سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قصة ليلة غير مسبوقة وطريقة غير مألوفة انتهت بقرار تونسي "سيادي" بإرجاء القمة . تأييد واسع لدعوة مبارك ودول تتفهم قرار بن علي وموسى يستبعد لقاء قريباً وسعود الفيصل في القاهرة اليوم القمة الضائعة تؤكد الارتباك العربي واستضافتها تفجر خلافاً مصرياً -تونسياً
بعد التأجيل التونسي، دخلت القمة العربية في تجاذب بين مصر التي انبرت للدعوة الى قمة جديدة معتبرة أن تونس أخرجت التأجيل على أنه "الغاء"، وبين تونس نفسها التي أعادت صوغ موقفها الأولي لتعلن تمسكها ب"حقها" في "احتضان القمة". وفيما أعلن ان الرئيس زين العابدين بن علي سيقوم بمشاورات مع الزعماء العرب خلال الأيام المقبلة، أجرى الرئيس حسني مبارك اتصالات بكل من ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذين ايدوا اقتراح عقد القمة في "دولة مقر الجامعة، اي مصر" والتي يصل اليها اليوم وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل راجع ص5 و6. وبدا أن التجاذب المصري - التونسي سينعكس على الجامعة العربية في ظل تباين المواقف من التأجيل التونسي والدعوة المصرية، وارتسام نوع من الاصطفاف وراء هذين التوجهين. وظهرت مخاوف من "انشقاق" داخل الجامعة، خصوصاً إذا مالت دول المغرب العربي إلى التضامن مع تونس، في حين أن دولاً عدة اعلنت تأييدها لموقف مصر. ومن الواضح أن الإخراج غير الديبلوماسي الذي اتبعته تونس لاتخاذ قرار التأجيل، وإن كان سيادياً، هو الذي استدعى رد الفعل المصري. إذ لم تجر تونس أي مشاورات أو اتصالات عربية تمهيداً لقرارها، كما أن طلب وزراء خارجية السعودية ومصر وسورية اللقاء مع الرئيس التونسي لم يُستجب، وأُبلغ الوزراء أن الرئيس لا يستطيع استقبالهم بداعي المرض. وهكذا فإن شظايا انفجار القمة تتجه لتصيب النظام العربي كله وتطيح الجامعة العربية التي كان الأمل يحدو العرب لأن تكون تونس نقطة انطلاق لمعالجة أمراضها وتفعيل أدوارها. القاهرة عبرت عن موقفها باتصالات اجراها الرئيس حسني مبارك مع عدد من القادة حصل منها على تأييد صريح من بعضهم. وفي السياق فإن وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل سيصل الى العاصمة المصرية اليوم لمزيد من التنسيق بين البلدين. وعكس بيان اصدرته رئاسة الجمهورية في مصر كون القرار التونسي بالتأجيل هبط كالصاعقة على الجميع. فبعد ابداء الدهشة والأسف لفت إلى أن ما جرى "يعد خروجاً على القاعدة التي تم اعتمادها بضرورة عقد القمة سنوياً"، ورد البيان على "الحجج" التونسية عن الخلافات قائلاً: "إن الخلافات والتباينات في رؤى الحكومات العربية أمر طبيعي ومنطقي تشهده المؤتمرات الاقليمية والدولية عادة كما حدث في قمم عربية سابقة وعندئذ يكون من المتعين العمل على تسوية هذه الخلافات أو رفعها إلى مستوى القمة للقطع فيها بموقف جماعي واحد". وعبر البيان عن الموقف المستقبلي "ان مصر ترى ضرورة عقد تلك القمة على وجه السرعة للبحث في القضايا المطروحة بالتشاور مع الزعماء العرب"، وأبدى "ترحيب مصر بعقد القمة في دولة المقر في أقرب وقت ممكن يتم الاتفاق عليه". ولأن ما جرى في تونس صدرت عنه ردود في أماكن أخرى خصوصاً في مصر، فإن تونس وجدت نفسها أمس في موقف يجبرها على محاولة كسب القلوب والعقول، سواء بتبرير ما حدث مجددا أو بالتمسك بأن تكون القمة المقبلة في تونس على رغم كل ما جرى. إذ صدر سريعاً بيان رسمي تونسي كان واضحاً انه جاء للرد على التحركات المصرية والمساندة التي أبدتها دول أخرى لدعوة القاهرة. ووصف البيان التحركات المضادة بأنها صادرة عن "بعض الجهات التي تتجاهل الاسباب الحقيقية لقرار تأجيل القمة"، ثم كرر الاسباب التي اعلنت سابقاً، إذ رأى أن "محاولة تغيير مكان القمة يعد تغييباً للأسباب الحقيقية الكامنة وراء قرار التأجيل"، لافتاً الى أن "تلك الاسباب حظيت بمساندة عدد من الدول العربية"، وأعلن تمسك تونس بحقها في احتضان القمة ودعا مجلس الجامعة الى الانعقاد في أقرب الآجال لمواصلة التنسيق وتهيئة أفضل الظروف لنجاح القمة. وأضفى رد الفعل الإسرائيلي على تأجيل القمة بظلاله على الجميع بعدما اعتبر أن التأجيل مؤشر على أن الدول العربية تسير في اتجاه ايجابي، وعبر الوزير اللبناني جان عبيد عن الموقف بأنه مأساة وكارثة، ورأى أن ما جرى بالفعل يصب في مصلحة إسرائيل. السرعة الكبيرة التي غادر بها وزراء الخارجية وفريق الجامعة العربية الاراضي التونسية عكست حجم الصدمة التي أصابت الجميع حتى أن سيدات من موظفي الجامعة العربية بكين بشدة عندما تسلل إليهن الشعور بأن مصير الجامعة صار في مهب الريح. وعلى رغم قيام التلفزيون التونسي بتغيير برامجه وبث حوارات مع مؤيدين "لقرار التأجيل" إلا أن وزير الخارجية المغربي محمد بن عيسى الذي التمس العذر لتونس واتهم وسائل إعلام بتخريب القمة قبل أن تبدأ، لم يستطع أن يعلن وهو يتحدث الى التلفزيون الرسمي التونسي موقفا رسمياً معارضاً لعقد القمة في مصر. وقال إنه يتشاور مع "صديقه" الأمين العام للجامعة عمرو موسى في شأن ما سيجري مستقبلاً. غير أن أكثر من وزير اكدوا ل"الحياة" أن الطريقة التي اتخذ بها قرار التأجيل كانت السبب الأكبر في الأزمة وتداعياتها، وقال أحدهم إن الوزراء شعروا بأنهم يطردون حتى من المكان الذي كانوا يجتمعون فيه. في موازاة ذلك، اعلن وزير الدولة العماني للشؤون الخارجية يوسف بن علوي بن عبدالله ان الرئيس التونسي سيجري خلال الأيام القليلة المقبلة اتصالات مع الزعماء العرب لتحديد موعد آخر للقمة. وقال الوزير العماني، قبيل مغادرته تونس وبعد تلقيه اتصالاً من نظيره التونسي الحبيب بن يحيى: "مما لا شك فيه ان هناك اسباباً أدت الى هذا التأجيل"، موضحاً ان الرئيس التونسي "سيقوم باتصالات ومشاورات مع الزعماء العرب خلال الأيام الخمسة المقبلة لتحديد موعد آخر لانعقاد القمة في ضوء هذه المشاورات المنتظرة". وفي القاهرة، اكد موسى الذي وصل اليها مساء بدء مشاورات مع الدول الاعضاء لعقد قمة عاجلة "لعلاج الموقف الحالي"، محذراً من ان "تأجيل القمة يعد حدثاً خطيراً في مثل هذه الظروف". وأوضح موسى رداً على أسئلة الصحافيين ان المشاورات الدائرة الآن تتم بين دولة مقر الجامعة العربية مصر ورئاسة القمة الحالية البحرين والرئاسة المقبلة للقمة، تونس، مشيراً الى ان "القمة لن تعقد مباشرة، فلا بد من اجتماعات لوزراء الخارجية والإعداد، ووضع ما تم التوصل اليه في تونس في الاعتبار"، مستبعداً ان يعقد اجتماع وزراء الخارجية العرب خلال الاسبوع الحالي. في الرياض، علم ان ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس حسني مبارك اتفقا على العمل لعقد قمة في أقرب فرصة في القاهرة واجراء الاتصالات اللازمة بين القادة العرب للاتفاق على موعد مناسب لها. وأفاد مصدر مطلع ان الأمير عبدالله تبادل، خلال اتصال هاتفي اجراه معه الرئيس مبارك وجهات النظر في شأن الظروف التي أدت الى تأجيل تونس للقمة، وان الجانبين اتفقا على "ضرورة تهيئة الظروف والأجواء الايجابية للقمة العربية في القاهرة حتى تضمن هذه الاجواء حضور جميع القادة العرب أو معظمهم لها". وعلمت "الحياة" ان الأمير عبدالله ابدى أسفه لما جرى خلال اجتماعات وزراء الخارجية من خلافات "جعلته يفضل عدم المشاركة في اعمال القمة" كما أبدى أسفه لقرار تونس تأجيل القمة "من دون استشارة أحد من أشقائه الزعماء العرب". ولم تستبعد المصادر العربية في الرياض ان يحضر ولي العهد السعودي القمة التي سيتفق عليها بعد التحضير الجيد لها. في عمان، دعا الملك عبدالله الثاني، في اتصال هاتفي مع الرئيس المصري، الى "تحديد موعد للقمة العربية في اسرع وقت ممكن"، معرباً عن ترحيب الأردن "بعقدها في مصر". وافادت وكالة الانباء الرسمية "بترا" ان الملك أكد لمبارك ان "الأردن سيعمل بالتنسيق والتشاور مع القادة العرب من أجل توفير كل متطلبات نجاح القمة المقبلة"، مشيراً الى ان "الظروف العربية والاقليمية تستدعي ان يكون للعرب موقفهم الموحد الذي يحقق آمال الشعوب العربية وتطلعاتها". ونقلت الوكالة عن وزير الخارجية الأردني مروان المعشر ان "عقد القمة في القاهرة سيمكنها من النجاح". وفي صنعاء، اكد الرئيس علي عبدالله صالح في اتصال مع مبارك ان الظروف والتحولات الكبيرة التي تواجه العالم العربي تحتم انعقاد القمة العربية في مقر الجامعة العربية خلال الأيام القليلة المقبلة. وتوقع وزير الخارجية اليمني الدكتور ابوبكر القربي اجراء اتصالات بين القادة لتحديد موعد القمة ومكانها. ورحبت البحرين، في اتصال هاتفي تلقاه الملك حمد بن عيسى آل خليفة من الرئيس المصري باقتراح عقد القمة في دولة المقر في أقرب وقت يتم الاتفاق عليه.