ألقى الباحث السعودي الدكتور محمد أبو بكر حميد محاضرة عن الكاتب والشاعر والروائي علي أحمد باكثير بدعوة من رابطة الأدب الإسلامي العالمية في مركزها بالرياض. وتتبع المحاضر الالتزام الاسلامي في ادب باكثير منذ بداياته الاولى، وروى للحاضرين كيف تعرّف باكثير على طريقه منذ باكر صباه وشبابه في حضرموت باليمن ولم يحد عن هذا الخط طوال حياته في مصر الى ان مات. كان باكثير في كل ما كتب وفي حياته على مستوى المبادئ التي دعا الاديب العربي للالتزام بها "ان يكون الاديب العربي رائداً لأمته يبصرها بالأخطار التي تتهددها قبل وقوعها، وألاّ يبالغ في تضخيم الهزائم فيدعو الى اليأس...". ورأى المحاضر أن باكثير دفع ثمن هذا الالتزام في الفكر والفن، فأصبح متفرداً بلونه في السرب الأدبي، فخذله اليمين وحاربه اليسار. الحرب الضارية التي شنها اليسار عليه بعد صدور عرض مسرحيته "حبل الغسيل" سنة 1966، وقد تصدر هذه الحملة الظالمة الناقد الماركسي محمود امين العالم، وحاول ان يزج بباكثير في تهمة سياسية دينية ضد النظام، فرد عليه باكثير في مجلة "المصور" بكلمة شجاعة اكد فيها تمسكه بدينه بلا خوف وذكره بأنه ثار ضد الاستعمار في مسرحياته قبل الثورة وهو اشجع من الذين يمتدحون الثورة وهم في حماية الثورة ثم قال بوضوح ويقين: "ألا فليعلم العالم انني مسلم، والمسلم بهدي قرآنه يؤمن بالله وكتبه ورسله، لا يفرق بين احد من رسله، ثم اتى متمرس بمحاربة الاستعمار من قديم، اما الالحاد فإني احاربه بإخلاص لا عن تعصب، بل لأن الالحاد قيد ثقيل يعطل من انطلاق الانسان". وخلص المحاضر الى ان العداء أو النبذ أو التجاهل الذي لاقاه من الشخصيات المحسوبة على اليسار والتي تتحكم في المنابر الثقافية ومنافذ النشر وادارات المسارح، اصابه بالكمد مما جعله عاجزاً عن مواجهة اول ازمة قلبية تصيبه، ليتوفاه الله حزيناً مكلوماً في 10 تشرين الثاني نوفمبر 1969. وكشف المحاضر حرص باكثير على بث الفكر الاسلامي في حنايا اعماله، وهو ما لفت النقاد الى الأعمال المسرحية والروائية التي كان يصدِّرها بآية قرآنية، ويدور في مضمونها المعنى الجديد الذي يستخلصه القارئ من العمل الفني. وبدا هذا منذ صدور اول مسرحية له همام - او في بلاد الاحقاف سنة 1934، كما انه حرص على معالجة المضامين الاسلامية في اعماله وفي شكل غير مباشر. وكان على وعي بذلك حين حذر الكاتب الداعية من ان تطغى حماسته لدعوته على فنه فيتحول الى خطيب لا اديب. ثم عدد المحاضر مصادر اعماله الكثيرة والمنوعة وفي اكثر من حقل ابداعي فكانت "الحياة المعاصرة" والظرف المعيشي الخامة الاولى لابداعه، يليها التاريخ الاسلامي على اتساعه وكذلك حضارات ما قبل الاسلام، ومنها الاساطير الفرعونية والاغريقية، والاساطير المسيحية الاوروبية. وأعلن باكثير نفسه عن ميله الى توظيف الاسطورة والتاريخ اكثر من الحياة المعاصرة وذلك لاسباب فنية وفكرية.