من المؤكد ان الجسم العربي يعاني مرضاً مزمناً يصعب علاجه بالدواء المحلي، إلا بقدرة قادر. وكم حاول جلّ المسؤولين العرب الذين تعاقبوا على مقاليد الحكم في البلاد العربية، وما أكثرهم، لكن من دون جدوى، لأن الفيروس الذي أصاب الجسم العربي تعوّد على المضادات الحيوية المحلية العربية، وأصبحت بينهما صلة رحم ودم، لذلك تأخر الشفاء، وتأخر كثيراً. لكن الغرب، وخصوصاً أميركا بخبثها ودهائها، شخصت الداء العربي، لكنها رفضت أن تعالجه من دون ثمن باهظ، وحاولت منذ عقود اعطاء العرب مسكنات، أو بالأحرى مخدرات، لإراحة أعصابهم لمدة سنة قابلة للتجديد لمن هو راغب في ذلك. وعادة ما يكون الدواء غصباً عنهم، وعن أهلهم، في انتظار عقد قمة عربية يبدأ مفعوله يتلاشى شيئاً فشيئاً الى حين اجتماع الحكام العرب المقبل. وتفشل قممهم، أوتوماتيكياً، واحدة تلو الأخرى. ولاحظوا الآن، عندما تعطس الطيور في تايلندا يصاب جسم العرب بالزكام والحمى. وعندما تكح أميركا نلازم الفراش. ولا أذيع سراً إن قلت لا بدّ من تشخيص الداء داخلياً، كما اتفق عليه كل الحكام العرب، لكن لا بد من معالجته جدياً، وإن لزم الأمر استئصاله. لذلك يجب أخذ القرار، في لحظة القرار، حتى نقطع مع الماضي البائس من دون رجعة، ونقرر اما نعيش أو نموت غير مأسوف علينا. ويقيني أن آلة الحساب مقبلة، لا محالة في الدنيا قبل الآخرة. ان تأجيل القمة العربية ليس نهاية الدنيا، وليس نهاية الأمة العربية. واسألوا رومانو برودي، رئيس المفوضية الأوروبية. لكن لحكامنا رأياً آخر. وهذه الأفكار راجعة الى عصر جدة أبي، رحمهما الله. خطاب خشبي لا معنى له سوى ربح مزيد من الوقت وجُبن في التطبيق. وكل مسؤول يحسب نفسه "الريس". ماذا فعل "الرياس" لفلسطين وللعراق؟ ليعلم الجميع ان جامعة الدول العربية هي لكل الدول، الكبيرة والصغيرة سواسية كأسنان المشط. وما الفائدة من كبر الحجم، والرأي معدوم؟ ان قمة تونس المؤجلة ليست استثناء، وليست بدعة. لكن الطريقة الصارمة والحازمة من رئاسة القمة هي التي صدمت كثيرين. وما أحوجنا الى مثل هذه الصدمات في هذا الوقت حتى نستفيق من غيبوبتنا. وهل هو جرم ان اراد رئيس دولة ما توفير أسباب النجاح لقمة عربية يترأسها، ويحتضنها على أرض بلاده؟ غريب هذا الزمن! أين الخلل؟ هل هو في الصورة أم في المرآة؟ أكيد ان المرآة في حالة جيدة، والخلل هو في الصورة. ولا بد من تغييرها اليوم وليس غداً. لماذا لا يغير العرب ما بأنفسهم حتى لا يغير الخارج بهم، وغصباً عنهم؟ والرئيس بن علي أحس قبل غيره ان التاريخ لن يجامل، ولن يراهن أحداً. والرئيس التونسي بشر يخطئ ويصيب، ويجامل بما فيه الكفاية حفاظاً على وحدة الصف العربي. ولكنه راجع نفسه، وأراد أن يقطع مع الماضي لعله يقطف بعض الثمار في ما بقي من الوقت في هذا الزمن الذي لا يرحم. والمثل الصيني يقول: "من استهان بالوقت لعنه الزمن". والتاريخ يعيد نفسه. وقبل أربعين سنة نادى الزعيم الراحل، الحبيب بورقيبة، في أريحا، بقبول قرار التقسيم، عملاً بمقولة "خُذْ وطالب". لكن العرب، كالعادة، هاجوا وماجوا، ونعتوه بالخيانة والعتاهة. ولكن التاريخ كذّبهم، وثبت انه السليم، وهم ينتحبون على ما قاله. والآن نرى أن بن علي فهم الدرس. وعلى الطريقة التونسية المعتادة، أخذ القرار في لحظة القرار. وهو يعرف جيداً ان القرار مرّ، لكن لا بد من أخذه قبل فوات الأوان خوفاً من أن نلعق السمّ مرة أخرى، ومن دون عسل. ونحن على العهد أشقاء، أبينا أم رضينا، تربطنا صلة الرحم والدم. الرياض - عزوز عبدالهادي تونسي مقيم