تسريع إنشاء الميناء الجاف يحل أزمة تكدس شاحنات ميناء الملك عبدالعزيز    الذهب لأعلى مستوى مع تراجع الدولار وترقب إشارات «الفائدة».. والأسهم ترتفع    النفط يستقر رغم انقطاع الإمدادات والمخاطر الجيوسياسية    خيم نازحي غزة تغرق.. ودعوات دولية لزيادة المساعدات    القافلة الطبية لجراحة العيون تختتم أعمالها في نيجيريا    مصير «الأخضر» تحدده 4 مباريات    الخليج يتخطى الشباب البحريني ويتأهل لنصف نهائي "آسيوية اليد"    المملكة تؤكد خطورة التصريحات الإسرائيلية بشأن الضفة الغربية    يوم الطفل.. تعزيز الوعي وتقديم المبادرات    ياسمين عبدالعزيز تثير الجدل بعد وصف «الندالة» !    تحالف ثلاثي جامعي يطلق ملتقى خريجي روسيا وآسيا الوسطى    22 ألف مستفيد من حملة تطعيم الإنفلونزا بمستشفى الفيصل    خبر انطلاق منتدى مكة لريادة الأعمال وحفل التدشين    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود الجمعيات الأهلية    العصفور ل«عكاظ»: التحولات نقطة ضعف الأخضر    رهانات زيارة ماكرون للمملكة العربية السعودية    أشبال أخضر اليد يحققون انتصارهم الثاني في البطولة العربية أمام الجزائر    أمير القصيم يستقبل السفير الأوكراني    سهرة مع سحابة بعيدة    العامودي وبخش يستقبلان المعزين في فقيدتهما    فرص تطوعية لتنظيف المساجد والجوامع أطلقتها الشؤون الإسلامية في جازان    الشورى يطالب «التنمية الاجتماعية» بتغطية المناطق كافة    «قمة الكويت» وإدارة المصالح الخليجية المشتركة!    رغم تناقضاتهم.. تجمعهم كراهية السعودية !    الرومانسية الجديدة    واعيباه...!!    الشؤون الإسلامية في جازان تقيم عدد من الفعاليات التوعوية والتثقيفية وتفتح فرصاً تطوعية    ماكرون: لدى الصين دور رئيسي في تجنب التصعيد النووي    تحت رعاية خادم الحرمين.. مركز الملك سلمان للإغاثة ينظم المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    سفارة كازاخستان تكرم الإعلامي نزار العلي بجائزة التميز الإعلامي    وطن الطموح    الترقيات الاستثنائية ودورها في حياة الموظف    كلب ينقذ سائحاً من الموت    نيابةً عن سمو ولي العهد.. وزير الخارجية يرأس وفد المملكة في قمة» العشرين»    إدارة الخليج.. إنجازات تتحقق    في مؤجلات الجولة الثامنة بدوري يلو.. النجمة في ضيافة العدالة.. والبكيرية يلتقي الجندل    25% من حوادث الأمن السيبراني لسرقة البيانات    المعداوي وفدوى طوقان.. سيرة ذاتية ترويها الرسائل    القراءة واتباع الأحسن    جمع الطوابع    تعزيز البنية التحتية الحضرية بأحدث التقنيات.. نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية    صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين.. استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    أرامكو توسع مشاريع التكرير    ثقافات العالم    مراحل الحزن السبع وتأثيرتها 1-2    الاستخدام المدروس لوسائل التواصل يعزز الصحة العقلية    تقنية تكشف أورام المخ في 10 ثوانٍ    نائب وزير الدفاع يلتقي وزير الدولة لشؤون الدفاع بجمهورية نيجيريا الاتحادية    نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي    محافظ الطائف يستقبل الرئيس التنفيذي ل "الحياة الفطرية"    مجمع الملك فهد يطلق «خط الجليل» للمصاحف    وزير الخارجية يترأس وفد المملكة المشارك بجلسة «التنمية المستدامة والتحول في مجال الطاقة» في قمة مجموعة العشرين    أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي الذي تنازل عن قاتل أخيه    سلطنة عمان.. 54 عاماً في عز وأمان.. ونهضة شامخة بقيادة السلطان    القبض على مواطن لترويجه 44 كيلوجراما من الحشيش في عسير    163 حافظا للقرآن في 14 شهرا    لبنان نحو السلام    عودة للمدارس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العروبة أمام تحدي مشروع "الشرق الأوسط الكبير"... تأييد دولي وممانعات محلية
نشر في الحياة يوم 18 - 04 - 2004

الشرق الأوسط Middle East تعبير غربي استعمله لأول مرة الأميرال ألفرد ماهان Mahan في المجلة اللندنية National Review خلال الحرب العالمية الأولى. وشاع استعمال المصطلح بعيد الحرب العالمية الأولى بالتزامن مع تقسيم نفوذ الحلفاء المنتصرين في "معاهدة فرساي" سنة 1919، ومع تكريس الانتداب الفرنسي والبريطاني في منطقة الشرق العربي.
ان هذا المصطلح غير محدد المعالم الجغرافية بصورة قاطعة، فهو يشمل المشرق العربي وتركيا وايران ودول شبه الجزيرة العربية ومصر والسودان في وادي النيل. وأحياناً يمتد ليشمل أفغانستان من جهة الشرق، وليبيا من جهة الغرب، إضافة الى جزيرة قبرص القريبة من الساحل السوري - اللبناني في شرق المتوسط.
ليس لمصطلح الشرق الأوسط ما يبرره تاريخياً أو حضارياً، سوى أن هذه المنطقة تقع في مكان متوسط البعد بالنسبة الى الغرب الأوروبي، وعلى ذلك يكون الشرق الأقصى في جهات شرق آسيا، ويكون الشرق الأدنى المنطقة الواقعة بين شرق البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي، أو ما يسمى أحياناً الهلال الخصيب الذي يشمل كلاً من لبنان وسورية والأردن وفلسطين والعراق. وقد استخدمت الدول الاستعمارية هذه التعابير، أو المصطلحات، في إطار تقسيم العالم الى مناطق نفوذ ومصالح، وجاءت تسميتها بالقياس الى موقع الغرب الأوروبي.
يعطي الغرب الحديث أهمية جيوستراتيجية لموقع الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط في صراع الأمم والعلاقات الدولية. ويجد العالم البريطاني هالفورد ماكندر Mackinder ان جزيرة العالم أو الهلال الخارجي، التي تحيط بشرق أوروبا مهمة في تحديد مصير الصراع الدولي، وفي الاستراتيجيات العسكرية. كما يجد العالم الأميركي نيكولاس سبكمان Specman مدير معهد ييال Yale للعلاقات الدولية، ان من يحكم المناطق الساحلية الهلال الهامشي أي الشرق الأوسط والبحر المتوسط، يتحكم بأوراسيا. وتأسيساً على ذلك، ركزت السياسة الخارجية الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية - وما تزال الى اليوم - على نشر أساطيلها في البحر المتوسط والمحيط الهادئ وعلى اقامة علاقات التحالف مع بعض الدول المحيطة بأوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق. واليوم تنتشر هذه الأساطيل بالقرب من أفغانستان وباكستان والمحيط الهندي والخليج العربي، كما تقيم الإدارة الأميركية قواعد برية ثابتة في عدد من الجمهوريات المستقلة حديثاً على حدود الصين وفي آسيا الوسطى جنوب روسيا، هذا فضلاً عن الوجود العسكري الأميركي المباشر في أفغانستان والعراق.
ماذا عن الشرق أوسطية؟
تعود فكرة اقامة نظام اقليمي في الشرق الأوسط الى ما بعد الحرب العالمية الثانية، والبحث في ملء الفراغ الاقليمي بعد تراجع نفوذ الحلفاء الأوروبيين وتقدم نفوذ القوتين العظميين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي السابق. ويتزامن ذلك مع انشاء دولة اسرائيل في العام 1948، وما رافقه من مواقف اقليمية ودولية خطيرة. ويعتبر البيان الثلاثي الأميركي - الفرنسي - البريطاني سنة 1950 بمثابة أول دعوة رسمية لإقامة نظام شرق أوسطي، من خلال الدعوة الى اقامة نظام أمني في الشرق الأوسط تشارك فيه اسرائيل ودول عربية مجاورة. من هنا نلاحظ التجاذب بين موقفين:
- الموقف العربي المنطلق من تأسيس جامعة الدول العربية في العام 1945، كإطار مؤسسي للعلاقات بين الدول العربية أو كإطار مؤسسي لما اصطلح على تسميته لاحقاً النظام الاقليمي العربي.
- والموقف الغربي الذي يريد دفع العرب واسرائيل نحو نوع من العلاقات، في اطار المصالح الاستراتيجية للقوى الدولية الكبرى.
وفي إطار هذا التجاذب، استمرت فكرة مشاركة اسرائيل في أي نظام شرق أوسطي نقطة مركزية في البحث والحوار، ثم ارتبط هذا النظام في أفكاره ومشاريعه المقترحة بمشاركة اسرائيل، وهذه في اعتقادنا هي الأساس المحوري في النظام الشرق أوسطي. لذلك رأينا كيف تراجعت فكرة الشرق أوسطية إبّان الصراع العربي - الإسرائيلي والمواجهة المسلحة 1948 - 1973 على رغم طرح مشاريع الأحلاف في الخمسينات وما رافقها من تصعيد للحرب الباردة بين القوتين العظميين، ومن صراع للقوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط.
وعندما تراجعت المواجهة العربية - الإسرائيلية لحساب مشروع التسوية السلمية بدءاً من اتفاقات كامب ديفيد تقدمت فكرة الشرق أوسطية من جديد. وحسبنا الإشارة هنا الى بعض الوثائق المهمة:
أ - حملت اتفاقية كامب ديفيد الأولى عنوان اطار السلام في الشرق الأوسط. وتضمنت نصاً معبّراً هو: "ان شعوب الشرق الأوسط تتشوق الى السلام حتى يمكن تحويل موارد المنطقة البشرية والطبيعية الشاسعة لمتابعة أهداف السلام، وحتى تصبح هذه المنطقة نموذجاً للتعايش بين الأمم... ان التقدم في اتجاه هذا الهدف من الممكن أن يسرّع بالتحرك نحو عصر جديد من التصالح في الشرق الأوسط يتسم بالتعاون على تنمية التطور الاقتصادي وفي الحفاظ على الاستقرار وتأكيد الأمن". وإذا كان أي نظام اقليمي بحاجة الى عاملي الاقتصاد والأمن لينهض ويستمر فإن النص المذكور يشير اليهما ويندرج في اطار التمهيد للنظام الشرق أوسطي.
ب - تضمنت خطابات المشاركين في "مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط" في تشرين الأول اكتوبر 1991 دعوات الى علاقات جديدة وتعاون بين دول الشرق الأوسط بما فيها اسرائيل. وركزت على تحقيق مشاريع مشتركة اقتصادية وأمنية وتقنية.
ج - حدد اتفاق أوسلو الأول بين حكومة اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بتاريخ 13/9/1993 برامج شرق أوسطية، وذلك في الملحق الرابع منه الذي يحمل عنوان بروتوكول التعاون الاسرائيلي - الفلسطيني في مجال برامج التنمية في المنطقة، والمنطقة تعني الشرق الأوسط. وتضمّن هذا الملحق دعوة لوضع برنامج تنمية، وتأسيس صندوق للتنمية، وبنك للتنمية الشرق أوسطية...
د - دعت المعاهدة الأردنية - الاسرائيلية معاهدة وادي عربة بتاريخ 26/10/1994 الى بناء أمن اقليمي، وايجاد منطقة خالية من التحالفات والائتلافات العدائية في الشرق الأوسط، ومنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل... كما دعت تلك المعاهدة الى تعاون اقتصادي اقليمي، وتضمنت التزام الطرفين اقامة مؤتمر الأمن والسلام في الشرق الأوسط، على غرار مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي.
ه - ركز شيمون بيريس على ايجاد شرق أوسط جديد، من خلال التأسيس لسوق اقتصادية شرق أوسطية، وطرح مبادئ عامة لهذا الهدف، أهمها: الاستقرار السياسي ومشاريع ورؤى بعيدة، بصرف النظر عن موقف رئيس الحكومة اللاحق بنيامين نتانياهو الذي تحفظ عن كثير من أفكار بيريس، وركّز على أولوية "الأمن الاسرائيلي" في الدرجة الأولى.
وتكشف مجمل هذه الوثائق عن توجه دولي واسرائيلي منذ زمن لإقامة نظام اقليمي في الشرق الأوسط تكون اسرائيل طرفاً فيه، ويمكن أن يضم دولاً عربية وغير عربية مثل تركيا. وتزامن طرح هذا النظام مع تراجع النظام العربي بعيد حرب الخليج الثانية، وتقدم مشروع التسوية في الشرق الأوسط. على أن المضمون الاقتصادي لهذا النظام المقترح احتل مركز الصدارة، وان كانت طرحت افكار عن العلاقات الأمنية والثقافية والسياسية... عن المضمون الاقتصادي للنظام الشرق أوسطي نجد دراسات اسرائيلية معمقة طرحت في مؤتمرات التعاون الاقتصادي لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: الدار البيضاء 1994 وعمان 1995 والقاهرة 1996 والدوحة 1997، وتمحورت حول مسائل أساسية مثل العلم والتقانة وكيفيات التعاون بين دول المنطقة، وانتقال العمالة بين اسرائيل والبلدان العربية، والاستثمارات المتعلقة بالطاقة والرساميل العربية، والإفادة من المياه العذبة لمصلحة دول الشرق الأوسط بما في ذلك تركيا واسرائيل.
ونلاحظ اتساع المجال الاقليمي - الجغرافي للسوق الشرق أوسطية، من اسرائيل والكيان الفلسطيني والأردن وصولاً الى بلدان الخليج العربي. ومن اسرائيل الى تركيا مروراً بسورية ولبنان. والقاعدة المشتركة لهذين الاتجاهين الاقليميين هي اسرائيل، أما أبرز الموارد المطروحة حتى تؤسس سوقاً شرق أوسطية، فتتركز حول النفط ومشتقاته والمياه العذبة.
هل تستجيب البلدان العربية لهذا المشروع؟
ثمة عقبات وموانع أمامه، أبرزها تقاطع الدوائر الاقليمية وتناقضها في المصالح أحياناً. من الدائرة التركية - السورية - العراقية المياه، الى الدائرة التقليدية التركية - الاسرائيلية، الى الدائرة الاسرائيلية - الفلسطينية - الأردنية، الى الدائرة العربية العامة من دون اسرائيل... هذا فضلاً عن الموانع العربية لأسباب تاريخية، وحاضرة متعلقة بمستقبل اللاجئين والدولة الفلسطينية ومضمون السلام وحدود عملية التطبيع التي تطالب بها اسرائيل عبر كل القوى السياسية والاجتماعية فيها. لكن علينا ملاحظة دور المفاوضات المتعددة الطرف حول قضايا: الأمن والمياه واللاجئين والتنمية الاقتصادية والبيئة، وكيف أن هذه المفاوضات تفضي الى اقامة لجان اقليمية برعاية دولية غالباً الولايات المتحدة، وذلك بالتزامن مع تآكل البنى المؤسسية للنظام العربي وغياب آليات تنفيذ القرارات العربية المشتركة.
وعن المضمون الأمني نجد اقراراً أميركياً بدور اسرائيل المحوري الذي يترجم تمكن اسرائيل من اكتساب التقانة العسكرية الحديثة وتفوقها النوعي على العرب. ذلك ان دوراً اسرائيلياً مطلوباً في المستقبل كما يؤكد معهد واشنطن للدراسات الاستراتيجية، مع ضبط الأمن الاقليمي ومراقبة التسلح من خلال الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط ومضمون المعاهدات العربية - الاسرائيلية. ويلحظ هذا النظام الاقليمي - الأمني دوراً تركياً، ودوراً خليجياً أيضاً. والإقرار الأميركي بالدور الاسرائيلي ينسجم مع فكرة التحالف الاستراتيجي بين اسرائيل والولايات المتحدة المطبقة رسمياً منذ العام 1982 في عهد الرئيس السابق رونالد ريغان. ولم يتراجع هذا التحالف بعد حرب الخليج الثانية على رغم تعزيز النفوذ الأميركي الأمني والسياسي مباشرة في منطقة الشرق الأوسط، ثم تأكد في حرب الخليج الثالثة سنة 2003.
أما عن المضمون الثقافي، فنجد تطلعات اسرائيلية لتغيير نظرة العرب الى وجود اسرائيل كدولة من دون أن تبدل هذه الدولة نظرتها الى العرب. بتعبير آخر، على العرب أن يتكيفوا مع مفهوم اسرائيل للسلام من دون أن تغيّر الحركة الصهيونية معتقداتها وخياراتها الاستراتيجية. و"التطبيع الثقافي" هو أحد الخيارات الاسرائيلية المطروحة على العرب تحت شعار السلام، لذلك فإن هذا الخيار الاسرائيلي يركّز على اعادة صوغ تاريخ قضية فلسطين والصراع العربي - الاسرائيلي، والحديث عن "هوية شرق أوسطية" وليس "هوية عربية"، وعن أخوة السامييّن عرباً ويهوداً وانتمائهم الى منطقة واحدة... ونعتقد بأن "تسويق" هذه العناوين في البلدان العربية أمر صعب ان لم يكن أمراً مستحيلاً نتيجة عداء اسرائيل للسلام مع العرب في الدرجة الأولى.
بمعزل عن الصعوبات التي تحوط امكان قيام "نظام شرق أوسطي" فإن التأييد الدولي له واضح أميركياً وأوروبياً على رغم تركيز الاتحاد الأوروبي على الإطار المتوسطي الأشمل. فنجد وزير الخارجية البريطاني الأسبق مالكون رفكيند - على سبيل المثال - مؤيداً لإقامة "منظمة التعاون في الشرق الأوسط" على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي حولت وسيلة للتعاون بين الدول الأوروبية على نطاق واسع. وهذا يعكس أحد التصورات الأوروبية للمصالح الدولية في الشرق الأوسط كجزء من الاهتمام الأوسع بحوض البحر المتوسط.
وإذا كانت الشرق أوسطية مرتبطة بتطلعات اسرائيل المستقبلية، وخصوصاً في ميدان الاقتصاد، وتهدغ لإقامة شبكة علاقات اقليمية جديدة بالتزامن مع تراجع النظام العربي، وتقدم عملية التسوية السلمية، فإن "المتوسطية" هي اطر أوسع جغرافياً، ولكنه محدد، ويهدف لإقامة علاقات أوروبية - متوسطية لتكون اسرائيل جزءاً منها، وليست قاعدة لها. بتعبير آخر، قد لا تحرج المتوسطية كثيراً من الدول العربية لأنها أبعد من مسألة التسوية السلمية وغير متوقفة على نتائجها بشكل مطلق، وان كانت تتأثر نسبياً بتلك التسوية.
كما تجدر الإشارة الى ضبابية الشرق أوسطية وغموضها، فهي تحمل أكثر من نسق واحد ونظام واحد للعلاقات. انها تنطوي على دور بارز لإسرائيل في مجمل الأحوال، وهذا غير قائم بهذه الحدة في العلاقات الأوروبية المتوسطية. اسرائيل تريد من خلال الشرق اوسطية ان تتحول الى قطب مميز وقادر في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تحقق انفتاحاً دولياً على العالم وتقوم بجهود ديبلوماسية بارزة... قد تتمحور الشرق اوسطية حول اسرائيل في حين تتمحور المتوسطية حول الاتحاد الأوروبي، وهنا المفارقة الأساس.
هذه بعض التحديات المطروحة في هذا العصر على العرب والعروبة، وتنتظر اجابات ومعالجات عميقة. وعبثاً محاولة اهمالها او تجنّب مفاعيلها. ومهما كان اتجاه التسوية ومستقبلها، فلا مفر من مواجهة هذه التحديات بخطة عربية مشتركة. هذا ما يبرر إعادة الاعتبار للنظام العربي على قواعد موضوعية وعلمية بعيداً من الشعارات قدر المستطاع، فالعالم يتجه في اقاليمه المختلفة نحو التكتل والتجمع، والعلاقات الدولية تزداد تعقيداً وتشابكاً في المصالح والأهداف.
ماذا عن الشرق الأوسط الكبير؟
طرحت الإدارة الأميركية الحالية مشروع "الشرق الأوسط الكبير" على الدول الصناعية الثماني التي ستجتمع لاتخاذ موقف من هذا المشروع في حزيران يونيو المقبل.
من حيث الاتساع الجيوستراتيجي، يضم "الشرق الأوسط الكبير" كل الدول العربية وتركيا وإيران وإسرائيل وباكستان وأفغانستان، وعلى ذلك فإنه اضاف الى "الشرق الأوسط التقليدي" كلاً من افغانستان وباكستان شرقاً، وبلدان شمال افريقيا من جهة الغرب. وتبقى اسرائيل العامل المحوري في هذا المشروع الجديد.
ومن حيث الإصلاح الذي يدعو إليه المشروع فإنه يرتكز على ثلاثة اسس:
1- تشجيع الديموقراطية والحكم الصالح.
2- بناء مجتمع معرفي.
3- توسيع الفرص الاقتصادية.
يشير المشروع الى افتقاد الديموقراطية والحرية في الشرق الأوسط، وإلى ان اسرائيل هي البلد الوحيد الحر. ويدعو الى تقديم مساعدات تقنية الى بلدان عدة في الشرق الأوسط الكبير اظهرت استعدادات لإجراء انتخابات رئاسية او برلمانية، وإحداث اصلاحات تشريعية. كما يدعو الى زيادة مشاركة النساء في الحياة السياسية والمدنية وإلى تقديم المساعدات القانونية للناس العاديين كي يحصّلوا حقوقهم وكذلك الى زيادة الشفافية ومكافحة الفساد على مستوى العمل الحكومي وإلى تأمين حرية عمل منظمات المجتمع المدني خصوصاً في مجالي حقوق الإنسان ووسائل الإعلام.
على صعيد بناء المجتمع المعرفي، يدعو المشروع الى مساعدة دول الشرق الأوسط كي تكافح الأمية وإصلاح التعليم وترجمة مؤلفات غربية في الفلسفة والأدب وعلم الاجتماع وعلوم الطبيعة... وتشجيع شعوب المنطقة على استخدامات الإنترنت وتجهيز المدارس بالكومبيوتر وتمويل برامج تعليمية في ادارة الأعمال.
اما عن توسيع الفرص الاقتصادية، فإن المشروع يدعو الى تمويل النمو من خلال تمويل مشاريع صغيرة، ثم تنمية مشاريع الأعمال على المستويين المتوسط والكبير بهدف التوصل الى تكامل اقتصادي لمجال الأعمال في المنطقة بقيادة القطاع الخاص. كما يدعو الى إنشاء مؤسسة اقليمية للتنمية على غرار "البنك الأوروبي للإعمار والتنمية" لمساعدة الدول الساعية الى توفير الاحتياجات الأولية للتنمية. وإلى تحسين اندماج بلدان الشرق الأوسط الكبير في النظام المالي العالمي من خلال رفع الحواجز امام التعاملات المالية بين الدول، وتحديث الخدمات المصرفية، وتحسين اقتصاد السوق، وإطلاق حرية الخدمات المالية... عولمة مالية. هذا إضافة الى تشجيع الانضمام الى منظمة التجارة العالمية وإقامة مناطق محددة خصيصاً في الشرق الأوسط الكبير تتولى تشجيع التعاون الإقليمي في تصميم وتصنيع وتسويق المنتجات. كما يدعو المشروع الى إنشاء منبر الفرص الاقتصادية للشرق الأوسط الكبير، الذي يجمع مسؤولين كباراً من الدول الصناعية الثماني ومن دول الشرق الأوسط، اضافة الى مشاركة رجال الأعمال لمناقشة قضايا الإصلاح الاقتصادي.
هذه هي اسس الإصلاح التي يجرى الحديث عنها اميركياً، والمطلوب انجازها عربياً وصولاً الى إقامة علاقات او ترتيبات على مستوى الشرق الأوسط الكبير. وللوهلة الأولى تبدو وكأنها دعوات خيّرة تركّز على حقوق الإنسان والديموقراطية والتنمية والمعرفة، لكنها في الجوهر هي مقدمة للسيطرة الأميركية - الإسرائيلية على الشرق الأوسط، واستبعاد القوى الأوروبية وروسيا والصين واليابان. وهنا بعض الملاحظات:
يجرى توسيع الشرق الأوسط جيوسياسياً حتى يشمل افغانستان وباكستان من جهة الشرق، وهذا يحصل بعد احداث 11 ايلول سبتمبر وسيطرة الولايات المتحدة عسكرياً على افغانستان واحتواء باكستان سياسياً وأمنياً وإقامة قواعد عسكرية فيهما وبالقرب منهما كما اشرنا. ومن جهة الغرب، يمتد الشرق الأوسط الكبير ليشمل شمال افريقيا كلها حتى الأطلسي. وهذا معناه إضعاف للمتوسطية، وللشراكة الأوروبية المتوسطية وخصوصاً مع دول الغرب العربي. او هو مقدمة لمساومة اوروبية - اميركية ستحصل على شمال افريقيا، كما حصل في مؤتمر برلين الاستعماري للقوى الأوروبية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر عندما قُسِّمت افريقيا بين تلك القوى.
وسواء اكان الشرق الأوسط كبيراً ام تقليدياً كما هو معروف، فإن اسرائيل تحتل موقع المحور او القاعدة الاستراتيجية. فالاستعدادات الأطلسية جارية لاعتماد اسرائيل قاعدة مساندة لقوات حلف الأطلسي في الشرق الأوسط، استكمالاً لترتيبات التحالف الاستراتيجي الأميركي - الإسرائيلي منذ العام 1982. لذلك، ليس مستغرباً ان تركّز الإدارة الأميركية، وجزء من العالم الغربي، على الأمن الإسرائيلي قبل اي اعتبار آخر بما في ذلك حق شعب فلسطين في تقرير مصيره والحقوق العربية الأخرى المشروعة تبعاً لقرارات الشرعية الدولية.
اما الدور الاقتصادي لإسرائيل في هذا المشروع فهو اساسي ومركزي. إنه استكمال للمؤتمرات الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال افريقيا، ولمجهودات اللجان المتعددة الطرف المنبثقة من مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط. وثمة مشاريع مشتركة بين ما يطرح اليوم وما طرح في الأمس، ابرزها انشاء مؤسسة اقليمية للتنمية يكون لرجال الأعمال دور كبير فيها.
ان التركيز على دور رجال الأعمال في الشرق اوسطية ينسجم مع الخصخصة والسوق الحرة، اي العولمة الاقتصادية التي لن يكون للعرب فيها سوى دور التابع. وطالما ان حركة رأس المال من دون ضوابط تحت شعار حرية تدفق رأس المال، فالغلبة ستكون للأقوى مالياً واقتصادياً، اما الالتزامات السياسية الوطنية فستتراجع لتصبح من الماضي.
من يتصور ان الدول الثماني ستقدم لنا الإصلاح مجاناً واهم، بل عندنا اكثر من سؤال عن الوعد الأميركي بالديموقراطية: لماذا المحاصصة الطائفية والعرقية والقومية في العراق تحت شعار الديموقراطية؟ هل هذه ديموقراطية جورج واشنطن وهوبز ولوك وروسو الذين اسسوا لنظريات العقد الاجتماعي؟ ام انها ديموقراطية ملغومة ستنفجر ضد السنّة والشيعة والأكراد والتركمان والمسيحيين وغيرهم؟
ماذا سيبقى من النظام الإقليمي العربي المنهار اصلاً منذ حرب الخليج الثانية؟ ستبقى إملاءات اميركية على الحكومات العربية، وربما على بعض النخب العربية: تغيير برامج تعليمية، وتغيير مفاهيم سياسية، وربما تعديل قناعات دينية، وإقرار سياسات ومواقف محددة في القمم العربية واللقاءات العربية... وكلها تحت شعار مكافحة الإرهاب وإحلال الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان، بينما تصفى قضية فلسطين وتدمّر مقومات "دولة فلسطين"، هذا الوعد الكاذب الذي اطلقه بوش الابن مع الاجتياح الإسرائيلي الهمجي لكل ما هو فلسطيني وعربي ومسلم.
ان هذه الملاحظات التي نبديها لا تلغي حقيقة هزيمتنا. نحن شعوب مهزومة، وحكومات مهزومة. ولا نزال منذ ثلاثة عقود، او اكثر، ندور حول انفسنا من دون ان نتطلع الى المستقبل. ثمة غلو وتطرف عند بعض المسلمين، الذين يتعيّشون على حساب الفتنة الموروثة، وتراجع خطير لقوى المجتمع المدني احزاب وجمعيات ونقابات لحساب الطائفيات والمذهبيات الساقطة، والعشائريات المدمرة للمجتمع والدولة. بتعبير آخر نحن تحت وطأة التخلف السياسي بصوره المختلفة: غياب المشاركة في القرار السياسي، قصور التشريعات والقوانين، مصادرة حقوق الإنسان، تركّز شخصنة السلطة، بروز النزعات الإثنية والطائفية والمذهبية على حساب الدولة والمجتمع والأمة... هذا اضافة الى تفاقم النزاعات بين القادة العرب وحكومات العرب منذ عقود، وأحياناً لأتفه الأسباب. اين الرأي العام العربي؟اين المجتمع المدني العربي؟ اين العمل لإقامة دولة عربية عصرية؟
ان الإصلاح المطلوب، لن يكون اميركياً، وأي اصلاح مفروض علينا لن يعيش ولن يدوم. الديموقراطية لا تتحقق بقرار اميركي، او بقرار اطلسي، مهما احتشدت الأساطيل في الشرق الأوسط. الديموقراطية هي ثقافة وممارسة معاً، انها تحول تدريجي، وعلينا ان نعترف بأن مشروع اصلاح جامعة الدول العربية مطروح منذ مطلع الثمانينات لكن التخلف السياسي العربي اجهضه مراراً وتكراراً.
يمكن ان ننطلق اليوم من خلال بعض المثقفين ونتعاون مع القوى المجتمعية التي لا تستسهل الوصول الى السلطة بأي ثمن. انها القوى الحية الملتزمة بأهداف الأمة وتراثها وحضارتها مع الانفتاح على الإنسانية. ولتُنظّم مؤتمرات - بعيداً من الاتجار والمظهرية والتبعية لهذه الحكومة العربية او تلك - مؤتمرات مسؤولة وملتزمة تشكل امتداداً لتيار الجامعة الإسلامية، تيار الوسطية والعقلانية، تيار العروبة التي لا تتهاون امام حاكم ارعن او ظالم بحجة طاعة ولي الأمر. تيار حقوق الإنسان والديموقراطية وبهما نؤمن ونعتقد اكثر من اعتقاد جورج بوش ومن يؤيده من المحافظين الجدد. العروبة قضية انتماء الى امة وليست مجرد سياسات متبدلة وعابرة، والنظام الدولي بتعقيداته المختلفة ليس ثابتاً او جامداً بل هو قائم على معايير القوة القابلة للتغيير. اين نحن من معايير القوة في الساحة الدولية؟
* استاذ الدراسات العليا في كلية الحقوق والعلوم السياسية - الجامعة اللبنانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.