لا يمر أسبوع في عمّان من دون افتتاحٍ معرض تشكيلي، سواء لفنانين محليين أو عرب أو أجانب، لكن يندر أن يشاهد المرء معرضاً للمنمنمات الإسلامية. ووفق مهتمّين، لم يُقَم، منذ ستينات القرن الماضي، سوى عدد محدود من المعارض في هذا الفن، آخرُها في مقر رابطة الفنانين التشكيليين، ويستمر حتى نهاية حزيران (يونيو) الجاري. يتضمن المعرض ثلاثين لوحة، نقوش وزخارف في أشكال حديثة عصرية، وقديمة تراثية، إضافة إلى استعادة الفنانين المشاركين تقنيةَ الفن الإسلامي المتعارف عليها تقليدياً، من استخدام الذهب الحقيقي، والفضة الحقيقية، إلى الألوان الطبيعية، واشتمال اللوحات على رسوم للإنسان بلا ظل، بأحجام صغيرة، وفق التقنية القديمة، أو رسمه بأحجام كبيرة، وفق التقنية الحداثية لفن المنمنمات. وتكتسب مثل هذه المعارض أهميتها نظراً إلى ما تنطوي عليه من جرأة في الطرح، تتجاوز السائد في الثقافة البصرية، خصوصاً أن الخط العربي لم يعد يدرَّس في المدارس والجامعات، وأن الفن الإسلامي جلّه يتمظهر في المساجد، والمصاحف، وبعض المواقع الأثرية، وعلى صفحات الكتب التراثية من قبيل «كليلة ودمنة». الناظر في لوحات معرض «المنمنمات الإسلامية»، يعثر على الدلالات الكامنة خلف تعبير «المنمنمات» كفن تتناول فلسفته الكون والإنسان على أساس عرفاني، إلى جانب أبرز تقنيات الخط العربي الذي يطرح معاني القرآن الكريم. ولا ننسى تأثير الضوء، والماء، والرسوم الطبيعية، والهندسة، ورسوم الحيوانات. ويمكن مقاربة المعرض من زاوية «الزخرفة»، بصفتها فنّاً مكانياً تعكس علاماته المفاهيم الجمالية للمدن الإسلامية، المتشكلة من تجاور اللون والفراغ. في لوحات سيرين الشوبكي مثلاً، يحضر البعد الهندسي، الذي يطرح فلسفة وحدة الكون، كشكل لوحدات دائرية، مكونة في عدد ثابت متكرر هو عشر منمنمات، ودوائر عشر من الزخرفة، تجسد مدارات فضائية. وتطرح اللوحات ذات البناء الهندسي الشكل الثُّماني، وهو وحدة العمارة الإسلامية بامتياز. لكن هذا الفهم الهندسي يوازيه فهم فلسفي ترمز دلالاته إلى أن المربع يجسد اتجاهات الأرض الأربع، وقد اندمج مع عناصر الطبيعة (الهواء، التراب، الماء والنار)، وفوقها القبة، تماماً كما قبة الصخرة المشرفة، المُنشأة وفق هذا السياق، على مضاعفات المربع، فهي قائمة على ثمانية أضلاع، لأن القبة أو الدائرة تعدّ الشكل الأكمل لمختلف أشكال الخطوط. ويلفت النظر ذلك التشابه بين اللوحات ال26 لثماني فنانات، تضمنت عناصرها الورود، والطيور، والخطوط، والشجر، واستخدام الذهب والفضة، والشخوص بأحجامها الصغيرة والكبيرة، واعتماد أكثر من إطار للوحة الواحدة. إضافة إلى تَقارُب موضوعات اللوحان؛ كاحتواء عدد منها جُملاً وعبارات تشكل الكتلة البصرية للوحة، كلوحة فايزة حداد، التي جاء فيها «أساس الحكم العدل»، أو كما في لوحة عبير طه «ما شاء الله». هذا التشابه يبدو منطقياً، وفق الفنانة فاطمة بورحاتمي وتقول ل «الحياة»، إن الفضاء العلوي للوحة الإسلامية، يغلب عليه لون الذهب، على اعتبار أن الخير يأتي من السماء، وهو ما يتكرر في تفاصيل الأرض، لأنها تعني العطاء والماء والخير. وتردّ بورحاتمي قلة معارض الفنون الإسلامية إلى أن إنجاز اللوحة الواحدة يتطلب وقتاً طويلاً قد يمتد شهوراً. ويضم المعرض أربع لوحات لبورحاتمي، و22 لوحة لفنانات من طالباتها ومن بينهن فرناز بطيخي، سيرين الشوبكي، هدى الشاعر، فايزة حداد، ليالي منصور، وعبير طه. كما شاركت ياسمين طوقان بأربع لوحات في سياق منفرد، وشارك نصار منصور بكتابة خطوط إسلامية على لوحة لليالي منصور كإنتاج مشترك. بورحاتمي، التي تدرّس في كلية الفنون المعمارية وتعمل في قسم الفنون الجميلة في وزارة الثقافة، عزَتْ طغيان الأسماء النسائية على المعرض إلى قدرة المرأة على الصبر والتحمل لإنجاز اللوحة، مقارنة بالرجل.