عشرة أيام على غزو العراق، أبرز عناوينها ومفاصلها عشرات الأكاذيب والفضائح… والمجازر التي يرتكبها ما يسمى "التحالف" الأميركي - البريطاني، المستعد كل يوم لاستخدام القنابل العنقودية في قصف مناطق مدنية، لا لشيء إلا ل"تحرير" أهلها! عشرات الأكاذيب والفضائح كل يوم، وهي لا يمكن أن تخدع حتى الذين يراهنون على اليوم الآخر، لعل واشنطن ولندن ترضيان وتكتفيان برأس النظام العراقي. وإن كانت حال الشعب العراقي الذي يتاجر به حتى رعاع من استراليا، أو شذاذ آفاق من جزر بالكاد أن تظهر على خريطة العالم… إن كانت حاله اليوم تعد العرب بعقود جديدة من النكبات، الأولى بهم ليس فقط الاعتراف، بشجاعة، بضعفهم وعجزهم عن وقف الحرب التي تحاصر ضمائر الملايين من البشر في العالم… الأولى بهم إعلان موت أمة، لأنها عاجزة حتى عن الاستسلام! لا أحد تخدعه القوة القاهرة الأميركية، بوصفها قدراً لا مفر منه، فيما ينشغل معظم العرب بدرس "استراتيجية" الحرب، أو بكلام تعاطف مع الضحية الكبيرة، وبكثير من الثرثرة أو جلد الذات، وكيل اللعنات… لعل وعسى… ماذا يستطيعون أكثر من ذلك؟ من فضائح القوة القاهرة، ألا تعترف بوجود شعب واحد في العراق، لأن هناك معارضة ومستفيدين من نظام الرئيس صدام حسين. هذا ما اكتشفه وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد الذي ما زال يجهل كيف سيستقبله أهل بغداد، أولئك الذين يأتي "المارينز" و"جرذان الصحراء" ليخلصوهم من القمع وكبت الصوت… ليطلقوا حناجرهم، إنما قبل ذلك: تدمير وليالي رعب وصواريخ على المنازل ومجازر بحجة مطاردة الرأس الكبيرة. أمر وحيد نسيه الوزير، وكبار عقول القيادة المركزية التي تدير الحرب من على شاشة في بلد عربي… أن الشعب العراقي، كأي شعب عربي، أو أي شعب في العالم، لا يمكن أن يكون كله على شاكلة ريتشارد بيرل، صاحب الصفقات الضائعة والسمسرة على رقاب الناس، المهووس بعقدة التسلط وبقوة النار. كان له أن يجرّب مرة أخرى اكتشاف أبجدية التاريخ، وخطوط الجغرافيا، وادراك أن ضمير الأمة، أي أمة، لم يصنعه الأميركي الذي يدّعي العدالة وحقوق الإنسان، يقود البشر إلى المقابر، ويكذب كل يوم في ادعاء تخليصهم من الشر. ولو كان منفذ العملية الاستشهادية في النجف أمس، بعثياً، هل يضحي بحياته لانقاذ حزب وحكم، أم وطن؟ الأميركيون ومعهم الانكليز، لا يعرفون الجواب، أو يعرفون ويستمرئون الخداع، إلى الحد الذي يعادل ما يتهمون صدام به. ألا تكفي فضيحة ريتشارد بيرل وصفقاته وعمولاته، لاعطاء دليل جديد على قذارة حرب، يدعي قادتها أنهم من جنس الملائكة؟ فضيحة أخرى، "صغيرة"، أن يقر زعيم "تحالف الأخيار" جورج بوش بأن هناك مقاومة شرسة في العراق تعرقل زحف القوات الغازية إلى بغداد… ولعله نسي في زحمة خطط "الحرب على صدام"، أن يرسل مع جنوده باقات الورود ليوزعوها على أهل البصرة وأم قصر، لا لشيء إلا حرصاً على "عدالة" الإعلام الذي أزعج البنتاغون والبيت الأبيض، وحطم أحلامه بالنصر السريع الكاسح. نموذج آخر أن يكذّب توني بلير، من دون أن يدري، الترويج الأميركي للقنوات "السرية" مع الجيش العراقي! هو بكل بساطة لا يدري، ولم يحفظ الدرس جيداً. وإذا كانت صفعة صغيرة لضمائر الغرب والعرب، تلك المشاهد المذلة لأهالي البصرة الخارجين من حصار بوش - بلير وجحيم حربهما السوداء، إلى صحراء "المارينز" و"الجرذان" يقدمون لهم رغيف الخبز، أي إذلال أكثر للعقل العربي من دخول الإسرائيلي إلى مسرح الحرب، "بطلاً" للمشاعر الإنسانية، تؤرقه آلام الشعب العراقي، فيعرض عليه طعاماً؟! … إذا خُيِّر هذا الشعب بين سجن كبير ومقصلة جلادٍ مخادع، يأتيه على أجنحة الطائرات، ومن قلب بلاد العرب، هل غريب أن يختار الشهادة، فلا يُجلد مجاناً لحساب الاحتلال، والمعركة مع نظام؟