التظاهرات المعادية للحرب على العراق في ذكرى السنة تعبر عن موقف، يتساوى في ذلك ان تكون حشدت الملايين أو المئات. كانت الحرب مرفوضة، اصبحت نتيجتها الاحتلال موضع ادانة. نظام صدام حسين سقط السقطة المذهلة، الأسلحة المحظورة لم تظهر، أما"العلاقة"بين"القاعدة"ونظام صدام فيبدو ان المقصود بها - كذريعة للحرب - كان علاقة بين"القاعدة"والولاياتالمتحدة. فهما دخلتا سوياً الى العراق ونقلتا المواجهة بينهما الى أرضه. هذا، اذا صدقنا المزاعم بأن عمليات هي من فعل"القاعدة"، فالوضع هنا، بالنسبة الى جورج بوش، يشبه وضع خوسيه ماريا أثنار. اذ فضل الثاني ان يكون تفجير قطارات مدريد من فعل منظمة"ايتا"لئلا يتهم بأن سياسته جلبت الى اسبانيا عدواً خارجياً يتمثل في"القاعدة"، كما يفضل الأول - بوش - ان تكون"القاعدة"وراء التفجيرات في العراق على ان يعترف بأن هناك مقاومة للاحتلال. حين يقول الرئيس الاميركي ان الخلافات الدولية التي سبقت الحرب"أصبحت من الماضي"، فهو يريد ان يوحي بأن العالم بات متقبلاً وموافقاً على ما ارتكبته الولاياتالمتحدة. مثل هذا الكلام استمرار للخداع، وامتداد لغطرسة مفادها ان اميركا لا تفعل الا الصواب وان الآخرين"الضالين"لا يلبثون ان يلتحقوا بها. كان واضحاً ان بوش اراد، في ذكرى سنة على الحرب، ان يوجه الاميركيين مجدداً الى ان الذهاب الى العراق كان أولاً وأخيراً بدافع مكافحة الارهاب. ليس معروفاً الى أي حد لا يزال الرأي العام الاميركي يصدق مثل هذه الالتفافات الكلامية، إلا ان مجرد ذكر الارهاب يبدو مفيداً في الحملات الانتخابية، لكنه بالطبع لا ينفع في تقويم ما حصل قبل سنة ولم تنته فصوله بعد في العراق. لا يزال بوش وفريقه المتعصب يروجان المغامرة العراقية بأنها تصلح"نموذجاً"للعالم. أي باختصار ان النظام الدولي الجديد لا بد ان يحسم وجوب اتباع اهواء الإدارة الاميركية وغرائزها من دون اعتراض. لكن الحرب على العراق ظلت ابعد من ان تنتج القيم والمفاهيم التي يتطلع اليها هذا النظام الدولي. ثم ان"حرب الأفكار"التي رافقتها وتلتها أظهرت بوضوح ان العالم لا يمكن ان يختزل في بلير البريطاني أو اثنار الاسباني أو هوارد الاسترالي أو غيرهم. وبالتالي فإن ما سمي"التحالف"لم يستطع ان يقنع أحداً بأن منظومة دولية قامت على انقاض الأممالمتحدة. ثم ان هذا"التحالف"بات يراهن اليوم بقوة على دور للأمم المتحدة لا يستطيع هو نفسه ان يتولاه مستغنياً عنها. وعلى رغم ان الخلافات"اصبحت من الماضي"الا ان أشباح عدم شرعية الحرب لا تزال تطارد أبطالها"المنتصرين"، فكل منهم لديه محاسبة مع شعبه، وكل منهم جند للدفاع عن نفسه وموقعه ما أمكنه من مؤسسات الدولة القضاء، الاستخبارات، لجان تحقيق... واستهلك هيبتها لتمرير الكذب الذي خدع به جمهوره. كلها دول كبيرة ومتقدمة إلا ان الظروف والاحراجات دفعتها الى اساليب تلاعب وتلفيق بزت بها الدول الكرتونية الهزيلة. وآخر ابداعات انصار رئيس الوزراء البريطاني يفيد بأنهم يريدون تغييراً في القوانين الدولية املاً باثبات انه كان على حق. النائبان آن كلايد وكلايف سوليه يأخذان على زعيمهما بلير تركيزه على قضية اسلحة الدمار الشامل في العراق، مما ألحق به ضرراً سياسياً. كان الأفضل، في رأيهما، وهو ما يطالبان به، تغيير القوانين لتجيز استخدام القوة في اطاحة حكام مثل صدام. لعل هذين النائبين يعتقدان انهما وجدا لبلير اخيراً"المخرج"الملائم. فهو ذهب الى الحرب بدافع اخلاقي لا غبار عليه. قد يقترحان تعديلاً لقوانين الحرب البريطانية، لكن التعميم صعب. أولاً لأن من غير المؤكد ان بريطانيا وحلفاءها لم يساهموا في صنع ظواهر مثل صدام وأمثاله، واي تعديل قانوني يفترض ان يحرم عليهم دعم المستبدين. ثانياً لأن الدول التي تنصب نفسها مسؤولة عن اطاحة تلك الظواهر لم تثبت وجود ضوابط تحول دون استهدافها اي بلد وأي حاكم لدوافع تتعلق بمصالحها. يبقى من التظاهرات ان هناك من لا يزال يذكر"أبطال"الحرب على العراق بأن الأكاذيب لا تصنع سياسات. ويبقى من الخلافات الدولية ان النظام الجديد لا يمكن ان يقوم على استراتيجية الثأر الاميركي من دون نهاية. واخيراً، يبقى من التخبطات الاميركية في العراق ما كان معروفاً مسبقاً، وهو ان الولاياتالمتحدة لن تتمكن وحدها من انهاء الحرب بل تحتاج الى الأممالمتحدة.