"تعليم اللغة العربية بواسطة الكومبيوتر وعبرالتلفزيون، وبما يجعلها في متناول أبنائنا في الاغتراب وكذلك لغير العرب". بتلك الكلمات وصف عصام شبارو مدير كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية، المشروع الريادي الذي يُعِدّه قسم "مركز اللغات والترجمة في الجامعة اللبنانية". يتمحور المشروع حول اقامة "جسر"، لغوياً وعلمياً، بين اللغتين العربية والالكترونية، بحيث يعالج الكومبيوتر النصوص العربية، بما يجعل تدريسها سهلاً عبر الحاسوب والتلفزة. ويفترض المشروع تأهيل كوادر قادرة على الاستمرار في هذه المهمة. لذا، تبدأ الجامعة باستقبال الدفعة الأولى في العام المقبل. جاء كلام شبارو، في ندوة عقدت في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية تحت عنوان "معالجة اللغة آلياً: تدريس وطرائق ومقاربات". وتركزت الندوة على ما انجزه غسان مراد الباحث في جامعة السوربون وأستاذ ألسنية المعلوماتية Computational Lingustics في الجامعة اللبنانية. نجح مراد مع فريق من الباحثين في اختراع برنامج على الحاسوب عبر مختبر للبحوث المتخصصة في السوربون، يعمل على الربط بين منطق اللغة وافكارها من جهة ومنطق الحاسوب من الجهة الاخرى. ويشتغل البرنامج على النص، فيجزئه و"يستخلص" المعلومات الواردة فيه، ثم يتعامل مع كل الوثائق التي يرد فيها ذلك النص. تفكيك المعلومات واستخلاصها يحاول مراد تبسيط طريقة عمل برنامجه. ويشير الى انه يعمل عبر مجموعة من الخطوات المتتالية. ففي خطوة اولى، يعمل البرنامج على "تجزئة النص... عليك أن تختار نصك. ومن ثم تعطي أمراً للبرنامج بالتفتيش عن كل مكان يرد فيه هذا النص... وهكذا ينتقي البرنامج كل الوثائق التي تحتوي على النص المطلوب، ويلونه بلون معين مغاير عن المكان الذي يرد فيه". وفي قول آخر، فإن الوظيفة الاولى للبرنامج تتمثل في معرفة الوثائق التي تحتوي على نص معين. لنفترض ان الامر يتعلق ببيت شعر المتنبي "الخيل والليل والبيداء...". في خطوة اولى، نطلب من البرنامج البحث عن ذلك البيت. وينطلق البرنامج، فيعطي كل النصوص التي يرد فيها بيت الشعر المذكور مثل كتب الشعر والمقالات وكتب التراث وما الى ذلك. لكن كيف يمكن البحث عن "فحوى" النص؟ يفيد مراد بأن استخلاص المعلومات من النص يجرى بطريقة مشابهة لما ورد آنفاً. فعند اعطاء البرنامج نصاً معيناً، يبحث عن الكلمات الاساسية فيه، ويكون منها "ملخصاً" للنص كله. وفي معنى ما، فإن العمل الاساس للبرنامج يتمثل في "تفكيك" النص، تمهيداً لاعطاء ملخص عن محتواه. ولا يغيب عن البال أن هذا البرنامج صُنِعَ اساساً في إطار اللغة الفرنسية، واستفاد من ميزاتها اللغوية. وأفاد مراد بأن "مختبر السوربون يتخصص في الابحاث عن الخلاصة الآلية للنصوص اللغوية، اضافة الى بحثه في المعالجة الالكترونية للغة في مجالي النحو والصرف". ومن المشكلات التي استطاع البرنامج حلّها في اللغة الفرنسية، مسألة "رفع الالتباس" اثناء اعداد الملخصات عن النصوص. ما هو رفع الالتباس؟ يختلف معنى الكلمات في اللغة الفرنسية باختلاف الضمائر التي ترافقها، مع أن الكلمات هي نفسها. الاستخدامات العملية للبرنامج يؤمن هذا البرنامج حلولاً لمستخدمي الحاسوب في اللغة والمعلومات في شكل عام مثل الترجمة والتفتيش الذكي عن المعلومات. ويحاول الالتفات الى وضع البكم في ثورة المعلوماتية، والذين تشكل النصوص المكتوبة مدخلهم الاساس الى المعرفة. ويُشكل هؤلاء شريحة مهمة ضمن الذين يمكنهم الاستفادة من البرنامج. ووصف مراد البرنامج بأنه يعالج المعلومات المتراكمة، ويفيد في مجال السعي الى استخلاص المعلومات في شكل ذكي. وتشمل المعالجة الآلية للغات مسائل عدة من ضمنها الترجمة الالكترونية، التي يقوم بها الكومبيوتر عبر دراسة لغوية "شكلية" للنصوص. ولذا، يبقى الفارق واضحاً بين الترجمتين الالكترونية والكلاسيكية. واشار الى جهود مختبر السوربون في مجال دراسة التراكيب اللغوية، بما فيها النحو والصرف، وتحويلها الى تراكيب يقدر الكومبيوتر على التعامل معها. وأثار مراد مقارنة بين النظام الأميركي والنظام الفرنسي. ففي فرنسا لا تُسجل الاختراعات تحت إسم مبتكرها، بل تحت إسم المختبر الذي عمل لديه المخترع. وفي المقابل، حينما يسجل كل اكتشاف بإسم مخترعه اميركياً، تلهث المؤسسات الصناعية وراء ذلك المخترع لاكتسابه للعمل لديها ومن خلالها. ويُذَكِّر هذا العمل على تطويع حروف اللغة العربية لتلائم البيئة الالكترونية للكومبيوتر، بقصة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" اخيراً عن جهود استاذ كومبيوتر عراقي في الاتجاه نفسه. وبحسب تلك الصحيفة، فقد تمكن احسان اللهيب، الذي يقيم في اميركا منذ ثلاثة عقود، من ابتداع طريقة لكتابة الحرف العربي، بحيث تقرأ الكلمة نفسها في الاتجاهين. ابتدأت قصة اللهيب عندما لاحظ ان ابنته الصغيرة لا تتقدم في دراستها اللغة العربية، بالمقارنة مع نظيراتها من بنات الجالية العربية في الولاياتالمتحدة. وعندما سألها عن الصعوبة التي تدفعها بعيداً من لغة الآباء، فوجئ بقولها انها تنظر الى العربية وكأنها لغة تُكتَب بالمقلوب! وسرعان ما تنبه الاب الى ان ابنته نشأت على الانكليزية التي تُكتَب من اليسار الى اليمين، بينما تُكتَب العربية بالعكس تماماً. لذا تراها عينا الطفلة وكأنها لغة "مقلوبة". واستعاد استاذ الكومبيوتر العراقي تراث بلاده المديد في الاشتغال البارع جمالياً على الحرف العربي. أليست العراق مهد الحرف الكوفي الذي استخدم طويلاً للزخرفة والكتابة؟ فكر في ان الحل يكمن في مزيد من "التلاعب" الجمالي بالحرف العربي، بحيث تصبح الكلمات قابلة للكتابة في الاتجاهين، اي كتابة الكلمات بحيث تكون هي نفسها عندما تقرأ من اليمين الى اليسار وبالعكس. وهكذا كان. ويشدد اللهيب على انه لم يبتكر لغة جديدة. وفي المقابل، فإنه يعلم، كمتخصص في الكومبيوتر، ان كتابة اللغة العربية من اليمين الى اليسار، اي على عكس اللغات اللاتينية، هي من صعوبات تأقلم العربية مع البيئة الالكترونية التي تُصنع اساسياتها بالاستناد الى اللغات اللاتينية عموماً. ونال اللهيب براءة اختراع على طريقته الجديدة في كتابة الحرف العربي للكومبيوتر. مدرسة الحياة