"اليوم العالمي للمرأة" عمره مئة وثمانية وأربعون عاماً. وربّما تعود نضالات المرأة من أجل الحصول على حقوقها، وضدّ الطغيان الذكوري حكماً، إلى أبعد من ذلك بكثير، في التاريخ غير المدوّن، وغير الرسمي... إلى أيّام أنتيغونا التي وقفت بشجاعة في مواجهة خالها الطاغية كريون! لكن مسألة الحريّة والمساواة في العالم، ما زالت قضيّة شائكة... بعيدة كل البعد، للأسف، عن الحسم الذي تبشّر به العقائد التقدميّة، وتحلم به المذاهب الطوباويّة. والمكاسب التي حققتها المرأة في العالم ما زالت هشّة، نسبيّة، حديثة العهد في أحيان كثيرة. قبل عقود قليلة لم تكن تملك حق الانتخاب في سويسرا، وحتّى الآن ما زالت محرومة من بعض حقوقها البسيطة في مجتمعات غربية، وما زال حضورها في أعلى الهرم الاقتصادي والعلمي والسياسي، في العالم المتطوّر تقنياً، أقل من رمزي! وما زال التعامل معها يتمّ عبر الكليشيهات نفسها التي كانت قائمة في بدايات القرن العشرين. ذلك أن التطوّر لا يأتي دفعة واحدة، ولا يأتي بسهولة أو بقرارات فوقيّة، أو حتّى تحت ضغط الآلة الاقتصاديّة الشرهة. كما أن وعي "المستغَل" بفتح الغين لوضعيّته وظروف استغلاله، لا يكفي كي تسقط منظومات كاملة قائمة مند آلاف السنين، راسخة في السلوك الثقافي، في اللاوعي الجماعي، في القيم التي يفرضها النظام السائد لمجتمع من المجتمعات. هذا ما حاول أن يثبته عالم الاجتماع والمفكّر الفرنسي الراحل بيار بورديو في كتابه "الهيمنة الذكوريّة" 1998، من خلال دراسة اتنولوجية للمجتمع القبائلي في المغرب العربي. بمعنى آخر الوعي "الذكوري" الفلّوقراطي ما زال يتحكّم بالعلاقات بين البشر، نساء ورجالاً. وقد لا يكفي تطوّر أنماط الانتاج وحدها لتجاوزه نحو وعي مغاير. وكثيراً ما طغى على أدبيات بعض المناضلات النسويّات وسلوكهنّ ومواقفهنّ، ذلك "الوعي الذكوري" السلطوي نفسه الذي يكافحن من أجل تجاوزه. وتحوّل بعضهنّ الى قوة محافظة تمارس التحريم والرقابة... الصراع بين المرأة والرجل لم يتغيّر اليوم... ما تغيّر هو طريقة تحديد طرفي الصراع، بل رسم خطوط التماس بين الخنادق المتواجهة. انتقلت المواجهة من الاطار العام كل الرجال ضدّ كل النساء، إلى الاطار المصغّر والحميم العلاقة الجدليّة بين الذكورة والأنوثة: داخل اللغة، داخل النصّ، داخل منظومة القيم، داخل كلّ فرد أيّاً كان جنسه. في كلّ منا رجل وامرأة يتنازعان، وكلّ منّا مطالب بإيجاد توازن جديد بين عنصر "الذكورة" وعنصر "الأنوثة" في تكوينه النفسي، وخياراته وسلوكه. وهذا لا يلغي طبعاً أهميّة مواصلة العمل بكل الوسائل المتاحة، من أجل تغيير الاعراف البالية والذهنيات المتحجرة والقوانين الجائرة التي ما زال حضورها طاغياً في مجتمعاتنا، والتي تكرّس استعباد المرأة واستغلالها، وتحملها أوزار شتّى الاساءات المعنويّة والنفسية والجسديّة، وتجعل المجتمع ينظر اليها بصفتها كائناً ناقصاً لا يمكنه أن يكون مستقلاً، أو أن يكون مسؤولاً، وأن يتداول السلطة مع الرجل! وهنا بيت القصيد...