جزيرة تريسييرا، بروكسل، ستوكهولم، باريس، موسكو - رويترز، أ ف ب - بدأ رئيس الوزراء البريطاني توني بلير تحركاً داخلياً واسعاً يهدف الى اقناع اوسع قطاع ممكن من البريطانيين بصحة موقفه المؤيد للحرب على العراق، بعد وقت قصير من سحب مشروع القرار البريطاني الاميركي الاسباني من مجلس الامن. وشملت تحركات بلير اجتماعاً استثنائياً لحكومته، وصدور بيان من المدعي العام البريطاني يؤكد شرعية الحرب على العراق من دون قرار دولي واتصالات واسعة بالنواب الذين ينتظر ان يعقدوا جلسة خاصة بالحرب لإصدار قرار يسمح بمشاركة الجنود البريطانيين فيها. وعقد بلير مساء أمس اجتماعاً طارئاً لمجلس وزرائه لمناقشة الازمة العراقية. واعلن الناطق باسم بلير انه تحدث الى الرئيس الاميركي جورج بوش قبل ذلك. واستعد رئيس الوزراء البريطاني لمواجهة تمرد كبير داخل حكومته في الوقت الذي بدا فيه انه لا طائل من محاولات اللحظة الاخيرة لاجتذاب الاعضاء المترددين في مجلس الامن في شأن العراق مع اقتراب الحملة العسكرية على العراق. وعاد بلير الى بلاده في وقت متقدم من مساء الاحد من القمة التي شارك فيها مع الرئيس الاميركي جورج بوش ونظيره الاسباني خوزيه ماريا اثنار، ليبدأ سلسلة محمومة من المكالمات الهاتفية في محاولة اللحظة الاخيرة لإقناع عدد من دول العالم بصحة موقف الحلف الثلاثي. ويتردد كثيراً في لندن ان بلير مستعد للمغامرة بمنصب رئاسة الوزراء باشتراكه في حرب تعارضها غالبية الشعب البريطاني وكذلك اعضاء من حكومته. وأجرى الزعيم البريطاني اتصالات هاتفية من طائرته وخلال يوم امس، في محاولة اخيرة لإقناع الدول الاخرى بالموقف الاميركي - البريطاني في شأن العراق. وحمل وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية مايك اوبراين امس على الفرنسيين، واتهمهم ب "إعادة كتابة القرار 1441" الصادر عن الاممالمتحدة في شأن نزع سلاح العراق. ورفض اوبراين التلميحات بأن الحكومة البريطانية دخلت العملية الديبلوماسية وهي عازمة على شن الحرب بغض النظر عن نتائج تلك العملية. وقال لهيئة الاذاعة البريطانية: "هذا غير صحيح بتاتاً. لم نكن نعتزم ابداً ان نشن حرباً، لقد رغبنا في حل هذه المسألة من خلال عملية سلمية بممارسة الضغط على صدام حسين من خلال الاممالمتحدة". واضاف أن "ما حدث الآن هو ان جهودنا باتجاه ما يسمى قرار ثاني أُحبطت بالتهديد الفرنسي باستخدام الفيتو". وأوضح في مقابلة اجرتها معه شبكة "سكاي نيوز" التلفزيونية أن "الفرنسيين يعيدون كتابة القرار 1441"، منتقداً "الحاجز" الذي أقامته فرنسا في وجه مشروع القرار الجديد الاميركي البريطاني الاسباني. واعتبر ان "هناك قاعدة سياسية وقانونية واخلاقية واضحة يمكننا الاستناد اليها للتحرك اذا دعت الحاجة ضد صدام حسين". وأوضح اوبراين ان نقاشاً قد يجري في البرلمان في شأن سياسة الحكومة إزاء الازمة العراقية اليوم الثلثاء. وفي آخر مرة اتيحت للبرلمان فرصة التصويت في شأن الازمة العراقية في 26 شباط فبراير الماضي، واجه بلير اكبر تمرد بين صفوف الحزب الحاكم منذ توليه السلطة في بريطانيا قبل ست سنوات، اذ عارض اكثر من ربع المشرعين من حزب العمال الحرب ضد العراق. ومن المتوقع ان ينضم آخرون الى التمرد بسبب انطلاق الحرب من دون تخويل من الاممالمتحدة. وقد يتسبب ذلك في أسوأ الحالات في إحداث انقسام داخل حزب العمال ما قد يكلّف بلير منصبه. وزير العدل: الحرب مشروعة واعتبر وزير العدل البريطاني بيتر غولدسميث أمس ان تحركاً عسكرياً ضد العراق سيكون مشروعاً بموجب ثلاثة قرارات صادرة عن الاممالمتحدة. وقال غولدسميث في مذكرة رسالة موجهة الى البرلمان ان اللجوء المحتمل الى القوة ضد العراق مبرر شرعاً بموجب الاثر المشترك لقرارات الاممالمتحدة رقم 678 و687 و1441. واضاف ان "كل هذه القرارات تم تبنيها بموجب الفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة الذي يتيح استخدام القوة بهدف إعادة السلام والأمن الدوليين". وأشارت المذكرة الى ان القرار 687، الذي يتضمن شروط وقف النار اثر "عاصفة الصحراء" في 1991، فرض "التزامات مستمرة على العراق بأن يزيل اسلحة الدمار الشامل التي في حيازته". كما اوضحت ان القرار "علّق لكنه لم يبطل التخويل باستخدام القوة بموجب القرار 687"، الذي كان مجلس الامن تبناه بهدف اخراج القوات العراقية من الكويت. وبالتالي فإن "أي انتهاك للقرار 687 يجدد التخويل باستخدام القوة بموجب القرار 678". واعتبر غولدسميث ان "من الواضح ان العراق اخفق في تنفيذ القرار 1441". ولذا فإنه كان "عند تبني القرار 1441، وما يزال، في حال خرق مادي". وتوصل الى ان كل ما يقتضيه هذا القرار هو تقديم تقرير الى مجلس الأمن عن اخفاق العراق في الامتثال ومناقشة ذلك، "لكن ليس اتخاذ قرار آخر خاص بتخويل استخدام القوة". متظاهرون يقتحمون سوق التعاملات النفطية على صعيد آخر، اقتحم متظاهرون معادون للحرب مبنى سوق التعاملات النفطية الدولية في لندن عصر امس، وتسببوا في وقف حركة التعاملات وفقاً لما ذكره الوسطاء. وقال توني ماكاتيشك المتعامل في شركة "برودانشل باك" للوساطة ان "المتظاهرين ضد الحرب دخلوا مبنى سوق التعامل بالنفط ما أدى الى وقف التعاملات"، لكنه اوضح ان "عدداً من العاملين في السوق ذهبوا في هذا الوقت لتناول الغداء ومن ثم فإن تأثير هذه الحركة كان محدوداً". وبدت الصحف البريطانية المنقسمة في شأن أسس هجوم اميركي بريطاني على العراق متفقة على نقطة واحدة هي ان قمة لاجيس التي عُقدت في البرتغال أنهت الجهود الديبلوماسية لحل الازمة العراقية. وكتبت صحيفة اوساط الاعمال "فايننشال تايمز" ان "القمة التي قيل انها الجهد الديبلوماسي الأخير كانت مجلس حرب ... ولو لم تكن كذلك لدعيت اليها فرنسا وروسيا والدول الاخرى التي ترى ان هناك مخاطر على امن العالم اكثر إلحاحاً من العراق". واضافت ان "المحادثات ركزت على حرب وقائية يشنها تحالف صغير من دون موافقة واضحة للامم المتحدة يسعى رئيس الوزراء البريطاني للحصول عليها بسرعة". اما صحيفة "ذي غارديان" اليسارية فرأت انه "اذا كان هدف القمة المصغرة إظهار ان الرجلين بلير وبوش يعملان في اطار احترام الرأي الذي يتم التعبير عنه بطريقة ديموقراطية، فقد فشلت". وحتى صحيفة "دايلي ميرور" اليمينية المعارضة للحرب رأت ان قمة لاجيس "ستبقى في التاريخ اللحظة التي توقفت فيها المناقشات". واعتبرت ان القمة كانت "لحظة جنون". وتحدث قادة التحالف اثناء مؤتمر صحافي عقب قمة لاجيس في البرتغال، عن عدد من القضايا. وقال بوش في شأن الرئيس صدام حسين انه ستتم ازالة اسلحته بالقوة ما لم يتخل عن اسلحة الدمار الشامل، مؤكداً ان "الديكتاتور العراقي يشكل خطراً على الامم الحرة وخطراً على جيرانه. انه يدعم الارهاب ويشكل عقبة على طريق السلام في الشرق الاوسط. لقد قمع لعقود الشعب العراقي بقسوة". اما بلير فرأى انه بعد 12 عاماً من الجهود غير المثمرة لتجريد صدام حسين من الاسلحة "حان الوقت لاتخاذ قرار. لقد كان القرار 1441 فرصته الاخيرة. عليه ان ينزع اسلحته من دون شروط والا ستنجم عواقب وخيمة اذا لم يمتثل لذلك. من الامور المأسوية في هذا الوضع ان صدام حسين يلعب لعبته ونحن نواصل السماح له بذلك". وانتقد بوش الاممالمتحدة لأنها لم تكن فعالة في راوندا وكوسوفو. وقال ان "الاممالمتحدة لم تؤد مهمتها" في هاتين الازمتين "ونأمل بأن تقوم بعملها غداً في الازمة العراقية. واذا لم يحدث ذلك فسيكون علينا ان نبتعد ونحاول ان نرى ما يمكننا ان نفعله لتعمل بشكل افضل بينما نحن في بداية القرن الحادي والعشرين". الشرق الاوسط وقال بلير: "اعتقد ان تعيين ابو مازن رئيسا للوزراء في السلطة الفلسطينية مهم جداً ويقدم لنا شريكاً جيداً لدفع العملية السلام قدماً. سنعمل جميعا لتجسيد هذه الرؤية حول الشرق الاوسط بدولتين اي اسرائيل مطمئنة لأمنها ودولة فلسطينية قابلة للبقاء، وجعلها حقيقة". ورأى آثنار أن "عملية السلام يجب ان تؤدي الى كل الضمانات اللازمة لاسرائيل ونهاية الارهاب. يجب ان ينتهي كل ذلك بتعايش سلمي بين دولتين فلسطينية مستقلة واسرائيل". العلاقات الاوروبية - الاميركية وتناول بلير قضية انعكاسات الحرب على العلاقات الاميركية - الاوروبية وقال: "اعتقد ان اوروبا واميركا يجب ان تبقيان جبهة واحدة في المسائل الحاسمة الراهنة. اعتقد انها مأساة عندما لا يحدث ذلك. التحالف بين جانبي الاطلسي قوي وعلينا تعزيزه اكثر". ومن ناحيته قال اثنار: "جددنا التزامنا الاطلسي بقيمنا المشتركة ومبادئنا لمصلحة الديموقراطية والحرية وسيادة القانون. نحن ملتزمون بخوض نضال يومي ضد التهديدات الجديدة مثل الارهاب واسلحة الدمار الشامل والانظمة المستبدة التي لا تمتثل للقانون الدولي". وفي بروكسيل، رأى وزير الخارجية البلجيكي لوي ميشال ان الولاياتالمتحدةوبريطانيا واسبانيا "قررت تقريبا شن الهجوم" على العراق، مشيراً الى الرفض الاميركي منح مفتشي الاممالمتحدة مهلة 30 او 60 يوماً لإنهاء عملهم. وقال ميشال: "اقترحت فرنسا مهلة 30 يوماً، لكنهم رفضوا. وبالتالي اذا كانوا يريدون مهلة اقل ... فهذا يعني انهم قرروا تقريباً الهجوم". وقال الوزير البلجيكي ان الدول الثلاث "تريد مهاجمة العراق وتحاول ابداء ما يقال انه حسن نية مرة اخيرة". بليكس يكشف خلافات في القمة وفي ستوكهولم، كشف كبير المفتشين الدوليين في العراق السويدي هانس بليكس في مقابلة مع شبكة التلفزيون السويدية "اس في تي 2" عن خلافات في البيان الختامي للقمة في شأن العراق بين الولاياتالمتحدة من جهة وبريطانيا واسبانيا من جهة اخرى. وقال ان "الرئيس بوش بدا مشدداً على وسائل تحرير العراق والتأكد من انه لم تبق هناك اسلحة دمار شامل"، في حين ان رئيسي الوزراء البريطاني والاسباني "بلير واثنار شددا اكثر على انهما يرغبان في ايجاد امكانية اخيرة لتوحيد العالم وتوجيه انذار اخير الى صدام حسين". وأجمعت غالبية الصحف الاسبانية على القول ان القمة وجهت "انذارا" للامم المتحدة، فيما رأت الصحف الروسية والالمانية ان القمة نالت من هيبة المنظمة الدولية. وعنونت صحيفة "ال باييس" القريبة من المعارضة، ان "بوش وبلير واثنار وجهوا انذاراً الى الاممالمتحدة قبل مهاجمة العراق". واعتبرت الصحافة الروسية من جهتها ان نظام الامن العالمي والتوازن الدولي اصبح مضطربا حتى قبل شن الحرب ضد العراق. وكتبت صحيفة "نيزافيسيمايا" أن"من الصعب ايجاد نموذج آخر لحرب، خلفت مثل هذه العواقب الكارثية حتى قبل بدئها. لقد تسببت بانقسام مجلس الامن وشركاء حلف شمال الاطلسي واعضاء الاتحاد الاوروبي والتحالف المناهض للارهاب". وشبهت صحيفة "فريميا نوفوستي"القمة بمؤتمر يالطا الذي جمع في شباط 1945 ستالين وروزفلت وتشرشل، فيما قال هنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي السابق "لا اعتقد انهم قالوا اي كلام جديد ولا كانوا ينوون ذلك. ما فعله الرئيس بوش وبلير واثنار هو اعلان نفاد الوقت وان من لم يحسموا قرارهم بعد عليهم ان يتخذوا احد الجانبين. الوقت قليل وسيمضي نحو انذار نهائي من الاممالمتحدة او الولاياتالمتحدة".