في النصف الثاني من الثمانينات اصدر الدكتور احمد بن يوسف كتابه "احمد ياسين الحقيقة والأسطورة"... احد الأصدقاء كان يصر دائماً على ان هذا الكتاب يذكره بكتاب ياسر عرفات الرقم الصعب عقد ونصف تقريباً بعد ظهور الكتاب ما زال ياسر عرفات الرقم الصعب في المعادلة الفلسطينية والإقليمية ولكن اضيف رقم صعب آخر إلا وهو الحركة الإسلامية الفلسطينية كلها بشقيها حماس والجهاد الإسلامي. في هذا المقال سنركز خصوصاً بعد استشهاد الشيخ احمد ياسين على حركة المقاومة الإسلامية حماس كيف تحولت في اقل من عقدين الى عامل مهم وأساسي على الساحة الفلسطينية وكيف سترد الحركة على اسئلة صعبة كثيراً في غياب الزعيم والمؤسس. وعموماً لفهم اعمق وأوضح لحركة حماس وطبيعة التحديات التي واجهتها وتواجهها خصوصاً بعد غياب الزعيم والمؤسس اعتقد ان من الضرورة بمكان إلقاء إطلالة مختصرة ومركزة على اهم المراحل التي مرت بها حركة حماس حتى اغتيال الشيخ ياسين الذي كرس الدور المهم الذي تلعبه الحركة فلسطينياً وعربياً وإسلامياً: - المرحلة الأولى: بدأت في منتصف السبعينات من القرن الماضي مع تأسيس المجمع الإسلامي في مدينة غزة وهي المرحلة التي ركز فيها الشيخ ياسين والتنظيم الفلسطيني لجماعة الاخوان المسلمين على الدعوة وتعبئة الشارع الفلسطيني دينياً وعقائدياً كخطوة اولى وأساسية نحو المواجهة الشاملة مع اسرائيل هذه الفترة التي شهدت صعود قوي للحركة الوطنية الفلسطينية "منظمة التحرير والتنظيمات المختلفة" مع العلم ان المنهج الذي طرحه الشيخ ياسين تعرض للنقض من قبل فئات مختلفة من الشعب الفلسطيني حاججت بأن الأولوية القصوى يجب ان تتمثل في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي على اعتبار ان الشعب الفلسطيني يملك من التراث والزاد العقائدي ما يمكنه من الدخول مباشرة في المواجهة مع الاحتلال. المرحلة الثانية وهي التي تلت خروج الشيخ احمد ياسين ورفاقه من السجون الإسرائيلية في صفقة التبادل التي ابرمتها الجبهة الشعبية القيادة العامة مع السلطات الإسرائيلية خرج الشيخ ياسين ورفاقه بعد الاحتكاك المباشر مع قيادات الحركات الوطنية والخوض في سجالات ذات طابع تاريخي وديني وسياسي يتمحور حول الأسلوب الأمثل لمواجهة الاستعمار الصهيوني في فلسطينالمحتلة هذه الفترة ايضاً والتي امتدت حتى اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1987 شهدت اتساع وامتداد نشاط الجماعة في مدن وقرى الضفة الغربية وحتى المدن والقرى العربية في الأراضي المحتلة عام 1948. المرحلة الثالثة: هي احدى أهم المراحل في تاريخ حركة حماس، وقد شهدت الانخراط الفعلي والرسمي للاخوان المسلمين الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال وهي أيضاً المرحلة التي شهدت الإعلان عن تأسيس حركة المقاومة الاسلامية حماس في كانون الأول ديسمبر 1987. والحقيقة ان هذا العام الذي سبق اندلاع انتفاضة الحجارة شهد مشاركة الاسلاميين للمرة الأولي كتنظيم مستقل في عمليات المقاومة ضد الاحتلال عبر عمليات عدة نفذتها حركة الجهاد الاسلامي في القدس "حارة البراق" والخليل وعمليات طعن عدة ضد رجال الاستخبارات الاسرائيلية في قطاع غزة ثم جاءت الهبة الجماهيرية الكبرى في كانون الأول 1987 لتشكل الفرصة المثلى للاعلان عن حماس والانخراط بقوة للاخوان عبر المشاركة في فاعليات انتفاضة الحجارة مثل الاضراب والاعتصامات والاشتباكات الجماهيرية مع قوات الاحتلال وبعد عامين تقريباً من الانتفاضة حصل تطور مهم آخر في مسيرة حركة حماس عبر تأسيس أول جناح عسكري للحركة هذا الجناح الذي قام باختطاف وقتل الجنديين الاسرائيليين آفي سبورتاس وإيلان سعدون عامين بعد ذلك تم اعتقال الشيخ أحمد ياسين وحكم عليه بالسجن مدى الحياة وثلاثة عشر عاماً اضافياً. المرحلة الرابعة: مرحلة أوسلو: على رغم ان هذه المرحلة شهدت ظاهرياً تراجع العمل العسكري لحركة حماس إلا أنني أعتقد انها شهدت طفرة مهمة لحماس على المستويين السياسي والتنظيمي وحتى الفكري في هذه المرحلة بدأت الحركة في تشكيل أطرها السياسية والتنظيمية "المكتب السياسي مثلاً" وبدأت قياداتها في البروز والتعبير عن مواقف الحركة السياسية والتي استندت على مبدأين مهمين أولاً التأكيد على رفض اتفاق أوسلو وحتمية فشله على المستويين المتوسط والطويل على رغم النجاح الظاهري على المدى القصير. وثانياً التأكيد على رفض الاقتتال الداخلي الفلسطيني وتحمل كل ممارسات السلطة الفلسطينية ضد أعضاء حماس خصوصاً عام 1996 وتكريس مقولة ان السلاح الفلسطيني لا يرفع إلا في وجه العدو الاسرائيلي فقط هذه المرحلة التي توصف دائماً بحقبة أوسلو البائسة شهدت تلاقي حماس مع بقية الفصائل الفلسطينية عبر صيغ مختلفة ثنائية وجماعية، الفصائل العشرة وتحالف القوى الفلسطينية، وشهدت أيضاً الحوارات مع حركة فتح في تونس والقاهرة كما شهدت حركة نشطة على مستوى العواصم العربية والاسلامية المختلفة دمشقطهرانبيروتعمانصنعاء والخرطوم، عواصم الخليج المختلفة باكستانماليزيا وأندونيسيا حيث تم افتتاح العديد من المكاتب الرسمية وتأسيس العديد من اللجان المتعاطفة مع حماس والمناصرة للقضية الفلسطينية. هذه المرحلة شهدت أيضاً خروج الشيخ أحمد ياسين عام 1997 من السجون الاسرائيلية - بعد الاتفاق بين الملك الأردني الراحل حسين وحكومة نتانياهو - وجولته العربية التي أضافت ايضاً الكثير من الدعم السياسي والمعنوي والمادي لحركة حماس. المرحلة الخامسة: مرحلة انتفاضة الأقصى وهي التي شهدت الطفرة الكبيرة جداً في أداء حماس الميداني والسياسي. على المستوى الميداني يمكن الاكتفاء بتصريح شاؤول موفاز وزير الدفاع الاسرائيلي بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين والذي قال فيه بالحرف الواحد "حركة حماس تقود منذ ثلاث سنوات حرباً شعواء ضد اسرائيل فقد نفذت لوحدها 425 عملية قتل فيها 377 اسرائيلي وجرح 2076 آخرين ونفذت 52 عملية انتحارية أدت الى مقتل 288 اسرائيلياً وجرح 1640". في الأخير فإن الفترة التي سبقت استشهاد الشيخ احمد ياسين شهدت ايضاً تطور نوعي ومهم آخر في مسيرة حركة حماس يتمثل في مقاربتها لخطة شارون للانسحاب احادي الجانب من قطاع غزة حيث جرى التأكيد مرة اخرى على رفض الاقتتال الفلسطيني الداخلي ليس ذلك فحسب بل طرحت حماس لأول مرة بعد فترة طويلة من التردد افكار سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية لادارة قطاع غزة في حالة الانسحاب الاسرائيلي وليس ذلك فحسب بل ان الشيخ الشهيد احمد ياسين تحدث عنامكانية دراسة وقف المقاومة في قطاع غزة في حالة تنفيذ لانسحاب احادي الجانب والكامل ورؤية الوقائع على الارض ومدى ارتباط الانسحاب من قطاع غزة بالانسحاب الكامل ايضاً من الضفة الغربية علماً ان حركة حماس في مسيرتها السياسية او مسيرتها للتعبير عن الأيديولوجيا بأفكار وبرامج سياسية تحدثت عن القبول بدولة فلسطينية في الاراضي المحتلة عام 1967 لصعوبة تحرير كامل فلسطين في الوقت الحالي - الشيخ الشهيد تحدث عن ذلك في رسالته الاخيرة للقمة العربية وخليفته الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي تحدث عن ذلك ايضاً - مع رفض التنازل عن الحق التاريخي في ارض فلسطين الكاملة ورفض التنازل ايضاً عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين وبقية الحقوق الفلسطينية ذات الصلة. * كاتب فلسطيني.