في مواسم القتل، لا فارق أن تسقط الضحية بالرصاص أو القنابل، أو السيارات المفخخة، أو صواريخ الطائرات. تلك حال العراقيينوالفلسطينيين، وغيرهم من الأشقاء في المنطقة مهددون بحبل النار الذي يتطاول، لأن أعناق الجميع على مقصلتين: احداهما بشعة لأنها تتلطى بمقاومة الأميركيين فإذا بها تحصد الأبرياء، والثانية أكثر بشاعة لأنها تتلطى بشعارات بوش ووعوده بسحق الارهابيين، فإذا به لا يقطف سوى رؤوس الأبرياء أيضاً. وما الذي يهم القتيل في العراق، اذا سقط بعبوة مشبوهة في النجف أو كربلاء أو كركوك أو بغداد، أو كان جلاده ذاك الأميركي الذي كلما غرق في وحول البلد تحت سقف الاحتلال، كلما ابتدع وسائل للقتل. أما مسلسل الفضائح الذي لا ينتهي، فجديده اعتراف قائد سلاح الجو الأميركي بقصف الفلوجة بعشرات من القنابل الثقيلة التي يقترب وزن كل منها من الطن. في اليوم ذاته تستنفر مشاهد المجازر في البصرة مشاعر الرأفة لدى البيت الأبيض!... أي فارق بين الجلادين؟ ربما بات أهالي الفلوجة يحسدون الأفغان، فهناك كان"التحالف"الآخر أكثر رحمة، لكن مستشار الأممالمتحدة الأخضر الابراهيمي نجح في كل الأحوال حيث فشل صدام حسين في الربط بين قضيتي العراقوفلسطين. كل ما تغيّر أن"الأزمتين"باتتا مأساتين، والقتل واحد بيد الاسرائيلي أو الأميركي: الأول بذريعة استئصال"الارهاب"، وتشجيع الفلسطيني على الاصلاح... بذبحه، والثاني ينافسه انما على رؤوس العراقيين، تحت أعلام السيادة العائدة. بديهي أن المقاوم في الفلوجة، أو من ينتظر في النجف جحافل"المارينز"وقنابلهم القذرة، لا يقاتل دفاعاً عن فلسطين، لكن الصور تتكرر... ومثلما لم يدع الأميركي فرصة للكذب وخداع العالم إلا واستغلها، ها هو ينتهي في وحل العراق ضحية لتضليله. وعلى رغم كل ما يحصل من خراب ودمار وسفك دماء، ما زال بوش راكباً رؤوس الغطرسة، من أمثال دونالد رامسفيلد وبول ولفوفيتز، رافضاً رؤية ما هو أسوأ من فيتنام: مقابر جماعية في الفلوجة، ورائحة موت مع نعوش لعسكريين أميركيين تنقل بالجملة الى بلد المحتل. بعد كل ذلك، هل تثير أي دهشة مشاهد الفرح لجنود"التحالف"العائدين من جحيم العراق؟... أو السرعة القياسية لتحول هذا"التحالف"كسيحاً، بعد بضع مواجهات مع بعض عشرات من"المقاتلين الأجانب"ومن سموهم"ارهابيين"؟! هناك من يدهشه صمت الحاكم المدني السفير بول بريمر الذي بات شاهداً على الجنازات اليومية، وكاد أن يشيّع مجلس الحكم. وإذا قيل ان الكلمة الآن للعسكريين، لا شيء في مستنقع الدماء في العراق، يوحي بأن الآتي أفضل. مقتدى الصدر يراهن على حماقة الخصم ليجره الى قلب النجف، ولتكن مذبحة كبرى، بحثاً عن طريد. أما رامسفيلد فلن يرضيه بالطبع أن يحطم هيبة البنتاغون بضع عشرات من المقاتلين في الفلوجة، ممن نجحوا في تلطيخ صورة"المحرر"بدماء الأطفال والنساء، وقوافل النازحين فيبلادهم. الآتي أسوأ، خصوصاً لأن الأميركي لم يتعلم عبثية نهجه الخرافي الذي لا يرى اصلاحاً إلا فوق الركام. أما حليفه البريطاني فبات مملاً أكثر في تذاكيه لاحتلال الصفحة"البيضاء"في ملفات الاحتلال. وحين يعترف جاك سترو بأن القوات البريطانية باقية"سنتين أو أكثر"، أكثر الى الحد الذي يترك مجالاً للتخمين بعشر سنين أو ما فوق، لا يثير سوى الملل، لأنه كحليفه يهرب من الاجابة عن التساؤل الكبير: من يوقف مسلسل القتل بالجملة، وكيف. الأمر الوحيد الأكيد، بعدما بات نقل السلطة بلا أي مغزى لكرامة العراقيين، وقدرتهم على انقاذ مصيرهم، ان لا أحد سيهرب من مستنقعات الدم، فيما مقصلة الاحتلال تقترب من رأس الاحتلال. ... انه"العراق الجديد".