لم تمض ساعات طويلة على تحقيق مجلس الحكم الانتقالي في العراق "انجاز" اللحظة الأخيرة الذي تمثل في التوصل الى الدستور الموقت، حتى حصدت مجزرتان في كربلاء وبغداد مئات الضحايا، بينهم نحو 143 قتيلاً، بتفجيرات وجهت أميركا أصابع الاتهام فيها الى "أبي مصعب الزرقاوي" الذي يعتقد بأنه قيادي في تنظيم "القاعدة". ومع مئات الضحايا، أطاحت التفجيرات مراسم توقيع الدستور الموقت، فتأجلت، فيما سادت تحذيرات من "الفتنة الكبرى" ومحاولات اشعالها التي تزامنت مع ذكرى عاشوراء. وترددت أصداء المجزرتين في المنطقة وعواصم عدة معنية بالوضع في العراق، لكن المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني لام قوات الاحتلال، محمّلاً اياها مسؤولية الفشل في ضمان أمن الحدود، في حين اتهم نائب الرئيس الايراني محمد علي ابطحي "القاعدة" بالتفجيرات المتزامنة في العراق وباكستان. وأفادت وكالة "اسوشييتد برس" ان ابطحي اعتبر في رسالة نشرها موقعه الشخصي على الانترنت ان "جماعة القاعدة الرجعية توصلت الى استنتاج فحواه ان لديها عدوين: الولاياتالمتحدة كعدو سياسي والشيعة كعدو ايديولوجي". وكانت وثيقة نسبت الى الزرقاوي حملت بعنف على الشيعة، وحرّضت على حرب طائفية في العراق. كما نسبت "اسوشييتد برس" الى مصدر في الشرطة العراقية في البصرة ان الشرطة اعتقلت مجموعة من الأشخاص بينهم سوري وعراقي، كانوا خارج مسجد سيد علي الموسوي وفي حوزتهم متفجرات. وعلى وقع اجلاء القتلى والجرحى في بغداد وكربلاء، توالت الدعوات الى التهدئة، وفي مقدمها نداء السيستاني الذي حمّل مصدر قريب منه الأميركيين المسؤولية عن التقصير في ضمان الأمن، معتبراً أن همّهم ينصب على "اثبات عجز العراقيين عن اجراء انتخابات". وبين ردود الفعل اللافتة أيضاً، كانت حملة الأمين العام ل"حزب الله" حسن نصرالله على "العقل الطالباني" و"الظلاميين والمتحجرين"، وتشديده على أن أميركا واسرائيل هما المستفيدان من الفتنة في العراق، وأن هذا البلد "ليس افغانستان". وحض عضو مجلس الحكم الانتقالي محمود عثمان "قادة السنة والشيعة" على "الجلوس معاً والتعاون من أجل مواجهة الارهاب والأخطار التي تحيط بالعراق"، في حين قال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ان "الأعمال الارهابية" لن تفلح في إثارة فتنة. وتعهد الحاكم الأميركي بول بريمر ملاحقة مدبري مجزرتي كربلاء وبغداد اللتين تزامنتا مع محاولة لاغتيال قياديين في حزب جلال طالباني الاتحاد الوطني الكردستاني في كركوك. وقتل 143 شخصاً وجرح 465 في هجمات متزامنة تقريباً في بغداد وكربلاء وسط بينما كان ملايين الشيعة يحيوون ذكرى عاشوراء. وأعلن مجلس الحكم الانتقالي في العراق الحداد ثلاثة أيام في كل المدن العراقية وارجأ توقيع قانون ادارة الدولة الذي كان مقرراً اليوم. وقال الجنرال الأميركي مارك كيميت مساعد مدير العمليات العسكرية في العراق خلال مؤتمر صحافي في بغداد ان الأردني أبو مصعب الزرقاوي الذي يشتبه بأنه على علاقة بتنظيم "القاعدة"، هو أحد المشتبه بهم الرئيسيين في هجمات كربلاء وبغداد. واتهم نائب الرئيس الأميركي دك تشيني الزرقاوي أيضاً "لاشعال حرب طائفية بين الشيعة والسنة". وفي كربلاء قتل 85 شخصاً وأصيب 240 بجروح في تسع عمليات انتحارية وقعت بالتزامن تقريباً وفق حصيلة أعلنها قاضي التحقيق في هذه الهجمات أحمد الهلالي. وأوضح القاضي ان هناك "85 قتيلاً و240 جريحاً" مضيفاً ان هذه الأرقام مصدرها المستشفيات والشرطة. وأكد مسؤول في الشرطة المحلية جاسب الجبوري هذه الحصيلة. وأوضح الجنرال كيميت ان هجمات كربلاء نفذت بثلاث وسائل هي "انتحاري في وسط المدينة ومتفجرات زرعت على طول الطريق خارج المدينة وتم التحكم بها عن بعد وقذائف هاون أطلقت من خارج المدينة". أما في بغداد فتحدث الجنرال كيميت عن سقوط 58 قتيلاً في حين قال وزير الصحة خضير عباس ان 54 شخصاً قتلوا وجرح 225 في اعتداء استهدف ضريح الإمام الشيعي موسى الكاظم. ومن الصعب الحصول على حصيلة نهائية للضحايا بسبب الفوضى التي تلت الانفجارات الناجمة على ما يبدو عن هجمات انتحارية عدة. وأفاد حراس ان أربعة انتحاريين نفذوا الهجوم. وفي ايران قال الناطق باسم وزارة الداخلية جهانبخش خانجاني ان أربعين أو خمسين ايرانياً قتلوا أو جرحوا في انفجارات بغداد وكربلاء. وفي وارسو أعلن متحدث باسم الجيش البولندي ان أجهزة الأمن في كربلاء ضبطت "ارهابيين بالجرم المشهود" واعتقلتهما لمشاركتهما في الاعتداءات التي شهدتها المدينة. وأكد الحاكم المدني الاميركي للعراق بول بريمر أمس، ان التحالف سيمارس كل سلطته "لاحالة القتلة على القضاء"، وقال في بيان نشر في بغداد: "ان التحالف لن يتخلى عن الشعب العراقي ... وانني أتعهد باستخدام كل الوسائل التي في حوزة التحالف لاحالة هؤلاء القتلة على القضاء". السيستاني والحكيم وقال السيستاني في بيان ان قوات الاحتلال تتحمل مسؤولية المجزرتين لتقصيرها في السيطرة على حدود العراق "ومنع المتسللين"، وعدم تعزيز القوات الوطنية وامدادها بالعتاد اللازم لأداء مهماتها. ودعا العراقيين الى توخي قدر أكبر من اليقظة للرد على "دسائس العدو" وطالبهم ببذل قصارى الجهد لتحقيق الوحدة وأن يكون لهم "صوت واحد للاسراع باستعادة السيادة الجريحة" للبلاد واستقلالها. واعتبر عضو مجلس الحكم الانتقالي رئيس "المجلس الأعلى للثورة الاسلامية" في العراق عبدالعزيز الحكيم ان "السياسات الخاطئة" التي تتبعها قوات الاحتلال في العراق تجعلها تتحمل "المسؤولية الأولى عن المجازر". وقال في بيان ان "السياسات الخاطئة لقوات الاحتلال في كيفية التعامل مع الملف الأمني تتحمل المسؤولية الأولى في مثل هذه المجازر التي تحصل لابناء شعبنا". وأضاف: "ليعلم اولئك الارهابيون المجرمون الذين كانوا وراء مثل هذه الجرائم البشعة وانتهاك الحرمات انهم سيدفعون ثمناً باهظاً ازاء اجرامهم بحق شعبنا". وأوضح ان "شعبنا لن يسمح لهم بأن يسرحوا ويمرحوا في البلاد ويمارسوا هذه الجرائم المقززة وسيضع حداً لهذا العدوان المستمر". ودعا الحكيم العراقيين الى "ضبط النفس وعدم الوقوع في فخ الاستفزازات". نصرالله وقال نصرالله: "جاؤوا بالأمس فقتلوا بعض العلماء السنة في العراق وأطلقوا النار على بعض مساجد السنة وحسينيات الشيعة ومساجدهم في العراق، اذاً هناك جهات مصرة على استمرار هذا المخطط وهذه المؤامرة واستكمالها. يجب أن نهدأ قليلاً، ان نستوعب الصدمة، ان نمتص الألم ونشد على الجروح وندقق لنكتشف تلك الأيدي. الهدف واضح هو الفتنة، والمستفيد الأول منها الولاياتالمتحدة والادارة الاميركية". وأضاف: "صحيح ان الحدود مفتوحة في العراق، الجميع يستطيع ان يدخل ويفعل ما يشاء لكن من أقوى الداخلين الى الساحة العراقية، الذين ادخلوا كوادر وجنرالات وأموالاً وامكانات وشكلوا شبكات في كل المناطق العراقية هم الاسرائيليون والموساد الاسرائيلي. فاسرائيل هي المستفيد الأول من الفتنة بين المسلمين".