تمثل الأميرة نوف بنت فهد بن خالد، زوجة الأمير تركي الفيصل سفير المملكة العربية السعودية لدى بريطانيا وإيرلندا، المرأة السعودية المحصنة بالدين والاخلاق والقيم وبالرغبة في وضع حقيقة الدور الفاعل للمرأة السعودية ومشاركتها الرجل بصمت وتركيز في بناء المملكة بعيداً عن مساوىء الصور المشوهة التي تبث عمداً في دول الغرب ومجتمعاته لهذا الدور. وتؤمن الأميرة نوف بتواصل عطاء المرأة السعودية على امتداد تاريخ المملكة خصوصاً عندما تستعرض مجالات عمل وعطاء هذه المرأة في كل الميادين. ومنذ اليوم الأول لإنتقالها مع الأسرة الى موقع عمل زوجها الأمير تركي بادرت الأميرة نوف الى التحرك على صعيد الجالية السعودية والجاليات العربية ونساء الديبلوماسيين العرب والغربيين، لكسر الحواجز التي حالت دون قيام الحوار الهادىء المجدي بين الجميع ولتجنيد الطاقات للمساعدة في حل المشكلات، ولتسليط الضوء على الصور المغلوطة عن المملكة لتصحيحها والاطلالة على العالم بالوجه النقي للمرأة واقعاً ودوراً وتفكيراً وعلماً. ومن هنا توجه اهتمام الأميرة نوف نحو السعي الى تأسيس منتدى للحوار واللقاء بين النساء العربيات الى جانب علاقات الاتصال والتعارف بين ابناء الجالية، وبينهم أيضاً وبين سفارة بلادهم، والاهتمام بأكاديمية الملك فهد في لندن والعمل على تطوير برامجها حتى تصبح موازية لبرامج التعليم المتطورة، وتوجيه الدعوة الى وفود من النساء السعوديات المجليات في مجالات عطائهن لزيارة بريطانيا ونقل صورة عن المرأة السعودية الى العالم. عندما زرتها للمرة الأولى لمست منذ اللحظة الأولى مدى ما تمثله شخصيتها كسيدة عربية من دفء عائلي ورحابة لا تجود بها إلا الكريمات، وسعة أفق ودراية، ورجاحة عقل وصفاء نفس قل ان تجتمع كصفات في امرأة واحدة، الى جانب إيمان لا يتزعزع بقدرات المرأة، وبحماسها واستعدادها للتضحية في سبيل تحقيق ما تهدف اليه من خير وتقديم المساعدة لمن حولها وللناس جميعاً. وقد ازددت اعجاباً بمزاياها وشخصيتها وإنسانيتها عندما تكررت زياراتي لها في لندن ذلك انني كنت اكتشف في كل زيارة حيزاً أكبر من الرحابة وفائدة أشمل من المعرفة التي كانت تجود بها على امتداد احاديثنا. وفي ما يأتي نص الحديث: كيف تعاملت مع الحياة في بريطانيا إثر انتقالكم اليها؟ - أستطيع القول انني في بداية حياتي هنا كنت حريصة على إكتشاف جوانب هذه الحياة، ذلك انني أتيت من أجواء عمل هادىء ومتكتم إنعكس فيه دور زوجي كرئيس لجهاز الإستخبارات على طريقة تعاملنا مع يومياتنا، إلى أجواء حياة منفتحة تتطلب على الصعيد الاجتماعي طرق تعايش أخرى محكومة بمبادىء العمل الديبلوماسي وبرغبة مني في أن أتعايش مع قضايا وهموم ومتطلبات أبناء بلدي وأبناء محيطنا العربي الذين يعيشون في بريطانيا. لا يمكن للمرء ان يجلس في مقعده ويكتفي بالفرجة على الآخرين خصوصاً في ظل الظروف الراهنة التي تتطلب من كل فرد منا كل ما يستطيع ان يعطيه من جهد لتسهيل الحياة وردع الذين يريدون ان ينالوا من مجتمعاتنا وثقافتنا، وكنت حريصة أيضاً على ان أعطي الآخرين هنا صورة حقيقية مشرفة عن قدرة المرأة السعودية على الاسهام في البناء وامكاناتها في القيام بواجباتها لصالح الوطن. أين كان موقع الأمير تركي زوجك من هذه التجربة؟ - دوره كان أساسياً في ما حققته حتى الآن إذ انه أخذ بيدي ليعرفني على الناس، ووقف الى جانبي وأنا أطل على محيطي الجديد، وهو لم يبخل يوماً في عطائه ودعمه لي وهو دعم يمكّنني بالتأكيد من النجاح في ما أنا مقدمة عليه من أعمال. هلا حدثتنا عن نشأتك وعن محيط أسرتك، وهل شعرت يوماً أن الوالدين كانا يفرقان بين البنت والصبي في التربية؟ - لم أشعر يوماً لا أنا ولا أخواتي بأن هناك تفرقة في تعامل الوالدين معنا ومع اخوي الشابين، كانت كل الحقوق مصانة لنا بالتساوي كما كانت كل الواجبات مطلوبة منا بالتساوي. هل يمكن ان نضيء أكثر على دور والدتك الأميرة منيرة بنت محمد بن عبدالعزيز بن تركي التي تشرفت بزيارتها والتعرف اليها عن قرب؟ - دور والدتي في تربيتنا كان مهماً للغاية طبعاً، وتربيتها لنا كانت وما زالت قائمة على العقل والمحبة والتفهم والانفتاح من دون أي تعقيدات او عراقيل مع الاستناد طبعاً في كل مسيرتنا الحياتية معها الى المبادىء والقيم الاسلامية والتربية الصحيحة. بعد مرور سنة على إنتقالكم الى لندن، ما هي الأفكار التي تراودك على صعيد إهتماماتك الإجتماعية والثقافية؟ - لا اخفيك انني فكرت منذ ان قدمت الى لندن بدراسة إمكانية تأسيس منتدى يعنى بشؤون المرأة الخليجية والعربية، وبادرت الى التشاور بالفكرة التي كنت قد صغت هيكلاً عاماً لها وحددت اهدافها، مع زوجات سفراء دول مجلس التعاون الخليجي في بريطانيا، وما زلنا نتشاور في هذه الفكرة تمهيداً لإتخاذ القرار المناسب. هل يمكن ان نعرف شيئاً عن اهداف هذا المنتدى؟ - الواقع انني لا اعرف بعد ما إذا كان سيكتب لهذا المشروع ان يرى النور، لأنه ما زال موضع درس وتشاور وأتلقى ردوداً ومقترحات من الصديقات اللواتي سبق ان ارسلت اليهن اقتراحاتي بشأن هذا المنتدى. علمت انك تولين اهتماماً كبيراً بالجالية السعودية وبالوفود السعودية التي تزور بريطانيا، فهل يمكن ان تحدثينا عن هذا الجانب؟ - لدينا عدد كبير هنا من ابناء المملكة بين طلبة وطالبات وأسر مقيمة، كما ان لدول الخليج جالياتها ايضاً، وأنا مؤمنة بأهمية التواصل وتبادل التعارف والمعرفة بين الجميع، من الضروري ان لا ينسى الذين غادروا بلادنا سعياً وراء العلم أو العمل جذورهم وأصولهم وأهلهم الذين يعيشون في الوطن الام، وقد اكتشفت على سبيل المثال ان هناك اعداداً كبيرة من ابنائنا لم تتصل يوماً بسفارة المملكة، وكأن هناك حاجزاً يحول بينهم وبين هذا التواصل، وأنا أحاول ان اكسر هذا الحاجز، لأن السفارة بيتهم وقطعة من أرض بلدهم، ولتحقيق هدفي هذا عكفت على اعداد برنامج إتصال للقاء ابنائنا عن طريق سفارتنا لتحقيق الاتصال الدائم معهم وبالتالي التعاون في كل المجالات، هذا الى جانب العمل لتأسيس مكتب نسائي في السفارة يكون مجالاً للقاء والحوار وتبادل الآراء في كل ما يعنينا من امور. ما هي إنطباعاتك عن أكاديمية الملك فهد، بعد ان قمت بزيارتها؟ - لقد إطلعت على أوضاع الأكاديمية وبرامج الدراسة فيها، ورأيي بعد التشاور مع الطالبات أنه لا بد من وضع برنامج دراسي متطور يصلح لأن يعتمد من قبل بقية الكليات في أوروبا وأميركا من حيث ملاءمته لواقع العصر وتطور التعليم واعداد الطالب للانتقال الى الدراسة الجامعية مزوداً بلغة انكليزية متينة وبمقدرة على استيعاب برامج الدراسة الجامعية المتطورة. كيف تنظرين الى علاقاتك بزوجات السفراء العرب والاجانب في بريطانيا؟ - علاقتنا ببعضنا البعض جيدة ووطيدة، وما ينقصنا هو وجود رابطة او جمعية تشكل ملتقى لنا جميعاً، حتى يكون إحتكاكنا معاً خطوة نحو ترسيخ قواعد العمل الجماعي والابتعاد عن الفردية او الانطواء ولذلك اقترحت مشروع المنتدى الذي اشرت اليه سابقاً، وأرى فيه خطوة ضرورية توفر لنا فرصة الحوار والتعارف، لا مع زوجات السفراء العرب وسيدات الجاليات العربية، وإنما مع زوجات السفراء والديبلوماسيين الاجانب والمجتمع البريطاني بشكل عام ايضاً عن طريق دعوتهن الى اللقاءات التي نقيمها بعد ان يتم انشاؤه. أما بالنسبة إلى علاقتي مع زوجات السفراء الاجانب فقد حققت لي فرصاً عدة في الدعوات الاجتماعية المتبادلة لشرح حقيقة الاوضاع في بلادنا وتصحيح الصورة المشوهة من قبل المغرضين عن هذه الاوضاع. ونحاول على قدر طاقتنا ان نزيل الكثير من الشوائب وان نقترب اكثر من العقل الغربي. هل تفكرين بتوجيه دعوة إلى مجموعات مختارة من السيدات السعوديات لزيارة لندن، والمشاركة في عملية التوعية هذه، وتعريف المجتمع الغربي اكثر بحقائق المرأة السعودية؟ - فعلا، لدي مثل هذا التوجه لإقامة ندوات تشارك فيها من الجانب السعودي سيدات من مختلف القطاعات لشرح واقعنا وحضارتنا وتراثنا. من الواضح انك تؤمنين بعمل المرأة، فابنتك الأميرة مشاعل سيدة أعمال وابنتك الأميرة نورة مسؤولة في كلية عفت، فهل كان سماحك والأمير تركي لهما بالنزول الى ميدان العمل خالياً من عوائق او شروط؟ - لا عوائق ولا شروط، فالأمير تركي طوال حياته الاسرية كان يشجعهما ويقف الى جانبهما كما يقف الى جانب المرأة بشكل عام، والأمير تركي عندما كان رئيساً للاستخبارات وجه بتأسيس أول مركز للبحوث المتعلقة بالمرأة وهو مركز قائم ويعمل في سبيل تحقيق هذا الهدف، ثم أن الأمير تركي يترأس مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية في مؤسسة الملك فيصل. كيف تنظرين الى التحرك النشط السائد الآن في السعودية حول تطوير مشاركة المرأة في عملية التنمية، وهل انت متفائلة بهذا التحرك؟ - من حيث المبدأ آمل كثيراً ان ينجم عن هذا التفاعل ما يفيد المرأة لكنني ادعو الى العقلانية والتقدم بصبر وتأن والابتعاد عن القفزات غير المدروسة حتى لا تصطدم الاهداف بالعراقيل قبل وصولنا اليها، وعلينا أن لا ننسى تقاليدنا الاسرية والاجتماعية كما ان علينا ان لا نتنكر لمبادئنا وتراثنا، وان نختار ما يحقق لنا التقدم بثبات وان يحول بيننا وبين التراجع او الجمود. ما رأيك في ما يقال عن وجوب إنضمام المرأة الى عضوية مجلس الشورى ودخولها المعترك السياسي؟ - رأيي ان الوقت ما زال مبكراً على نزول المرأة الى ميدان العمل السياسي، هناك انجازات اخرى قبل هذا يجب ان تتحقق، كالاهتمام باصلاح أوضاع المرأة الحياتية وتنظيم او حل مشاكل الطلاق والارث وغير ذلك. التطور حتى يكون مجدياً يجب ان يتحقق خطوة خطوة ودرجة درجة وبعمق ودراسة وإستيعاب لكل المشكلات والحلول، وهذا أجدى من التراشق بإقتراحات الاصلاح من خلال النظريات والاجتهادات الصحافية. قلتِ لي في لقاء سابق ان الاعلام العربي والغربي يسيء فهم المرأة السعودية، فهل لي بمزيد من الايضاح؟ - للأسف الشديد هناك اعلاميون عرب يشاركون في حملات التشويه التي تستهدف المرأة السعودية، مع أنهم لا عرفوا المملكة ولا قاموا بزيارتها ولا اطلعوا على حقيقة تفكير المرأة السعودية ودورها، واكتفوا بترديد ما يطرح في الغرب من صور مشوهة عنا، نحن لا نطلب إلا الحقيقة، والحقيقة عندنا ولله الحمد واضحة وليس لدينا ما نخفيه. هناك من يبرر هذه الحملات بتحميل المرأة السعودية مسؤولية الغموض الذي يحيط بواقعها، ويقول هؤلاء ان المرأة السعودية لا تخاطب احداً ولا تشارك في الحياة العامة ولا تقبل بالتقاط الصور لها للتعريف بها، فما هو ردك؟ - وهل باتت الصور مهمة للتعريف بمكنونات وقدرات الإنسان، وما هو إذن دور الفكر والإنسانية والعلم والخبرة والاخلاق والرغبة في المشاركة في التنمية والبناء؟ ماذا عن قيادة المرأة للسيارة في السعودية، وهي في نظر الغربيين مؤشر على مدى التحضر والمدنية؟ - انا لست ضد قيادة المرأة للسيارة، ولكن هناك أسساً إجتماعية لا يمكن تجاهلها، فكثير من الأسر السعودية لا تقبل بأن تنزل الفتاة الى الشارع وتقود سيارتها بمفردها او حتى مع رفيقاتها، ومن هنا فإن هذا الامر يحتاج الى صبر وروية ودخول في إطار حركة التطور على اساس الخطوة خطوة. ثم ان هناك اموراً الآن أكثر اهمية من قضية قيادة المرأة للسيارة، ويمكن لهذه القضية ان تتحقق على مراحل ليتقبلها المجتمع، عندما فتحت المدارس لتعليم البنات وقف كثير من الاسر ضدها ثم بدأت التحفظات تزول حتى باتت الاسر اليوم تلح في المطالبة بتأسيس مزيد من المدارس والجامعات لبناتها. أعود وأقول ان العتب كبير على بعض الاعلام العربي الذي يكتب ما هو خاطىء عن بلادنا من دون ان يكلف نفسه عناء البحث والتدقيق والسؤال، ولا عذر لهذا الاعلام لأنه من المفروض ان يكون إعلاماً منصفاً وعادلاً وموضوعياً لا مشابهاً للاعلام الغربي الذي نعرف مقاصده وأغلاطه. نحن لا نطلب سوى الحق، كلمة الحق، ولا ندعي اننا بلد دون اخطاء فما من احد معصوم عن الخطأ، ولكننا صادقون في سعينا الى توسيع حجم الانجاز وتضييق مساحة الخطأ. اعداد بارعة علم الدين