مفارقة مثيرة تصنعها فئة عريضة من الشباب في الجزائر الذين اختاروا التجارة لكسب المال بعد ان أثبتوا فشلهم في المدارس، او نالوا الشهادات الجامعية وفشلوا في العثور على مناصب عمل. إنهم "البزناسية" - من كلمة بزنس -، هؤلاء التجار من النوع الخاص، يعود إليهم الفضل في ادخال آخر صيحات الموضة الباريسية والإيطالية والإنكليزية إلى البلاد، لكن، في الوقت نفسه، لا يكلون في توجيه الاتهامات القاسية للفتيات، بأنهن لا يحترمن تقاليد المجتمع، بارتدائهن ملابس نصف عارية على الطريقة الأوروبية"! هذه الاتهامات تشتد في موسم الصيف، حيث يزداد إقبال الفتيات اللواتي يسايرن الموضة على شراء الأزياء العصرية، الأمر الذي يزيد من قلق "البزناسية" على رغم الربح المادي الكبير الذي يحققونه من وراء ذلك الاقبال، فهم يعتبرون ان الطريقة التي تعتمدها الفتيات في اللباس، تعكس الانحطاط الاخلاقي في المجتمع، مما يقلص حظوظهم في العثور على زوجات صالحات في المستقبل. وأكثر من ذلك، فإن عدداً كبيراً من "البزناسية" يتهمون الفتيات بأنهن أحد أهم اسباب حدوث المصائب والازمات في الجزائر! والمثير انه في حال وقوع كارثة طبيعية في البلاد، لا يجد هؤلاء حرجاً في توجيه سهام اللوم والاتهام للفتيات، وأحسن مثال على ذلك الزلزال القوي الذي ضرب العاصمة ومدينة بومرداس قبل عام. آنذاك اتفقت غالبية الشباب ومن بينهم تجار الموضة على ان الله عاقب الجزائريين بسبب لباس الفتيات العاري! لا يخفي سليم زياني 27 عاماً حيرته من المعادلة الصعبة التي يعيشها مرغماً: "صحيح انني أحقق ارباحاً كبيرة من وراء بيع الملابس العصرية التي تواكب الموضة، غير انني في المقابل اتأسف عندما اشاهد فتيات نصف عاريات في الشارع، إن هذا غير مقبول في مجتمعنا المحافظ، لكن ما في اليد حيلة، فإذا تخليت عن هذا العمل، لن أجد مهنة بديلة تضمن لي دخلاً محترماً". عبدالرؤوف داعو 31 عام، "بزناسي" آخر يرفع شعار "لا للعري" لكنه في المقابل يملك 3 محلات في أشهر المراكز التجارية في العاصمة. خلال حديثه عن مهنته لا يخفي أسفه لطريقة اللباس التي اصبحت سائدة بين الفتيات: "أعلم أنني أساهم في الترويج للباس الغربي في البلاد، وأكثر من ذلك فأنا أخاطر بنفسي في المطارات والموانئ الاوروبية، لكنني لو لم أعرض في محلاتي مثل هذه الالبسة لن انجح في تجارتي، بل سأعلن افلاسي في وقت قياسي"... ولا يتوقف عبدالرؤوف عند هذا الحد، بل يوجه اتهامات كثيرة للفتيات: "انهن اسباب الفوضى في المجتمع، أصبحنا لا نستطيع الخروج برفقة عائلاتنا الى الأماكن العمومية او حتى الى الشوارع، لأن اغلبهن يرتدين لباساً غير محتشم!" ولرياض، البائع في احد محلات "البازار" - اشهر المراكز التجارية في العاصمة - حكايته مع هذه التجارة المثيرة. فهو لا يعارض فكرة بيع الألبسة العصرية للفتيات حتى وان كانت نصف عارية، لكنه في المقابل يرفض رفضاً قاطعاً بيع "مايوهات" السباحة، لأنه يعتبر ان ذلك حرام: "لا أريد ان اتقاسم مع الفتيات اللواتي ينزلن الى البحر سيئاتهن، يكفي انني ابيع ملابس الموضة!" وطبعاً هذا المثال لا ينطبق على جميع التجار، وبالاخص "البزناسية"، بل على العكس فهم يعتبرون ملابس الموضة مكسباً حقيقياً يظهر ذلك من خلال اهتمامهم بالمتاجرة بهذه السلع، على رغم المخاطر التي تواجههم على الحدود، إذ ان غالبية "البزناسية" لا تدفع الرسوم الجمركية، بما يجعل هذه المهنة غير شرعية، لكنها في المقابل تبقى حلماً بالنسبة للكثير من الشباب، إذ انها تفتح لهم المجال لاكتشاف العالم، بعد ان يتمكنوا من الحصول على تأشيرات الدخول الى الدول الاوروبية. وفي عالم "البزناسية" ثمة مفارقة ثانية... تتعلق هذه المرة بتجارة الالبسة الداخلية للنساء... وتكفي جولة واحدة في الاسواق والمحلات لاكتشاف ان زعماء هذه التجارة هم "الخوانجية" أي "الإخوة المتدينون" الذين يطلقون لحاهم ويرتدون القميص ولا ينظرون الى بنات حواء! واللافت في هؤلاء التجار ان تعاملهم مع الزبائن، وهم عادة من النساء لا يكون عادياً، فهم لا ينظرون اليهن مباشرة، لكنهم في المقابل يقدمون لهن النصائح والاستشارات!