شهدت أوزبكستان تفجيرات ومواجهات مع تنظيمات متطرفة محظورة لليوم الثاني على التوالي أمس، ما أثار مخاوف من امتداد العنف إلى جمهوريات آسيا الوسطى المجاورة، لتتحول المنطقة مركزاً جديداً للنشاط الإرهابي. واتهمت أوزبكستان "جهات أجنبية" بالوقوف وراء العنف الذي أسفر عن عشرات القتلى والجرحى، وذلك في إشارة إلى تنظيم "القاعدة". وبدأت طشقند ملاحقات واسعة ضد ناشطي التنظيمات المحظورة وأبرزها "حزب تركستان الإسلامي" الذي يعتقد بأن زعيمه طاهر يولداشيف نجح في الإفلات من الحملة التي شنها الجيش الباكستاني قرب الحدود مع أفغانستان، على رغم أنباء عن إصابته بجروح. لم يكد الجدل حول تفجيرات مدريد وتداعيات الحملة التي شنها الجيش الباكستاني على الحدود مع أفغانستان يهدأ، حتى تحولت الأنظار نحو أوزبكستان التي أصبحت هدفاً جديداً لضربات الإرهابيين، إذ شهدت يومي الاثنين والثلثاء أمس سلسلة تفجيرات استخدم منفذوها الأسلوب الانتحاري للمرة الأولى. وذكر المدعي العام الأوزبكي رشيد جون قادروف أن سيدتين على الأقل فجرتا عبوات ناسفة كانت مربوطة إلى جسديهما في وسط العاصمة طشقند، فيما شهدت مدينة بخارى شمال العاصمة هجمات مماثلة، أول من أمس. وبلغت حصيلة الضحايا في اليوم الأول 19 قتيلاً وعشرات الجرحى. وأعلنت أجهزة الأمن عن تدابير غير مسبوقة. لكن ذلك لم يحل دون تواصل الهجمات أمس، إذ تحولت طشقند إلى ساحة مواجهة ساخنة. وذكرت الأجهزة الأمنية أن عمليات واسعة لتعقب الإرهابيين جرت، فيما أكد شهود أنهم سمعوا دوي انفجارات ضخمة تلاها إطلاق نار كثيف في عدد من أحياء العاصمة. وأفادت مصادر أن مواجهات مماثلة وقعت على بعد نحو 15 كيلومتراً خارج طشقند. طن من المتفجرات وفي حين تكتمت السلطات على أعداد الضحايا، فإن مراقبين تحدثوا عن وقوع عشرات القتلى. وأشارت وكالة أنباء "إيتار تاس" الروسية إلى أن تسعة إرهابيين على الأقل قتلوا في المواجهات. ونقلت عن مصادر رسمية أنه عثر على نحو طن من المتفجرات قبل أن يتمكن المهاجمون من تفجيرها وقالت سفيتلانا آرتيكوفا الناطقة باسم المدعي العام أن "الشيء الوحيد الذي يمكنني التصريح به هو أن عملية القبض على الإرهابيين جارية، وهم بالطبع يقاومون". واتهم الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف في كلمة وجهها عبر التلفزيون المحلي "جهات أجنبية" بالوقوف وراء الهجمات. واعتبر أنها موجهة لزعزعة الاستقرار في بلاده، مشيراً إلى أن الهجمات الأخيرة "جرى تنسيقها بشكل محكم وخطط لها منذ شهور"، فيما ربط وزير خارجيته صادق صفاييف الأعمال الإرهابية بأفكار حزب التحرير الإسلامي المحظور، لكن ناطقاً باسم هذا الحزب نفى تورطه في الأحداث وأكد أنه جمد كل عملياته العسكرية خلال الفترة الأخيرة. وأبلغت "الحياة" مصادر ديبلوماسية في العاصمة طشقند أن الملاحقات طاولت عدداً من الناشطين في "الحركة الإسلامية الأوزبكية" وهي تنظيم محظور، غيّر اسمه قبل فترة وجيزة ليصبح "حزب تركستان الإسلامي". وكان هذا الحزب أعلن مسؤوليته عن سلسلة هجمات مماثلة وقعت عام 1999 استهدف أبرزها مكتب رئاسة الحكومة. زعيم الإرهابيين يولديشيف وأضافت المصادر أن مقاتلي الحزب تلقوا تدريبات في معسكرات "طالبان" و"القاعدة" في أفغانستانوباكستان. وكان زعيم الحزب جمعة نامانغاني قتل خلال مواجهات مع رجال الشرطة. وتولى رئاسة الحزب خلفاً له طاهر يولداشيف الذي يعتقد أنه تمكن من الإفلات أخيراً خلال عملية واسعة شنها الجيش الباكستاني في إقليم وزيرستان الباكستاني، على رغم تقارير عن إصابته بجروح. ولم يستبعد مصدر أوزبكي تحدث إلى "الحياة" في موسكو أن تكون المواجهات الجارية مقدمة لنشاط إرهابي واسع في أوزبكستان قد يمتد ليشمل جمهوريات آسيا الوسطى كلها. وحذر من تحولها إلى حرب أهلية واسعة قد تطاول نيرانها جيران أوزبكستان. ولفت إلى أن كازاخستان وطاجيكستان المجاورتين اتخذتا أمس إجراءات أمن غير مسبوقة تحسباً لمثل هذا الاحتمال. ورأى المصدر أن "الأرضية مهيأة" في المنطقة لتغدو مركز تحرك أساسي للإرهابيين الذين يواجهون حالياً مصاعب في باكستان، إذ تعزز نفوذ الحركات المتطرفة في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد حملات تنكيل واسعة طاولت الإسلاميين في أوزبكستان وطاجيكستان. كما أن تحول المنطقة خلال وبعد الحرب الأفغانية إلى ساحة تمركز للقوات الأميركية، أسهم في تعزيز مواقع المعارضين. واشنطنوموسكو ومعلوم أن الولاياتالمتحدة تحتفظ بقواعد عسكرية في عدة جمهوريات إسلامية تحت ذريعة الحرب على الإرهاب. وكانت الهجمات الإرهابية الأخيرة أثارت مخاوف في واشنطن. ونددت الولاياتالمتحدة بشدة بها. وقال الناطق باسم البيت الأبيض سكوت مكليلان إن بلاده "تقف بثبات وراء حليفتها" أوزبكستان، مضيفاً أن الهجمات تعمل على "تقوية عزيمتنا في التغلب على الإرهابيين والتعاون مع أوزبكستان وشركائنا الآخرين ضد الإرهاب". وفي موسكو أصدرت الخارجية الروسية بياناً استنكرت فيه هجمات أوزبكستان واعتبرتها حلقة جديدة ضمن حلقات الإرهاب الدولي.