السجال في لبنان حول صلاحيات رئيسي الجمهورية إميل لحود والحكومة رفيق الحريري، والذي تطرق اليه لحود في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء موضوع مطروح منذ سنوات، يخبو حيناً ويظهر على السطح احياناً، نتيجة احتدام الصراع السياسي بين الرئيسين. لم يؤد ردُ رئيس الجمهورية اميل لحود على نقطتين في مداخلته الخميس الماضي مؤكداً انه لم يخرق الدستور بسببهما وهما حضوره جلسة مجلس الوزراء وإطلاعه على جدول أعماله، الى مناقشة التفسيرات لكيفية تطبيق المادتين، في شكل قانوني ودستوري واضح من اجل اعتماد تفسير واحد لهما. وحال الميل نحو تصعيد الخلافات، في كثير من الاحيان، من دون حصول نقاش صريح في هذا الصدد، نظراً الى الالحاح على ابقاء المواضيع الخلافية جانباً، خصوصاً عندما تتكرر النصيحة السورية الى الحلفاء، ولا سيما لحود والحريري. والموضوع الأول المتعلق بحضور رئيس الجمهورية جلسات مجلس الوزراء يحكمه البند الأول من المادة 53 من الفصل الرابع تحت باب: رئيس الجمهورية صلاحياته. وينص البند الأول من المادة 53 على الآتي: "يترأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء عندما يشاء من دون ان يشارك في التصويت". لكن البند الأول من المادة 64 في الفصل نفسه وتحت باب: رئيس مجلس الوزراء، ينص على الآتي: "يترأس مجلس الوزراء ويكون حكماً نائباً لرئيس المجلس الأعلى للدفاع". وكان الهدف من اعطاء رئيس الجمهورية حق ان يترأس مجلس الوزراء عندما يشاء، أي عندما يحضر، هو ابقاء دور له في التأثير في اتخاذ القرارات، بعد نقل جزء اساسي من صلاحياته الى مجلس الوزراء مجتمعاً، الذي نصت التعديلات الدستورية على إيجاد مقر خاص له خارج رئاسة الجمهورية والسرايا الحكومية. لكن هذا البند مورس إبان عهد الرئيس الياس الهراوي وحكومة الحريري الأولى بتوافق قضى بتأجيل إقامة مقر خاص لمجلس الوزراء وبعقد الجلسات برئاسة كل منهما مداورة. ومع إقامة مقر خاص بمجلس الوزراء في عهد لحود بناء لاتفاقه مع رئيس الحكومة الدكتور سليم الحص على تطبيق النص الدستوري في هذا المجال، بات لحود يحضر معظم الجلسات استناداً الى البند الأول من المادة 53 ما دامت تنص على عبارة "عندما يشاء". وعند عودة الحريري الى رئاسة الحكومة منذ نهاية العام 2000 نادراً ما تغيّب لحود، فكان يدير جلسات المجلس كافة ويشارك في كل أعماله. وربما هذا ما قصده الحريري في تلميحه قبل أسبوع الى اشتراك رئيس الجمهورية في المسؤولية عن الدين العام، رداً على تحميله هو أي الحريري وحده هذه المسؤولية. أما الموضوع الثاني المتعلق بجدول أعمال مجلس الوزراء فقد نص البند السادس من المادة 64 في باب "رئيس مجلس الوزراء" على الآتي: "يدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد ويضع جدول أعماله. ويطلع رئيس الجمهورية مسبقاً على المواضيع التي يتضمنها وعلى المواضيع الطارئة التي ستبحث". ومقابل اعطاء رئيس الحكومة هذه الصلاحية، أعطت التعديلات الدستورية التي وضعت في اتفاق الطائف رئيس الجمهورية الصلاحية الآتية في البند 11 من المادة 53: "يعرض أي أمر من الأمور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال". لكن آلية تنفيذ البند السادس من المادة 64 لم تحدد في شكل واضح فمارسها الهراوي بعد إقرار التعديلات الدستورية مع الحص ثم مع الرئيس عمر كرامي ب"التفاهم". وكذلك لحود مع الحص، ثم في أول مرحلة من مراحل عودة الحريري الى رئاسة الحكومة. وما دام هذا البند ينص على عبارة "يطلع رئيس الحكومة رئيس الجمهورية مسبقاً"... التي تفترض نوعاً من التشاور بعد أن "يضع" رئيس الحكومة الجدول. وحصل ان جرت تعديلات في الجدول بعد الاطلاع، لكن بناء للقاء مباشر جرى العرف على حصوله بين الرئيسين قبل كل جلسة فإذا تعذر ذلك عبر الهاتف. ولكن منذ تصاعد الخلاف بين لحود والحريري أخذت الأمور اتجاهاً آخر، بعدما كانت مرت مرحلة "غسل القلوب" الشهيرة نهاية العام 2002 وبداية العام الماضي ولم تطرح خلالها مشكلة الصلاحيات حول جدول الأعمال. فبعد الخلاف توقفت الاجتماعات الثنائية التشاورية التي تشمل جدول الأعمال. وأدت غلبة المناكفات الى تكرار طلب لحود شطب أمور من جدول الأعمال ورفضه ادراج بعضها فيه. وأخذ وضع الجدول نتيجة لشبه القطيعة، عن طريق تشاور الموظفين: المدير العام في رئاسة الجمهورية العميد سالم أبو ضاهر، والأمين العام لمجلس الوزراء الدكتور سهيل بوجي، وهو ما اعتبره كثيرون انتقاصاً من صلاحيات رئيس الحكومة لمصلحة رئيس الجمهورية، كما حصل في الندوة التلفزيونية لوزير النقل نجيب ميقاتي الذي انتقد وضع جدول الأعمال بهذه الطريقة لتناقضه مع النص الدستوري الذي يعطي برأيه رئيس الحكومة صلاحية وضعه وإرساله الى رئيس الجمهورية. وجاءت مداخلة لحود الخميس الماضي بالتأكيد على انه لا يخرق الدستور في هذا المجال وانه ليس "باش بزق" في سياق الرد على ميقاتي وغيره. وضوح النصوص وسألت "الحياة" قانونيين عن هذه المسألة. وأوضح الوزير السابق ادمون رزق الذي شارك في لجنة صياغة "الطائف"، رداً على سؤال عن الآلية الدستورية لاعداد جدول مجلس الوزراء: "ان افضل نصوص في العالم لا يمكن ان تعوض عن سوء علاقة بين رئيس جمهورية ورئيس حكومة. أما النصوص في حد ذاتها فهي على قدر من الوضوح يكفي لتحديد الصلاحيات عند توافر حسن النية. ان رئيس الحكومة الذي هو رئيس مجلس الوزراء أيضاً، هو المكلف ومن صلاحيته ان يعد جدول اعمال مجلس الوزراء الذي يشكل مجموع ما يرد من الوزارات والادارات المختصة الى مجلس الوزراء لأنه يكون في حاجة الى اخذ قرار منه، وعلى هذا الاساس تعد رئاسة المجلس جدول الأعمال الوارد من الادارات المختصة، ولأن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ولأنه يترأس مجلس الوزراء عندما يحضر ويحضر عندما يشاء وهذا ليس مقيداً على الاطلاق، فان رئيس مجلس الوزراء يطلع رئيس الجمهورية على جدول الأعمال. وهذا يكون مناسبة للتشاور في الأولويات ومقياس الأولوية ليس مصالح رئيسي الجمهورية والحكومة ومزاجهما انما مصلحة البلاد. ويفترض ان يطلع رئيس الجمهورية ويبدي رأيه وليس هناك إلزام من قبل أحد لأحد انما هناك افتراض التعاون. لرئيس الجمهورية صلاحية طرح أي موضوع من خارج جدول الأعمال على مجلس الوزراء مجتمعاً لا على رئىس مجلس الوزراء، والمجلس إما ان يتخذ قراراً بالأكثرية وإما ان تكون هناك مواضيع تحتاج الى أكثرية الثلثين. ولرئيس الجمهورية الحق، بما انه لا يصوت في المجلس سواء كان حاضراً أم غائباً، طلب اعادة النظر في القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء. التفاهم بين الرئيسين هو الأساس وعندما لا يكون هناك تفاهم أوجد النظام الديموقراطي حلاً هو الطلاق. ومن اسباب الفشل في لبنان وخرق الدستور هو اختزال المؤسسات بأشخاص". وهل يحق لرئيس الجمهورية دستورياً اضافة بنودٍ على جدول الأعمال او الغاء بنود منه، أجاب: "ليس ذلك حقاً دستورياً انما هناك أعراف في الانظمة الديموقراطية تقضي بأن يكون هناك تفاهم على جدول الأعمال لئلا يصبح مجلس الوزراء ساحة للعراك. وأنا اعتقد ان الأشخاص المعنيين ليسوا جديرين بما لديهم من صلاحيات ولا هم على مستوى المواقع التي يحتلونها، والبلد يفتقر الى رجال دولة حقيقيين". ورفض القانوني النائب السابق حسن الرفاعي في اتصال مع "الحياة" التحدث عن موضوع الصلاحيات الرئاسية حالياً "لأن ذلك يحتاج الى محاضرات طويلة". لكنه ذكّر بموقفه الداعي الى تأليف لجان من الفقهاء والمختصين لتطبيق "الطائف" وتبيان البيّن فيه من غير البيّن، معتبراً ان من غير الجائز للمسؤولين والسياسيين الحديث عن تفسيرات للدستور والصلاحيات. واشار الى ان الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران شكّل لجنة خبراء عندما اراد ان يعدّل مادتين بسيطتين في الدستور. وهذا يجب ان يتبع في لبنان.