أمام كل لوحة من لوحات معرضه الجديد الذي أقامته أخيراً في دمشق صالة السيد وقدّم فيه الفنان التشكيلي اللبناني "هرير" آخر نتاجه التشكيلي، يستوحي "هرير" من المنمنمات الشرقية ومن الفن الإسلامي والبيزنطي والزخرفة والفسيفساء: "أنا أخذت من كل شيء وتأثرت بالتراث. ومن الغرب أخذت التقنية الحديثة". يرسم هرير منذ خمسة وثلاثين عاماً ويعتبر نفسه: "أنا ملوّن. أحب اللون". ولأن اسمه يعني في اللغة الأرمنية "رجل النار" احتفظ ربما باللون الأحمر تحت كل لون. حتى ليخال من يرى لوحاته الزيتية الكثيفة أنها كلها من تداعيات الأحمر. أحمر ما، غير معاصر وربما غير حيّ! من الذاكرة، ذاكرة التراث في ثقافة الفنان البصرية والنظرية. لا يعتبر "هرير" الأسود أو الأبيض لوناً: "اللون موجود في قوس القزح فقط". يصوغ الفنان من وجه الأيقونة الذي يخفي تحته وجوهاً حقيقية يلبس أجسادها أثواباً استعراضية مسرحية تساعد على إخفاء الحركة أو الحياة لتحتفظ الحكاية بعناصرها وكأن اللوحة تخشى الجسد والعين وذلك التواصل التلقائي الذي لا يحتاج إلى استدعاء الحضارات كشاهد على لحظة الفرجة. الأيقونة الجامدة، والجسد المبسط وحوله تحاول الدوائر، دائماً الدوائر، صوغ اللانهاية مروراً بالحياة والموت. وعلى رغم الحرفية القوية والبنية المعمارية التي يتقنها الفنان، وذلك الدوران في المجال المغناطيسي للبعدين اللذين يشكلان مع الخلفية بقع اللون التي تتوزع كمراكز متوازية متناغمة للضوء، إلا أن الظلال لا يتاح لها الامتداد بحرية بين عنق الأيقونة وعينها الفارغة مثلاً، أو التسلل إلى زركشات الأثواب التي تحمل بصمة عصور وعصور. الظلال تبقى في عين المتفرج إذا هو أطال البحث عنها. فهذا الجمع بين الفن البيزنطي والألوان التي تغمر الكرنفالات في العالم، اذ تنقل "هرير" بين البرازيل واليونان ولوس أنجليس وباريس، جعل لأيقوناته قاماتٍ تقترب من لغة الجسد. وجعلت الجسد في بعض اللوحات يعلن عن ظهوره ولو عبر ضوء لا يختلف عن أية مادة أخرى مجاورة لهذا الجسد في اللوحة. كأن الفنان يرى الضوء كالموسيقى التي تساوي بين العناصر. وكأنه بحكم علاقته التي جمعته في مرحلة الستينات في بيروت بيوسف الخال ونزار قباني وأدونيس وسعيد عقل كما يقول، وازن بين الحد الفاصل للغة اللون الشعرية واللون كإيقاع داخلي حاد وقاس لا يفصح ولا يبطن، لكنه يعرض ويسرد بهوية واضحة هي هوية الفنان التشكيلية.