعو المفتشين الأميركيين للتأكد من نزع أسلحته، فلماذا حتّم علينا إطاحته؟
ينتقد بيوكانن في شدة ولاء المؤلفين، ومن ورائهما تيار المحافظين الجدد، لإسرائيل، وعدم اكتراثهم بالمصالح الأميركية، ويعتبر أن الهوى الصهيوني لهذا التيار يضر بصدقية الولايات المتحدة وسمعتها. يقول: "إذا كانت أميركا هي التي ندافع عنها، فإن كتاب "نهاية شر" يصبح بلا معنى. إن وصفة بيرل - فروم لحرب أبدية تصبح فقط ذات معنى إذا كانت مهمة القوات المسلحة للولايات المتحدة أن تجعل الشرق الأوسط آمناً لشارون. وهذا هو جوهر الخلاف بيننا".
يطالب بيوكانن باستخدام سياسة الجزرة بدل العصا مع الدول العربية، قائلاً إن بوش استطاع كسب بشار الأسد في مطاردة القاعدة، تماماً كما فعل أبوه مع الأسد الأب الذي أسهم في طرد العراق من الكويت، ويضيف: "دعونا نجعل سورية حليفاً لا عدواً آخر للولايات المتحدة، لكن المشكلة - في نظر بيوكانن - أن المحافظين الجدد لا يريدون تقليل قائمة الأعداء، وقصر الحرب الأميركية على أولئك الذين هاجموا أميركا. إنهم يريدون توسيع قائمة أعدائنا لتشمل أعداء إسرائيل".
يقول: "من أجل تحقيق النصر على القاعدة، ومن أجل أمن بلادنا، وسلامة شعبنا، وخدمة مصالحنا الواسعة في العالم العربي والإسلامي الذي يضم 57 دولة ممتدة من المغرب إلى ماليزيا، فإن من المهم جداً ألاّ ندع المحافظين الجدد يدمجون حربنا على الإرهاب بحربهم من أجل الهيمنة".
الخطورة تكمن في أن المحافظين الجدد لا يحملون مشروعاً لحل الصراع العربي - الإسرائيلي، فما لديهم هو مشروع تصفية لا تسوية. يشير بيوكانن إلى هؤلاء المحافظين بأصابع الاتهام، قائلاً إنهم "يؤمنون بأن السلطة الفلسطينية يجب أن تسحق، وأن عرفات يجب التخلص منه، وأن مرتفعات الجولان والضفة الغربية والقدس الشرقية يجب أن تبقى في يد إسرائيل إلى الأبد. إنهم يريدون لحزب الله أن يستأصل، ولسورية أن تمسخ. لندعهم يؤمنون بذلك. لكن أجندتهم ليست أجندة أميركا ومعركتهم ليست معركة أميركا".
يؤكد بيوكانن أنه لا توجد مصلحة حقيقية للولايات المتحدة في هوية العلم الذي سيرفرف فوق الجولان أو القدس الشرقية، ويحذر الأميركيين قائلاً: "إذا سمحنا للمحافظين الجدد بتحويل حربنا على القاعدة إلى حرب إسرائيل من أجل فلسطين، فسوف لن تنتهي حربنا أبداً. وهذه هي الأجندة الخفية للمحافظين الجدد: حرب دائمة من أجل قوة دائمة لهم".
هذه هي الأجندة التي وصفها فروم وبيرل بأنها قضية جيلنا الكبرى، من هؤلاء الرجال؟ يتساءل بيوكانن. من هؤلاء الذين يريدون "إقحام بلادنا في مسلسل حروب وقائية وعقابية عبر قوس الأزمات من ليبيا إلى كوريا؟
يكرر بيوكانن نقده العنيف للسياسة الأميركية التقليدية التي تدعم إسرائيل بالمطلق والتي ترسخت وتطورت في شكل لم يسبق له مثيل في عهد المحافظين الجدد، ويؤكد مراراً أن هذه السياسة ليست ضارة بالمصالح الأميركية فحسب، بل إنها أيضاً غير أخلاقية، وتظهر أميركا منافقة في أعين العالم. يشير بيوكانن إلى أن العلاقات الحميمة مع إسرائيل يجب ألا تعطي الشارونيين الحق المطلق الوقائي في استيطان الأرض العربية والاستيلاء عليها، أو حرمان الشعوب العربية في شكل دائم من الحقوق التي نعظ بها العالم، من أجل مصالحنا القومية. يجب أن نقول ذلك بوضوح.
يطالب بيوكانن بإعادة النظر في العلاقة الخاصة التي تربط الولايات المتحدة وإسرائيل، ويبرر ذلك بالقول: "هذا وقت للحقيقة. مع غياب الوجود العسكري الجبار للإمبراطورية السوفياتية المعادية في المغرب والشرق الأوسط، فإن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وإسرائيل لم تعد تتوافق. ومع الصور الليلية للفلسطينيين وهم يعانون على شاشة الجزيرة، فإن هذه المصالح بدأت تتصادم، هذه الصور طبعاً تشترك في إنتاجها إسرائيل والولايات المتحدة معاً، وهو ما يدمر سمعة أميركا في شكل لا ينفع في إصلاحه شراء كتاب رأي، ولا تمويل قنوات فضائية".
ويضيف: "إن مكانتنا كمسلحين وحلفاء لإسرائيل لا تصنع لنا سوى الضرر، في الوقت الذي يعربد شارون في الضفة الغربية وغزة، ويعزل الأرض العربية بالجدار، ويحرم الفلسطينيين حق تقرير المصير الذي نؤمن به نحن الأميركيين. إن شارون يحولنا إلى منافقين، ونحن جبناء لسماحنا له بذلك".
مرة أخرى يؤكد بيوكانن أن جوهر الخلاف مع المحافظين الجدد هو إسرائيل، وهو ليس الأميركي الوحيد الذي ضاق ذرعاً بمصادرة الرأي الأميركي المستقل، وضياع الإرادة الوطنية المنبثقة من المصالح الأميركية، وإنفاق المليارات من أموال الضرائب لتخليد الاحتلال الإسرائيلي، وتسخير السياسة الخارجية للولايات المتحدة لخدمة إسرائيل على مستوى الكون.
يصف بيوكانن المحافظين الجدد بأنهم صهاينة بالتطبع، فهم لا يستطيعون تصور سياسة خارجية جيدة لأميركا بلا تضامن مطلق مع إسرائيل، ويؤمنون بمعادلة مؤداها أن أي شيء جيد لإسرائيل، لا يمكن أن يكون سيئاً لأميركا.
يسعى هؤلاء المحافظون الجدد أيضاً إلى نفي الصلة بين السياسة الأميركية المعادية للحقوق العربية وبين ما يعرف بالتطرف الإسلامي. ويؤكد فروم وبيرل ذلك بقولهما: "النزاع العربي - الإسرائيلي ليس سبباً للتطرف الإسلامي".
ينبثق من هذا أن معاداة الولايات المتحدة صادرة عن سلوك غير سوي وغير عقلاني أو حقد متأصل غير مفهوم. يصف بيوكانن هذا الادعاء بأنه تجاهل لحقيقة ساطعة، ويضيف: "إن كل صحافي وديبلوماسي عائد، وكل استطلاع رأي يقول إن دعم أميركا غير المصحوب بالنقد للقمع الإسرائيلي للفلسطينيين هو الذي يجعلنا مكروهين في المنطقة، كيف يستطيع رجال أمناء أن يكتبوا هذا؟ هل أعموا أنفسهم عن الحقيقة لأنها جد مؤلمة؟".
حقيقة الأمر أن المحافظين الجدد سائرون في طريقهم غير عابئين بما يقول بيوكانن ولا غيره من الذين يؤلمهم الدرك الأخلاقي والسياسي الذي تتردى فيه الولايات المتحدة، وهي تحتقر مجتمعات بأكملها، وتكيل لها الإهانات، وتتجاهل معاناتها، وتتنكر لحقوقها. يقول ميشيل هدسن، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورجتاون الأميركية: "إن صناع القرار من المحافظين الجدد "يفترضون أن المجتمعات العربية بالذات لا تملك تاريخاً، ولا طموحات، ولا قيماً ذات أدنى أهمية، دولها واقتصاداتها فاشلة، شعوبها مثل الخراف يمكن الرعاة الخادمين لذواتهم التلاعب بها، وسريعة التأثر بإسلام تعرض للتحريف".
ويضيف هدسن: "أحياناً يسمع المرء بعض العلماء أو صناع القرار يقولون إنه تم اختطاف الإسلام، وإن واجبنا إنقاذه إنترناشونال هيرالد تريبيون 7 نيسان/ أبريل 2004. ولأن العرب أنصاف بشر subhuman أو أدنى من ذلك، فإن الولايات المتحدة تقدم الدعم المطلق للعنف الإسرائيلي ضدهم، على رغم أنف العالم كله. لقد قام شارون أخيراً باغتيال الشيخ أحمد ياسين، فأيد الرئيس بوش العملية عندما قرنها بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وقد أثارت العملية الإرهابية تنديداً دولياً لم تعره الإدارة الأميركية اهتماماً، بل استخدمت النقض ضد مشروع قرار لمجلس الأمن يدين الجريمة". وكتب صحافي أميركي هو وليام كوك هذه الكلمات مندداً بالموقف الأميركي. أين تنديد مجلس شيوخ الولايات المتحدة إنابة عن شعبها بهذا العمل الشنيع لحكومة ندعمها بمقدار 10 بلايين دولار في السنة؟ لماذا ننكمش مرتعدين أمام تبجح شارون وهو يطلق صواريخنا البالغة قيمتها 300.000 دولار من طائرتنا إف 16 لتقتل رجلاً عاجزاً وأبرياء أصبحوا ضحايا لانتقامه العنيف؟ لماذا لا يتحدث قادتنا عن أكثر الأسباب وضوحاً وتوهجاً لاستهداف أميركا من الإرهابيين: الاستخدام العدواني لقوة ضخمة من دولة إسرائيل... ضد شعب أعزل؟".
يضيف كوك: "كل العالم أعلن رفضه لسياسات إسرائيل العسكرية العدوانية، كل العالم أعلن أن إسرائيل هي السبب الرئيس للإرهاب في العالم، كل العالم تظاهر ضد حجز هؤلاء الناس خلف "جدار الخوف" الشاروني. لكن هذه الأمة تقف جانباً متمتمة بأقوال فارغة معسولة حول حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"... ثم يصل كوك إلى النتيجة التي ينكرها بيرل وفروم ويؤيدها بيوكانن، حول جذور العداء للسياسة الأميركية، فيقول: "إذا كان شارون قام بهذا العمل فطارد رجلاً على مقعد متحرك، وقذفه بصواريخ ذات قدرة تدميرية هائلة... وهو يعلم أنه بهذا العمل يبذر بذور الكراهية المتعصبة في مجتمع من المحرومين والعاطلين، فإني أرى أن شارون عدو أميركا لا صديقها موقع كاونتر بنش 27 - 28 آذار/ مارس 2004".
لا شك في أن السياسة الأميركية جعلت العربي العادي لا يفرق بين إسرائيل والولايات المتحدة، كلاهما في نظره عدو لآمال العرب في التحرر والتنمية والاستقلال. ولهذا، فإن أي حديث أميركي رومانسي عن الديموقراطية والإصلاح لن يهضمه الإنسان العربي الذي يدرك منطلقاته ومآلاته. إسرائيل هي الأجندة الأميركية الوحيدة على مستوى الكون، وليس في المنطقة العربية وحدها، لا سيما في زمن المحافظين الجدد المتيمين بالصهيونية، وهذا ما يجعل مشاريع الإصلاح والدمقرطة والشرق الأوسط الكبير مشاريع صهيونية في الأساس، بلا صدقية ولا عوامل نجاح.
* كاتب سعودي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.