خيمت اجواء من الصدمة والسخط على الشارع الفلسطيني في وقت واصلت قيادته اجتماعاتها لليوم الثاني لدرس "الخيارات والاحتمالات" في الرد على "وعد بوش" الذي اعطاه الرئيس الاميركي الى رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون وتضمن تعهدات بعدم انسحاب اسرائيل الى حدود 1967 او عودة اللاجئين الفلسطينيين الى الدولة اليهودية، كما سمح لاسرائيل بضم الكتل الاستيطانية الضخمة في الضفة. راجع ص 5 و6 وعلى رغم ان الرئيس ياسر عرفات تجنب الاشارة الى موقف بوش مباشرة في كلمة له في ذكرى استشهاد خليل الوزير ابو جهاد، إلا أنه جدد الثوابت الفلسطينية مؤكداً مواصلة النضال من اجل الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية واقامة الدولة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، ودعا الشعب الفلسطيني الى "الاستعداد للمرحلة المقبلة". على خط مواز، احتفلت اسرائيل ب"وعد بوش" بوصفه "انجازاً تاريخياً"، فيما اتجهت الانظار الى وزير المال بنيامين نتانياهو الذي سيحدد موقفه مصير "خطة الفصل" داخل حزب "ليكود" خلال الاستفتاء الذي سيجري نهاية الشهر الجاري. ولاقى "وعد بوش" استنكاراً عربياً ودولياً عبر عن نفسه بالتمسك ب"خريطة الطريق" ورفض اي تغيير من جانب واحد في قضايا الوضع النهائي في الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. وفي هذا الصدد، اعلن الاتحاد الاوروبي انه "لن يعترف بأي تغيير في حدود عام 1967 الا ذلك الذي تتفق عليه الاطراف"، كما يتمسك بتسوية "تتضمن حلاً متفقاً عليه عادلاً ونزيهاً وواقعياً لقضية اللاجئين". من جانبه، اعلن الرئيس جاك شيراك في الجزائر ان اي تغيير للحدود من طرف واحد سيشكل "سابقة خطيرة ومؤسفة"، في حين اعتبر الامين العام للامم المتحدة ان قضايا "الوضع النهائي يجب ان تقررها المفاوضات على اساس قرارات مجلس الامن ذات الصلة". ورأت موسكو ان خطة شارون للانسحاب من غزة قد تكون "مفيدة" اذا ارفقت بتدابير اخرى تتطابق مع "خريطة الطريق". وكانت المواقف العربية خافتة، واقتصرت على اعلان اردني يتمسك ب"خريطة الطريق" وحق العودة، في حين اعتبرت دمشق ان موقف بوش اغلق الطريق امام الاستقرار والسلام و"خريطة الطريق". ورأى الرئيس اميل لحود انه ستكون للموقف الاميركي تداعيات خطيرة على المستويات المختلفة، فيما اعتبر الامين العام للجامعة العربية ان موقف بوش "تطور سلبي ومؤسف لأنه يلغي كل المرجعيات". وعقدت منظمة المؤتمر الاسلامي مشاورات بهدف عقد اجتماع استثنائي للبحث في المستجدات. الفصائل و"الوعد المشؤوم" واذا كانت التعهدات الاميركية أججت غضب الشارع الفلسطيني، فإنها اسقطت ايضاً خيار المفاوضات من حساباته لمصلحة المقاومة ولغة القوة. وكان الحضور الحاشد لاحياء ذكرى ابو جهاد في رام الله، ابرز دلالة على الاستنكار والتنديد العام بالموقف الاميركي الجديد. في الوقت نفسه اضافت تصريحات بوش زخما جديدا للمواجهات التي تدور رحاها بين سكان قرية بدو غرب القدس وجيش الاحتلال احتجاجاً على "الحقائق الجديدة على الارض" التي يفرضها بناء "الجدار الفاصل"، في حين سارعت "سرايا القدس" التابعة لحركة "الجهاد الاسلامي" الى الاعلان عن تطوير صاروخ جديد يصل مداه الى ثلاثة كيلومترات، في اشارة الى الشكل الذي قد تتخذه المقاومة مستقبلا. ونددت الفصائل الفلسطينية ب"الوعد المشؤوم"، وطالبت العرب والمجتمع الدولي بتحمل مسؤولياتهم، في حين دعت "حماس" السلطة الى التخلي عن "سراب الحل السلمي" ومواصلة نهج المقاومة. وجاءت انعكاسات "وعد بوش" على الفلسطينيين سريعاً، تحديدا في رفح حيث هدمت قوات الاحتلال منازل لاجئين في المخيم، فيما اكد مصدر اسرائيلي رفيع ان الحكومة تدرس نشر قوات امن مصرية في محور فيلادلفيا على الحدود بين رفح ومصر بهدف منع تهريب الاسلحة. اما عن الانعكاسات القانونية ل"وعد بوش"، فأكد الخبير الفلسطيني في القانون الدولي عبدالله ابو عيد ان رسالة الضمانات الاميركية "لا قيمة قانونية لها". وقال ان حديث بوش عن حدود عام 1949 بدلاً من حدود 1967 مردّه الى ان حدود 1949 هي "خط هدنة" غير ملزم وليس "حدوداً دولية"، ما يعطي اسرائيل حق التصرف بها من دون شريك فلسطيني.