هدد الزعيم الروحي ل"حركة المقاومة الاسلامية" حماس الشيخ احمد ياسين بخطف جنود اسرائيليين لمبادلتهم بسجناء فلسطينيين في اسرائيل، موضحا انه "لا حل لمسألة السجناء الفلسطينيين سوى اسر جنود اسرائيليين ومبادلتهم بهم". ويأتي تجدد حديث "حماس" عن عمليات الخطف في اعقاب تهديد زعيم "حزب الله" الشيخ حسن نصرالله بخطف المزيد من الجنود الاسرائيليين ما لم يفرج عن اخر سجين لبناني هو سمير القنطار. وسارع رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون خلال حفلة تأبين اقيمت في استقبال جثث ثلاثة جنود اعيدت الى اسرائيل في اطار صفقة تبادل الاسرى مع "حزب الله"، الى تحذير اي خاطفين محتملين من انهم سيواجهون عقابا صارما من الدولة اليهودية، مضيفا: "اسرائيل لن تسمح لاي عدو او منظمة ارهابية بأن تحول عمليات الخطف وطلب الفدية الى نظام"، مضيفا: "لدينا وسائل اخرى لم نستخدمها بعد، لكن اذا تكررت الظروف لا قدر الله، لن نتردد في استخدامها". تحمل تهديدات الزعيم الروحي ل"حركة المقاومة الاسلامية" حماس الشيخ احمد ياسين عن نية الحركة خطف جنود اسرائيليين كسبيل وحيد لاطلاق الاف المعتقلين الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية، أهمية مزدوجة، اولا لان هذه التصريحات تصدر عن ياسين نفسه الذي اتهم عام 1989 باصدار أوامر بخطف جنود في الارض الفلسطينية من اجل مبادلتهم بأسرى فلسطينيين، فحكم عليه بالسجن المؤبد قبل ان يطلق في اطار صفقة ابرمتها اسرائيل مع العاهل الاردني الراحل الملك حسين لترميم ما لحق بالعلاقات الاردنية-الاسرائيلية من اضرار على خلفية محاولة الاغتيال الفاشلة التي نفذتها الاستخبارات الاسرائيلية على ارض الاردن ضد مسؤول مكتب "حماس" في عمان خالد مشعل عام 1997. وثانيا، تكمن اهمية تصريحات الشيخ ياسين في انها تثير تساؤلات عن امكان نجاح اسلوب "حزب الله" في هذا الاطار كنموذج يحتذى به على الارض الفلسطينية، ليس فقط بسبب الظروف الموضوعية والميدانية والسياسية المتمثلة بالاحتلال العسكري الاسرائيلي المباشر وسيطرته على كل منزل وكل زاوية في المناطق المحتلة، بل ايضا في شدة رد الفعل الاسرائيلي على عمليات كهذه كما برز في الماضي القريب، فمن وجهة النظر الاسرائيلية ستفتح عمليات الخطف "أبواب جهنم" على الفلسطينيين. نفذت عملية الخطف الاولى مع بدايات نشوء حركة "حماس" كحركة مقاومة للاحتلال الاسرائيلي، وحينها خطفت مجموعة اطلقت على نفسها اسم "مجموعة الرقم 101" الجنديين الاسرائيليين ايلان سعدون وآفي ستبرتوس في قطاع غزة. ولم تتمكن سلطات الاحتلال من كشف مكان جثتيهما الا بعد دخول السلطة الفلسطينية في اعقاب ابرام اتفاقات اوسلو وحصولها على معلومات من عناصر في الحركة اعتقلوا في سجونها، وتم تسليم الجثتين الى الجانب الاسرائيلي عام 1997 من دون مقابل. ولاحقا، حاولت احدى مجموعات "كتائب عز الدين القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس" بقيادة عماد عقل الذي استشهد لاحقا التخطيط لخطف جنود اسرائيليين لمبادلتهم بأسرى من الحركة، فكانت عملية "الظاهرية" في تشرين الاول اكتوبر عام 1992 التي قتل فيها جندي كان يستقل سيارة عسكرية على طريق القرية المذكورة قرب الخليل. غير ان المجموعة واجهت مقاومة فاضطرت الى قتل الجندي وفشلت عملية الخطف. اما عملية الخطف الثالثة، فكانت من نصيب الجندي الاسرائيلي نسيم طوليدانو في كانون الاول ديسمبر عام 1992 التي وان اتسمت ب"الارتجالية" التي أدت الى فشلها السريع، إلا أنها شكلت نقطة تحول في تفكير الذراع العسكرية للحركة ازاء عمليات الخطف، محوره ان الطبيعة الجغرافية والامتداد الجغرافي الفلسطيني الاكبر في الضفة الغربية يوفر مجالا اكثر حيوية من قطاع غزة المحاصر والصغير والمحكم الاغلاق اسرائيليا. أما النتيجة العملية للعملية التي قتل فيها الجندي وعثر على جثته لاحقا قرب بيت لحم، فكانت اكبر عملية ابعاد لناشطي "حماس" و"الجهاد الاسلامي" طاولت 425 منهم الى معسكر مرج الزهور جنوبلبنان. وكان عقل انتقل من قطاع غزة الى الضفة ل"تأسيس" الوجود العسكري لحركة "حماس" التي قويت شوكتها في قطاع غزة. وبعد ان قتلته قوات الاحتلال الاسرائيلي في اعقاب مطاردات ساخنة وطويلة، تسلم صلاح جاد الله زمام القيادة للمجموعة نفسها التي كان من ابرز اعضائها عبدالكريم بدر وحسن النتشة، لينفذ هؤلاء ابرز عملية خطف للجندي الاسرائيلي نخشون فيكسمان التي انتهت بقتل الجندي والفلسطينيين الثلاثة، اضافة الى مقتل ضابط وجرح 13 جنديا اثناء عملية اقتحام المنزل الذي تحصنت فيه المجموعة في بلدة بير نبالا على المشارف الشمالية لمدينة القدس. وفي التفاصيل التي يذكرها الاسرائيليون والفلسطينيون على السواء، تمكنت مجموعة "صلاح جاد الله" من خطف الجندي الاسرائيلي فاكسمان في التاسع من تشرين الاول اكتوبر عام 1994 بعد استئجار سيارة تحمل لوحة ترخيص اسرائيلية وتوقفت عند موقف لتجمع الجنود لتقل احدهم وتنقله الى بير نبالا الواقعة بين القدسورام الله. وهربت المجموعة شريط فيديو الى قطاع غزة ظهر فيه جاد الله ملثما يحمل سلاح فاكسمان واوراقه الثبوتية ويحدد مطلبه بالافراج عن عدد من الاسرى والمعتقلين في مقدمهم الشيخ احمد ياسين. وامهل المختطفون الحكومة الاسرائيلية حتى 14 الشهر ذاته لتنفيذ عملية التبادل، لكن الحكومة الاسرائيلية برئاسة اسحق رابين في حينه ماطلت، مطالبة بتمديد المهلة الى يوم آخر. وتمكنت الاستخبارات الاسرائيلية من تحديد المنزل الذي اختبأ بداخله المختطفون، فوقعت اشتباكات عنيفة اخفقت خلالها القوات العسكرية المختارة التي شاركت في اقتحام المنزل في اخراج الجندي حيا، كما ادت الاشتباكات الى مقتل ضابط من "الوحدات الخاصة" واصابة 13 جنديا آخرين بجروح تمكن بعدها الجيش من اقتحام المنزل الذي احكم المختطفون تحصينه على جثث الفلسطينيين الثلاثة وجثة الجندي. وعقد بعدها رابين ورئيس اركان جيشه في ذلك الوقت ايهود باراك مؤتمرا صحافيا اعلن فيه انه "من اصعب الايام" التي مرت بها اسرائيل، وتحمل المسؤولية الشخصية عن حياة الجندي الاسرائيلي. وخلال انتفاضة الاقصى الحالية، استدرجت فتاة فلسطينية شابا اسرائيليا الى رام الله عبر محادثته على "الانترنت" وتمكنت بمساعدة مجموعة من الشبان الفلسطينيين من الوصول به الى رام الله، لكن الحكومة الاسرائيلية رفضت مرة اخرى مطالب الخاطفين باطلاق عدد من الاسرى الفلسطينيين، وكانت النتيجة مقتل الشاب الاسرائيلي واعتقال الخاطفين بمن فيهم الفتاة الفلسطينية. ويأتي اعلان الشيخ ياسين المتجدد في شأن خطف الجنود الاسرائيليين بهدف مبادلتهم بأسرى فلسطينيين، كما يرى المراقبون وادبيات الحركة نفسها، بهدف تأكيد ان هذا الاسلوب هو "أصل من اصول العمل العسكري لدى حماس مثله مثل العمليات الاستشهادية". واكدت مصادر قريبة من الحركة ان هذا "الخيار لم تسقطه حماس" على رغم الفشل الذي منيت به في هذا المضمار. وانطلاقا من هذا الادراك، عمدت المؤسسة العسكرية الاسرائيلية منذ سنوات الى احداث تغييرات جوهرية شملت اصدار اوامر عسكرية صارمة لجنودها في ما يتعلق بتحركاتهم وتنقلاتهم، خصوصا ان معظم الجنود يعتمدون في تنقلاتهم من قواعدهم العسكرية في الاجازات او بعد تسريحهم الى بيوتهم على وسائل النقل الخاصة الاسرائيلية هيتش هايكينغ وطالب الجيش الاسرائيلي جنوده باتخاذ اقصى الحذر في هذا الشان والتأكد من هوية السائقين والتعرف عليهم قبل ان يستقلوا سياراتهم. وعلى رغم هذه الاجراءات والمحاذير التي تزداد كثافة عند ورود "انذارات" ساخنة لاجهزة الاستخبارات الاسرائيلية والتي تنقلها وسائل الاعلام الاسرائيلية بشكل منتظم خفت حدتها اخيرا ما زال هذا الهاجس يقلق المستوى العسكري-السياسي الاسرائيلي. وتقر "حماس" بصعوبة تنفيذ عمليات خطف جنود بهدف مبادلتهم بأسرى فلسطينيين على غرار نموذج "حزب الله"، مشيرة الى انه بعكس هذا الحزب لم تتمكن "حماس" من نقل الجنود الذين تخطفهم الى خارج الاراضي الفلسطينية ما يخلق صعوبات وتعقيدات جمة في عملية "التفاوض" مع خصم يسيطر بشكل كامل على الارض الفلسطينية، اضافة الى ان مناطق "السلطة الفلسطينية" بعيدة كل البعد عن اطار "دولة مستقلة"، ناهيك عن افتقادها الى عمق استراتيجي سياسي او غيره، مثلما هي الحال بالنسبة الى "حزب الله". وعلى رغم ذلك كله، تعتقد الحركة، وربما الفلسطينيون جميعا، ان الطريق الوحيد لاطلاق الاسرى ذوي الاحكام العالية والحالات المستعصية لن تتم الا من خلال صفقات كهذه، مستندين ليس فقط الى تجربة "حزب الله"، بل ايضا الى عملية تبادل الاسرى الفلسطينية الاكبر عام 1985 التي اطلق خلالها 1150 اسيرا وسجينا فلسطينيا وعربيا في الصفقة التي ابرمت مع "الجبهة الشعبية - القيادة العامة". وهنا ايضا تمت العملية من خارج الاراضي الفلسطينية. ولم تفض المسيرة السياسية التي بدأتها منظمة التحرير الفلسطينية مع اسرائيل وانتهت بتوقيع اتفاقات اوسلو، الى الافراج عن المئات من الاسرى الفلسطينيين الذين يشكلون النواة الصلبة للحركة الاسيرة، على رغم نجاحها في اطلاق المئات منهم في عمليات افراج استثنت بعض الفصائل الفلسطينية ومنها "حماس".