تمر السينما المصرية هذه الأيام بمرحلة جديدة على ما يبدو سيكون من نتائجها إحداث تغيرات عدة في المفاهيم والنظرة الى الأمور كثيرة داخل الوسط السينمائي المصري وداخل عقلية صناع السينما أنفسهم. فمنذ سنوات سيطرت موجة أفلام الكوميديا على الساحة بنجومها الشباب، ووصل الى القمة فنانون قدموا من الصفوف الخلفية حققت أفلامهم الملايين وتحولت اثر ذلك السينما إلى ما يسمى بسينما الرجل. لكن الحال لم تستمر هكذا طويلاً إذ في شكل مفاجئ تراجعت ايرادات أفلام موجة "نجوم الكوميديا" التي راهن الكثير على استمرارها وخصوصاً الأفلام الأخيرة التي عرضت في الموسمين الماضي والحالي، في حين زاد نجاح نجم كبير مثل عادل أمام وحقق فيلمه الأخير "تجربة دانماركية" وقبله فيلمه "أمير الظلام" إيرادات عالية جعلته يتربع في مكانه. أيضاً حققت أفلام لم يتوقع لها أحد النجاح - حتى اصحابها - ايرادات بالملايين وحصدت النجاح الفني والجماهيري وأبرز دليل على ذلك فيلم "سهر الليالي". جانب آخر بدأ يبرز على السطح وهو عودة أفلام المرأة وعودة البطولة النسائية بقوة بعد أن غابت وتوارت لسنوات عدة سيطر فيها البطل الرجل. ويتوقع الجميع أن تزداد هذه الموجة السينمائية خصوصاً ان هناك عدداً من الأفلام يجرى التحضير لها وبعضها بدأ تصويره بالفعل وكلها تعتمد على البطولة النسائية كما حدث في "كلم ماما" و"خالتي فرنسا" و"حب البنات" و"من نظرة عين". سؤال قديم/ جديد وكل هذه المتغيرات تجعلنا نعود وبشدة لطرح سؤال قديم أصبح يفرض نفسه بقوة على الساحة السينمائية هذه الأيام ويحتاج الى إجابة صادقة وعاجلة وموضوعية من السينمائيين أنفسهم. السؤال هو ما هو المقياس الحقيقي لنجاح الفيلم السينمائي حالياً؟ وهل يتحقق ذلك من خلال النجاح الجماهيري وحده؟ أم من خلال المستوى الفني المرتفع الذي يرضي النقاد ويحصل على الجوائز؟ وهل هناك توليفة سينمائية معينة اصبحت تجذب جمهور السينما في شكل أكبر؟ المخرج الشاب هاني خليفة مخرج الفيلم/ القنبلة "سهر الليالي" الذي حقق نجاحاً جماهيرياً وفنياً عاصفاً وغير متوقع وقلب الكثير من الموازين السينمائية في مصر، يقول: "السينما فن جماهيري وهي بلا جماهير تقبل عليها وتزدحم بها صالاتها تصبح سينما بلا معنى وتفقد قيمتها، في وجهة نظري الفن الذي لا يقبل عليه الناس هو فن فاشل والعيب هنا عند صانعيه ومبدعيه. فأنا ضد مقولة فيلم تجاري وفيلم مهرجانات. التصنيف هنا خطأ كبير فيجب أن نقول اما فيلم أو لا فيلم. والنجاح من وجهة نظري هو النجاح الذي تؤكده الجماهير فما معنى أن أقدم فيلماً لا يستمر عرضه وينصرف عنه الجمهور وأحصل من خلال الفيلم نفسه على جوائز عدة في مهرجانات سينمائية منحها إليّ أشخاص عدة". ويضيف: "لذلك أنا لا أعترف بأن النجاح على المستوى الفني هو النجاح المطلق والحقيقي. الذي يحسب كنموذج للنجاح الحقيقي هو المزيد من إقبال الجمهور على أفلامي وقد أشاد الكثير من نقاد السينما في مصر بفيلم "سهر الليالي". صحيح هذا اسعدني لكن الذي أسعدني أكثر هو نجاحه الجماهيري. وهذا من وجهة نظري هو المقياس الحقيقي لنجاح الفيلم السينمائي". ويواصل خليفة: "أما التوليفة المضمونة للنجاح فتكاد تكون مستحيلة، ولو أراد ان يفعلها أي مخرج لفشل، من المفروض ان يراعي صانع الفيلم - أي فيلم - كل مستويات الجودة في فيلمه بدءاً من الفكرة مروراً بالسيناريو ثم بقية فروع العملية السينمائية. وهذا وحده كفيل بالنجاح لو تحقق". أحمد السقا: الفن علاقة ويتفق الفنان احمد السقا مع رأي هاني خليفة ويقول: "السينما والفن عموماً يصنعان من اجل أن يقدما للمتلقي. والعمل الفني هنا هو الذي يمثل العلاقة بين المبدع والمتلقي. والسينما في شكل أكثر تحديداً من أكثر الفنون جماهيرية، لذلك فهي تقدم لمستهلك هو الجمهور وهي فن وصناعة. لذلك فالجمهور في السينما هو الأساس. لذلك اعتبر ان نجاحاً لفيلم يقاس بمدى إقبال الجماهير عليه فأي فنان سينمائي في العالم سواء كان مخرجاً أم مؤلفاً أم ممثلاً لا يهمه أن يقدم أفلامه للنقاد فقط والمقاعد خالية في دور العرض". ويضيف: "وأنا اختلف كثيراً مع من يقول إن جمهور السينما الحالي ليس مقياساً لجودة الفيلم لأنه يقبل أحياناً وبكثافة على افلام قليلة القيمة. انا ضد هذا الكلام، فجمهورنا ذكي وحساس ويملك من الوعي ما يجعله يفرق بين الجيد والتافه، فهو يقبل على العمل الذي يلمس في داخله وتراً ما لذلك الفيلم الذي لا يصل للناس ولم يفهموه ويتفاعلوا معه ويحبوه هو فيلم فاشل". ويؤكد أن العمل الفني كلما كان بسيطاً وصادقاً ومعبراً عن الناس كلما وصل اليهم أكثر وأحبوه وتفاعلوا معه. حديث النقاد بعض النقاد لهم آراء مختلفة يرون أن الأساس في صناعة السينما هو تقديم الفن الجيد وتقديم الرؤية والفكر، إذ يجب أن يصعد الفنان بجمهوره بدلاً من ان يهبط به. اما الناقد رفيق الصبان فيقول: "نحن ظلمنا الجمهور كثيراً عندما اطلقنا عبارة "الجمهور عاوز كده" لأن الجمهور في رأيي يحب الفن الجيد ويقبل عليه ويتفاعل معه. واذا قدمنا للناس افلاماً جيدة بكل تأكيد ستحقق النجاح والدليل على ذلك ان هناك - على مدار تاريخ السينما - مخرجين قدموا أفلاماً وسينما رائعة للغاية من حيث المستوى الفني والفكري والرؤية السينمائية، وحققت أفلامهم النجاح الجماهيري الهائل وأحبهم الناس، من امثال الراحلين صلاح ابو سيف، حسين كمال وعاطف الطيب وامثال الموجودين رأفت الميهي وشريف عرفة ومحمد خان وخيري بشارة وداود عبدالسيد". ويضيف: "وهذا يؤكد ويدل الى أن النجاح الجماهيري والنجاح الفني في وقت واحد ليسا عملية معقدة او معادلة مستحيلة. اما الحديث عن مقاييس ومواصفات "خلطة سينمائية" معينة تحقق النجاح في الجانبين معاً، فليست هناك معادلة ثابتة لهذه التوليفة لكن المؤكد ان الفن الجيد هو الذي ينجح ويبقى في ذاكرة الناس". ما قاله الناقد رفيق الصبان يجعلنا نطرح سؤالاً آخر: كيف نوجد المعادلة ونخلق التوازن بين الفن الجيد والجماهيرية؟ حيث نقدم افلاماً ناجحة فنياً وفي الوقت نفسه لا ينفر منها الجمهور، بل يحبها ويقبل عليها. نور الشريف: الفن والصناعة معاً يقول نور الشريف: "أنا ضد أن نقدم أفلاماً لا يراها الجمهور وأيضاً ضد أن تكون افلامنا قليلة القيمة من الناحية الفنية. نعم السينما فن وصناعة ويجب أن يسير الاتجاهان معاً وفي شكل شخصي حاولت جاهداً في افلامي ان يكون هناك توازن بين قيمة العمل ومدى اقبال الناس عليه وهذا ليس صعباً بدليل أنني قدمت أفلاماً حققت النجاح الجماهيري الهائل وهي ايضاً افلام رفيعة المستوى من ناحية القيمة الفنية مثل "المصير"، "العار"، "جري الوحوش"، "كلام في الممنوع" وغيرها". ويشير الى أننا "لا يجب أن نغفل جانباً لحساب جانب آخر فلا نقدم أفلاماً هابطة المستوى ونقول عنها انها أفلام جماهيرية ثم نقدم افلاماً عالية المستوى ونسميها افلام مهرجانات. فالتوازن مطلوب ونجاح الفيلم - من وجهة نظري - يقاس بمدى نجاحه الفني والجماهيري، وبمدى تجاوب الجمهور معه". وتتفق الهام شاهين مع ما قاله نور الشريف وتؤكد أن فيلمها "يا دنيا يا غرامي" الذي قدمته منذ سنوات قليلة مع المخرج مجدي احمد علي كان دليلاً الى هذا التوازن، فنجح الفيلم جماهيرياً وحقق ايرادات جيدة في الوقت نفسه لاقى إعجاب النقاد وحصل على الكثير من الجوائز. وتضيف الهام شاهين: "اما أهم مقياس لنجاح الفيلم فهو ليس شباك التذاكر والايرادات ولا كم الجوائز التي يحصل عليها الفيلم والمهرجانات التي يسافر لها، بل ان النجاح الحقيقي لأي فيلم لا يظهر في حينه بل يظهر في استمرار هذا الفيلم أو هذا العمل وتعلق الناس به لسنوات طويلة. والدليل الى ذلك أفلام عظيمه رائعة أحبها الجمهور جداً وعاشت في وجدانهم ولا تزال على رغم أنه مضى على بعضها اكثر من ثلاثين وأربعين عاماً مثل "شيء من الخوف" و"الزوجة الثانية" و"في بيتنا رجل" والكثير والكثير من الافلام التي على المستوى نفسه". ويرى المخرج علاء كريم انه من المستحيل أن نضع ايدينا على توليفة سينمائية معينة ونقول انها مضمونة النجاح. فالسوق السينمائية في الوقت الحالي شديدة التغيّر والجمهور يلعب دوراً كبيراً في ذلك حيث اصبحت معرفة ذوقه وما يفضله وما يرفضه أمراً بالغ الصعوبة. بدليل أن هناك أفلاماً تنجح في شكل غير مسبوق ولم يتوقع لها أحد هذا النجاح حتى صانعوها أنفسهم فوجئوا بنجاحها وأفلاماً أخرى لم تحقق النجاح المطلوب على رغم مكانة نجومها". ويضيف: "وللخروج من هذا المأزق على الفنان السينمائي ان يبتعد تماماً عن أي مقاييس مسبقة ويقدم فيلمه في شكل ومستوى لائق من الناحية الفنية على أن يكون بسيطاً وصادقاً ويترك النتيجة والحكم بعد ذلك للناس واعتقد أن الجمهور لن يخذله".