قبل ما يزيد على ثمانين عاماً، وتحديداً في العام 1923، تبنى الملك الاسباني ألفونسو الثالث عشر فكرة إقترحها عليه الماركيز دي لا فيغا انكلان وهي إفتتاح أول قصر في محافظة أفيتا في مدينة غريدوس وتحويله إلى نزل لإستقبال الزوار. أطلق على هذا النزل اسم بارادور Parador، وأدى نجاح التجربة إلى التوسع في سلسلة فنادق على الأراضي الاسبانية حيثما وجد معلم سياحي يحقق الشروط المطلوبة. وأصبحت هذه الأماكن مقصداً مهماً للزوار من إسبانيا ومن بقية أنحاء العالم. تعتمد فكرة إنشاء البارادور على تحويل قصر أو قلعة تاريخية أو حتى كنيسة أو كاتدرائية عريقة إلى نزل سياحي يحتفظ بمعالمه المعمارية ليحكي حكاية حضارات مرت على المنطقة، وأصالة شعوب شيّدت تاريخها على مدى الأجيال. وككل عمل ناجح متميز وكل فكرة فنية فريدة، جذب البارادور نخبة المجتمع المدركة حاجتها وإرتباطها الثقافي والفكري الذي يدفعها لإختيار هذه الأماكن دون غيرها للإستمتاع بالإجازة، خصوصاً عندما تكون الخدمات متميزة كتميز المكان الذي غالباً ما يكون على تلة أو قمة جبل. وتتصف هذه الأماكن كذلك بالمزج المتوازن بين التراث وفن العمارة، وبالتحديد الأندلسية. وهي تضم التحف القديمة التي يتم إختيارها بعناية وذوق رفيع. تعني كلمة بارادور بالاسبانية "من أجل الراحة" وقد لا يقابلها في لغتنا العربية مرادف إلا كلمة "النزل" حيث كان يرتاح المسافرون من عناء السفر الطويل لليلة أو ليلتين قبل أن يتابعوا وجهاتهم المختلفة. وعلى كل حال فإن قضاء يومين أو ثلاثة في هذه الأماكن قد يكون كافياً قبل الإنطلاق لإكتشاف بارادور جديد ومنطقة جديدة في اسبانيا. والحقيقة أن البارادورات تعتبر مناسبة جداً لعشاق الطبيعة والجمال أو لعروسين يبحثان عن مكان ملائم لقضاء شهر العسل، إلا أنها في المقابل غير مناسبة كثيراً للأطفال. غالبية هذه الإستراحات تقوم في الواقع على القصور الأموية بملامحها المعمارية ولمساتها الأندلسية، وتشتهر بأجود المطابخ العالمية إضافة إلى تمتعها غالباً بإطلالة على مناظر طبيعية خلابة بحكم موقعها على قمم الجبال. وبفضل الخدمات التي تقدمها، والتصاميم المعمارية الفريدة التي تتمتع بها، فإنك ستتخيل للحظات بأنك صاحب هذا القصر... بينما أنت في الواقع فرد واحد في بارادور واحد من أصل 86 بارادوراً موزعة في أرجاء اسبانيا. ومنذ أن تبنت الحكومة الاسبانية فكرة تحويل آثارها التاريخية من محميات إلى أماكن إقامة، عادت الحياة تدب في أوصال هذه المواقع المهجورة، فأعيدت صيانة لوحاتها وقطعها الفنية القديمة والسجاد، كما رممت الأبنية وأقيمت المسابح وملاعب الغولف والتنس وقاعات المؤتمرات وكافة الفعاليات الضرورية لراحة المسافر ورفاهيته، من ضمن إطار تاريخي لا يفسد أي ركن أو زاوية أو أثر قديم. ولتحقيق هذا الأمر أُستدعي طاقم كبير من الفنيين وعلماء الآثار والمهندسين المختصين لوضع دراسة شاملة عن المتطلبات اللازمة لتحويل إجازة المسافر إلى رحلة لا تنسى وإكتشاف ربوع اسبانيا وحضارتها بطريقة جديدة وبأسعار مدروسة متوازنة بحيث تسنح فرصة زيارة هذه المواقع لكل شخص حسب موازنته. وعلى رغم تشابه هذه البارادورات في المضمون إلا أنها تتباين كثيراً من نواحي التصميم المعماري والمواقع الجغرافية وكثافة الإقبال عليها. ولكن تبقى بارادورات طليطلة وغرناطة وملقة الأكثر شهرة وإكتظاظاً مع لائحة طويلة من الحجوزات المسبقة التي قد تصل إلى بضعة أشهر. وقد يعود ذلك إلى أهمية هذه المواقع تاريخياً وغناها بالآثار الإسلامية. فبارادور طليطلة القرن الرابع عشر هو الأقرب إلى مدريد ويجمع بين فخامة البناء وأناقة التفاصيل. ولأنه يتربع على قمة جبال غريدوس فهو يتمتع بإطلالة تتيح للزائر فرصة إكتشاف طليطلة من علٍ ورؤية كاتدرائيتها الشهيرة "الكاسار" القصر. وقد تعود شهرة هذه المدينة إلى تشابه تفاصيلها مع دمشق الموطن الأم لمؤسسها عبدالرحمن الداخل. أما بارادور غرناطة الذي يعود بناؤه إلى القرن الخامس عشر، فإن إسمه يكفي وحده ليكون جوازاً سياحياً مهماً، إضافة إلى موقعه المطل على حدائق قصر الحمراء الشهيرة. وهو يتميز بطراز معماري تظهر فيه البصمات العربية واضحة من خلال الأقواس الكبيرة التي تحيط بأبوابه ونوافذه وتشرف على ساحة تتوسطها النوافير. والواقع أن هذا البارادور يشكل عودة تاريخية إلى أطلال حضارة أموية ببريق أندلسي. أما بارادور ملقة على جبل جبرالفارو فإن قربه من مدينة ماربيا السياحية الشهيرة وإطلالته الفريدة والإستراتيجية على البحر وعلى مدينة ملقة ذاتها أعطياه شهرة إضافية ميزته عن بقية البارادورات على رغم تواضع خدماته ورفاهيته أمام مثيلاته. وقد إنتقلت عدوى نجاح هذه التجربة السياحية الفريدة إلى البرتغال المجاورة التي بدأت بتحويل مرابعها السياحية وآثارها المعمارية القديمة إلى فنادق على الدرجة ذاتها من الفخامة والجمال أسمتها بوساداس Pousadas .