لم يكن تصريح وزير الداخلية والبلديات اللبناني الياس المر الأخير حول ملف التجنيس، المرة الأولى التي يعلن فيها اقتراب موعد سحب الجنسية اللبنانية من مجنسين منحوا إياها من طريق الخطأ. لكن الجديد في إعلانه، تحديد عدد المعنيين: بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف شخص سيكونون مشمولين بإلغاء الجنسية التي أعطيت لهم بموجب مرسوم صدر في حزيران يونيو 1996 واستفاد منه أكثر من 125 ألف شخص. يضاف الى ذلك ان التصريح المذكور جاء بعد مقابلة الوزير المر البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير الذي سبق وانتقد "الطريقة العشوائية" التي اتبعت في منح الجنسية و"التي أحدثت خللاً في التوازن الطائفي" دفع بالرابطة المارونية الى التقدم من مجلس شورى الدولة بطعن رده الأخير في المضمون ووافق في الشكل على دراسة كل ملف على حدة. كما ان الجديد في إعلان الوزير المر يكمن هذه المرة أيضاً في أن اللجنة الأمنية القضائية التي كان شكلها بالتفاهم مع وزير العدل السابق سمير الجسر اقتربت من تحديد رقم أولي لعدد الذين ستنزع عنهم الجنسية. وكذلك، تزامن الاعلان مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي بعد ستة أشهر ونصف، ومع الاستعداد لاجراء الانتخابات البلدية بدءاً من الثاني من أيار مايو المقبل. وعليه، فإن مجرد مبادرة المر الى طرح مرسوم التجنس على قاعدة العزم على سحب الجنسية من الذين منحت لهم من طريق الخطأ، من شأنه، بحسب أوساط مختلفة، ان يخلق تداعيات سياسية قد تفتح الباب امام تجاذبات تتجاوز استرضاء الشارع المسيحي الذي تحفظ على المرسوم لأنه أفاد عدداً من المسلمين فاق بكثير عدد المسيحيين، الى السؤال عن المغزى من إعادة تحريك الملف في الظروف السياسية الراهنة. ويقول مراقبون ان فتح الملف سيرضي حتماً الشارع المسيحي ويمكن أن يوظف في معركة انتخابات رئاسة الجمهورية التي لم تتضح حتى الساعة معالمها نظراً لتعذر تظهير الصورة الحقيقية للاستحقاق الرئاسي لجهة حسم الخيار بين انتخاب رئيس جديد أو التجديد للرئيس الحالي اميل لحود لولاية ثانية. وفي المقابل، هناك في المعارضة المسيحية من يغمز من قناة الوزير المر، لجهة استحضاره الملف عشية اجراء الانتخابات البلدية، من أجل استخدامه كورقة ضغط على المجنسين لجرهم الى الاقتراع لمصلحة اللوائح المناوئة لها خصوصاً في المتن الشمالي، حيث يقدر عددهم بالألوف ويمكنهم ترجيح كفة هذا الفريق أو ذاك. وبصرف النظر عن الزوايا الضيقة والخلفيات الشخصية التي يجري التعامل من خلالها مع ملف المجنسين، فإنه ستترتب، عبر نزع الجنسية عن حوالى اربعة آلاف مجنس، اضرار سياسية ومعنوية ومادية، وذلك مهما كان العدد النهائي للذين ستنزع عنهم الجنسية. ويشار هنا الى إمكان تقلص الرقم جراء مراجعة الملفات المشمولة باحتمال سحب الجنسية، إذ يفترض ان يحظى قرار النزع موافقة رئيسي الجمهورية والحكومة ووزيري المال والداخلية وبتواقيعهم أيضاً. ولا يمكن لأي مسؤول تجاهل الآلية المعتمدة لإبطال الجنسية، ولا سيما انه مضى على منحها حوالى عشر سنوات استناداً الى مرسوم حمل في حينه تواقيع رئيس الجمهورية إلياس الهراوي اضافة الى رفيق الحريري بوصفه رئيساً للحكومة ووزيراً للمالية في آن معاً ووزير الداخلية آنذاك بشارة مرهج. وبالنسبة الى الأضرار المترتبة على الذين سيقع عليهم الخيار بناء لقرار اللجنة المختصة التي تواصل درس ملفات الذين استفادوا من مرسوم التجنس، يؤكد خبراء في القانون ان هذه القضية ستفتح الباب امام الراسبين في الانتخابات البلدية بفارق أصوات ضئيلة التقدم أمام المجلس الدستوري بمراجعة يطعنون بموجبها في النتائج بذريعة ان اعداداً من المجنسين اقترعوا في بلدات وقرى عدة وان اصواتهم كانت وراء فوز خصومهم وان اسماء هؤلاء المجنسين شطبت لاحقاً من جدول الشطب تنفيذاً للقرار القاضي بإلغاء جنسياتهم. وفي اعتقاد الخبراء في القانون، ان التوقيت الذي اعتمده الوزير المر في شأن عزمه على نزع الجنسية من اعداد كبيرة من المجنسين، سيثير بلبلة في البلدات والقرى وكان من الأفضل التريث الى ما بعد الانتهاء من الانتخابات. والى التأثير المباشر على سير العملية الانتخابية البلدية، يضاف التأثير الكبير على مصالح الذين كانوا استفادوا من مرسوم الجنسية ووجدوا أنفسهم الآن بأنهم على وشك فقدانها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يستطيع أي مسؤول التكهن بالنتائج السلبية على العائلات التي يفترض أن تنزع عنها الجنسية، والتي كانت تملكت شققاً سكنية أو عقارات وسجلتها في الدوائر العقارية على انها تحمل الجنسية اللبنانية لتعود اليوم وتكتشف ان تملكها يشكل مخالفة لقانون تملك الأجانب الذي لا يسمح بأن تزيد مساحة العقارات عن النسب المنصوص عليها في القانون. كما ان بعض المجنسين الذين ستبطل جنسيته، كان تزوج على أساس انه لبناني وأنجب أولاداً لبنانيين، فماذا سيحصل إذا فقد جنسيته؟ وهناك مجنسون آخرون استفادوا من مرسوم الجنسية الذي يجيز لأفراد عائلاتهم الافادة منه، وسيجدون انفسهم بين ليلة وضحاها في ورطة، خصوصاً اذا كان الأولاد قد التحقوا بوظائف لا يسمح قانون العمل لغير اللبنانيين شغلها. وثمة مجنسون كانوا يحملون جنسيات قيد الدرس واضطروا بسبب الظروف الصعبة وفور حصولهم على الجنسية اللبنانية، للسفر الى الخارج لتأمين لقمة عيشهم، ويجدون أنفسهم الآن مجبرين على التخلي عن جوازات السفر اللبنانية التي أتاحت لهم التوجه الى بلدان الاغتراب. وبالتالي، هل سيسمح لهم في حق الاقامة في لبنان في حال منعتهم السلطات في بلدان الاغتراب من البقاء فوق أراضيها بعد فقدانهم أوراقهم الثبوتية؟ وبكلام آخر، يبدو ان الدولة اللبنانية لم تتمكن حتى الساعة من إيجاد الحلول حتى لو كانت موقتة للذين ستنزع عنهم جنسيتهم على رغم ان القانون يجيز لهم بصراحة التقدم بطعن مضاد للاحتفاظ بالجنسية. وفي السياق عينه، يشار الى عدم وضوح الصورة لجهة الهيئة التي يمكن أن تنظر في امرهم: مجلس شورى الدولة؟ أو المجلس الدستوري؟ والأخير يعتبر أعلى سلطة قضائية في لبنان. وتبقى الاشارة الى ان الادارات والمؤسسات الرسمية لن تتضرر من مسألة نزع الجنسية لسبب يعود الى ان الذين كانوا يحملونها لم ينخرطوا للآن في القطاع العام نظراً لأن من شروط العمل فيه أن يكون المرشح لبنانياً منذ أكثر من عشر سنوات. وبما انه لم يمض على تنفيذ المرسوم أكثر من تسع سنوات، فإن المسألة غير مطروحة، سوى ان افراداً من بعض العائلات كانوا خضعوا لخدمة العلم لمدة سنة أسوة باللبنانيين وتم التعامل معهم على أساس انهم لبنانيون. على صعيد آخر، يبدو ان معظم الأحزاب والقوى السياسية تفضل التريث وتتجنب التعليق على قرار سحب الجنسية، رغبة منها بعدم النظر اليها من زاوية طائفية أو مذهبية، وهي تعتقد ان لا شيء نهائياً بعد على هذا الصعيد، طالما ان القرار لا يزال في أول الطريق ولم يقترن بخطوات ملموسة. وباستثناء بعض النواب ممن كانوا في طليعة المطالبين بإعادة النظر في مرسوم الجنسية، فإن أعضاء المجلس النيابي يراهنون على احتمال ادخال تعديلات على القرار منها حصره بالفلسطينيين أو بالذين وردت اسماؤهم في المرسوم ولم يقوموا حتى الآن بتنفيذه في دوائر الأحوال الشخصية، أو بالمستفيدين منه على أساس أوراق الاقامة الدائمة تبين لاحقاً انها غير دقيقة، وغير مسجلة في أرشيف دوائر الأمن العام، او مزورة. في المحصلة، لن يكون في مقدور المسؤولين أو بعضهم وكذلك الأحزاب والقوى السياسية، عدم الأخذ بقرار سحب الجنسية ولكنهم سيطالبون بعدم الحاق الظلم بأي مجنس لم يخالف القانون، تجنباً للتبعات والانعكاسات الضارة التي يمكن أن تلحق بمثل هؤلاء وتؤثر على مستقبل حياتهم. الى ذلك، توقعت مصادر في وزارة الداخلية والبلديات أن يصل عدد الأشخاص المشمولين بقرار سحب الجنسية اللبنانية الى أكثر من أربعة آلاف شخص، من مجموع الذين أفادوا من صدور مرسوم منح الجنسية الصادر في حزيران يونيو 1994. ولفتت الى انه تم فرز هؤلاء من قبل اللجنة المكلفة درس ملفات الذين أفادوا من صدور المرسوم الى ثلاث مجموعات، الأولي تضم الفلسطينيين الذين أعطيت لهم الجنسية بخلاف الدستور اللبناني الذي نص في مقدمته فقرة ط على ان "أرض لبنان واحدة لكل اللبنانيين فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتع بها في ظل سيادة القانون فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين". وأوضحت ان الفلسطينيين المستفيدين من الجنسية الذين تم فرزهم من اللجنة المكلفة دراسة ملفاتهم بعد قبول مجلس شورى الدولة الطعن في مرسوم التجنس بناء لطلب تقدمت به الرابطة المارونية، كانوا تقدموا بطلباتهم الى مديرية الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية على أساس انهم ينتمون الى القرى اللبنانية السبع هونين، قدس، المالكية، النبي يوشع، صلحة، ابل القمح، تربيخا التي ضمتها اسرائيل في عام 1948 الى الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتابعت: القسم الأكبر من أهالي القرى السبع كان احتفظ بالجنسية اللبنانية، بينما استحصل القسم الآخر بعد أن هجر من قراه على الوثيقة الممنوحة للاجئين الفلسطينيين في لبنان. وأشارت الى أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري كان اقترح في حينه ان يصار الى اعادة الجنسية اللبنانية لهم بدلاً من منحهم الجنسية لكن المرسوم الذي صدر لم يلحظ اقتراحه. ورأت ان الفلسطينيين الذين استحصلوا على الجنسية اللبنانية هم في معظمهم من منطقة الجليل في الأراضي المحتلة، وكانوا تقدموا بطلباتهم على أساس انهم من سكان المزارع التابعة للقرى السبع، مؤكدة ان سحب الجنسية منهم، يأتي انسجاماً مع ما نصت عليه مقدمة الدستور اللبناني. وبالنسبة الى المجموعة الثانية المشمولة بسحب الجنسية، فهي عائدة الى ان المستفيدين من المرسوم كانوا تقدموا من الأحوال الشخصية بأوراق مزورة تم ضبطها لاحقاً خصوصاً لجهة المدة الزمنية التي قضوها في لبنان اضافة الى ان البعض في هذه المجموعة كان استحصل عليها من دون أن يقيم فوق الأراضي اللبنانية. أما المجموعة الثالثة فتضم الذين وردت أسماؤهم في مرسوم الجنسية وتبين انهم لم يبادروا ضمن المهلة المحددة لهم الى التقدم من الجهات المختصة بطلبات تنفيذ المرسوم للحصول على الجنسية ما يعطي وزارة الداخلية حق شطبهم من المرسوم.