أظهر أول تقرير عربي عن التنافسية في الدول العربية أصدره المعهد العربي للتخطيط في الكويت، ضخامة الفجوة التي تعانيها هذه الدول في قدراتها التنافسية الدولية، منبها إلى خطورة التدهور الحاد في القدرات التنافسية المستقبلية الذي يهدد بزوال التقدم المتواضع الذي حققته بعض الدول في تنافسيتها الحالية، ومحددا ملامح السياسات الواجب اعتمادها لتجسير هذه الفجوة بما يسهم في دعم عملية صوغ السياسات وصنع القرار. وذكر الدكتور عيسى الغزالي المدير العام للمعهد في معرض إعلانه عن صدور التقرير أن متوسط المؤشر الإجمالي للتنافسية للدول العربية بلغ نحو 0.40 مقارنة بنحو 0.70 لكوريا الجنوبية. في حين بلغ متوسط مؤشر التنافسية الكامنة أو المستقبلية للدول العربية حوالي 0.32 في مقابل نحو 0.72 لكوريا. وحققت الدول العربية تقدما جزئيا في مؤشر التنافسية الحالية أو الجارية اذ بلغ حوالي 0.47 مقابل 0.68 لكوريا. وتم اختيار كوريا بين دول أخرى كدولة مقارنة لأنها ليست في مطلع دول العالم لجهة التنافسية وفقاً للتقارير الدولية ولأنها لم تكن منذ عقود قليلة في حالة أحسن من الدول العربية ولكن السياسات المناسبة رفعت من قدراتها التنافسية إلى حد كبير. وقال الغزالي ان المؤشرات التي طورها المعهد لقياس القدرة التنافسية للدول العربية، أظهرت تقدم الدول ذات الدخل المرتفع مقارنة مع الدول العربية الأخرى، لكنه حذر من الاستكانة لهذه النتيجة لأن المؤشرات تظهر تراجع أداء حتى الدول ذات الدخل المرتفع بالمقارنة مع دول نامية مثل كوريا وماليزيا، موضحا أن متوسط المؤشر الإجمالي لدول الخليج، وهي ذات الأداء الأفضل عربيا، يبلغ حوالي 0.48 مقابل 0.70 لكوريا، وينخفض المؤشر الخليجي في التنافسية الكامنة إلى 0.46 في التنافسية الكامنة في مقابل 0.72 لكوريا والفجوة أضيق للتنافسية الجارية. أما الدول العربية الأخرى فبلغ متوسط المؤشر الإجمالي فيها 0.34، في حين سجل مؤشر التنافسية الكامنة نحو 0.25. فقط وفي مؤشر التنافسية الجارية 0.44 . وأضاف الغزالي موضحا حجم الفجوة العربية، حيث أن المتوسط الذي حققته أول خمس دول عربية في المؤشر الإجمالي بلغ 0.50 مقارنة بحوالي 0.70 لكوريا في حين بلغ المتوسط في آخر خمس دول حوالي 0.29. أما في مؤشر التنافسية الكامنة فبلغ متوسط أول خمس دول عربية نحو 0.47 مقارنة بنحو 0.72 لكوريا في حين بلغ متوسط آخر خمس دول 0.18. ودعا المدير العام للمعهد العربي للتخطيط الدول العربية إلى إعطاء قضية التنافسية الاهتمام اللازم ليس كهدف في حد ذاته، بل باعتبارها وسيلة مهمة للاستفادة من تحرير الأسواق والاندماج في الاقتصاد العالمي حيث يسود شعار البقاء للأقدر والأكفأ، منوها بأن التنافسية وتحقيق النمو الاقتصادي والرفاه لم تعد مرتبطة بامتلاك الموارد الطبيعية أو رخص الأيدي العاملة بل بالسياسات السليمة المعتمدة من قبل الحكومات والشركات، وكذلك برأس المال البشري المتراكم لدى شعوبها وحسن استعماله. وشدد على أن تضمين التقرير تصنيفا للدول العربية بحسب درجة تنافسيتها، يستهدف تعيين مكامن الضعف والقوة حاضرا ومستقبلا، بما يسهم في دعم عملية رسم السياسات وصنع القرار، مشددا على أن التصنيف هو مجرد مقارنة لحفز الأداء تحقيقا للازدهار والتقدم وليس مفاضلة مثيرة للحساسيات. وأشار إلى أن المعهد يعتبر التقرير بمثابة "العدد صفر" الذي يستهدف إثارة النقاش حول قضية التنافسية من قبل المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال والباحثين. ويتميز تقرير التنافسية العربية بأنه يشمل بالتحليل والقياس 16 دولة توفر عنها الحد المقبول من البيانات. وتم استثناء الدول التي لم تتوافر حولها بيانات كافية نظراً الى الظروف الصعبة التي تمر بها مثل العراق والصومال وفلسطين وجزر القمر. كما يتميز التقرير باعتماده مفهوما محدداً ودقيقا للتنافسية يتسم بارتباطه بإطار نظري متسق، وبمدلولات واضحة بالنسبة لرسم السياسات وصنع القرار. وعرف التقرير التنافسية بأنها "الأداء الحالي والكامن للاقتصاد في إطار القطاعات والأنشطة التي تتعرض لمزاحمة من قبل الاقتصادات الأجنبية". واعتبر أن أبرز هذه القطاعات هي التجارة الخارجية والتدفقات المالية سواء اخذت شكل استثمارات أجنبية مباشرة أو غير مباشرة. وميز التقرير بين التنافسية الجارية التي تركز على الأداء الحالي والعوامل المؤثرة فيه مثل الأسواق ومناخ الأعمال وعمليات الشركات واستراتيجياتها، والتنافسية الكامنة أو المستقبلية التي تعتمد بالدرجة الأولى على رأس المال البشري. ويتكون المؤشر العربي للتنافسية الذي تم تطويره من مؤشرين فرعيين يتعلق الأول بالتنافسية الجارية، وينقسم إلى أربعة مؤشرات تحت فرعية هي الأداء الاقتصادي الكلي، وبيئة الأعمال التي تتضمن الحاكمية وفاعلية المؤسسات والبنية التحتية الأساسية، وجاذبية الاستثمار، وتدخل الحكومة في الاقتصاد، أما المؤشر تحت الفرعي الثالث فهو الأسواق والتخصص والرابع التكلفة والانتاجية. في حين ينقسم المؤشر الفرعي المتعلق بالتنافسية الكامنة إلى ثلاثة مؤشرات تحت فرعية هي الطاقة الابتكارية وتوطين التقانة، ورأس المال البشري، والبنية التحتية التقانية. ولما كان قياس تنافسية الدول العربية في الأسواق الدولية لا يستقيم إلا بمقارنتها ببقية دول العالم، اعتمد التقرير حلا وسطا تمثل في مقارنة الدول العربية مع ثلاث دول مختارة هي ماليزيا وتركيا وكوريا الجنوبية مع اعتبار كوريا هي بلد القياس المرجعي بسبب تفوقها على الدول العربية في كافة المجالات، ونظرا للمكانة المرموقة التي تحتلها في ادائها التنموي مقارنة بالدول النامية عموما. وفي ما يتعلق بالتنافسية الجارية للأقطار العربية، ذكر التقرير أن أبرز معوقات تطورها يتمثل في تدني نوعية البنية التحتية والمؤسسات، وعدم ملاءمة بيئة قطاع الأعمال، والتدخل المفرط للحكومة في النشاط الاقتصادي. معتبرا ذلك من ابرز أسباب تراجع قدرة الدول العربية على زيادة صادراتها إلى الأسواق الدولية، وعلى قدرتها على تشجيع الاستثمارات الخاصة الداخلية والخارجية. وذكر التقرير أنه على رغم أن بعض الدول العربية مرتفعة الدخل، مثل الامارات والبحرين، تمكنت من تحقيق اداء جيد في مؤشر التنافسية الجارية مقارنة مع كوريا وماليزيا، إلا أن كافة الدول العربية، بما فيها الدول ذات الأداء الأفضل، تعاني مشكلة تذبذب النمو وتدني مستويات الإنتاجية مما ينعكس سلبا على تنافسيتها. إذ تبرز مؤشرات النمو تدهوراً في معدلاته خلال التسعينيات مقابل ارتفاع في متوسط العالم وفي الدول النامية أيضاً. وفي ما يتعلق ببيئة الأعمال أشار التقرير إلى أن المؤشر التجميعي لها، يبين التفاوت الواسع في أداء الدول العربية في ما بينها وبينها مجتمعة وبين دولة المقارنة. ويأتي في مقدم الدول التي تتمتع ببيئة أعمال تقترب من دول المقارنة نسبيا، الإمارات والبحرين والأردن وعمان. ولاحظ التقرير الأداء المتواضع للدول العربية في المؤشر تحت الفرعي المتعلق بالبنية التحتية لتوزيع السلع والخدمات. واعتبر أن التدخل المفرط للحكومة في مجال الملكية وفي قطاع الأعمال يحد من تطور الإنتاجية ويزيد استفحال ظاهرة "البحث عن الريع" التي ترفع كلفة الأعمال. كما أن لعب الحكومات دور "مشغل الملاذ الأخير" يحدث تشوهات في خيارات الأفراد ولاسيما في اختيار تخصصات التعليم والتوجه نحو الوظيفة الحكومية. وفي ما يتعلق بالتنافسية الكامنة أو المستقبلية، حذر التقرير من اتساع الفجوة الرقمية في الدول العربية نتيجة التطور المحدود في استخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات الناجم بدوره عن ضعف كبير في البنية التحتية التقانية ونقص الاستثمارات فيها. ونتيجة أيضا لعدم الاهتمام بالبحث والتطوير كما يظهر مؤشر الطاقة الابتكارية. وفي مجال الصناعات ذات التقانة العالية التي يزيد الطلب العالمي عليها، لاحظ التقرير أن المكون التقاني في صادرات الدول العربية ما زال ضعيفاً، ويعتمد في أحسن الأحوال على سلع مثل الكهربائيات وصناعات الأدوية والصناعات التحويلية ذات القيمة المضافة المتواضعة. كما أن هناك ضعفاً في ثقافة الجودة الكاملة إضافة إلى ضعف الصلة بين العلم والتقانة. وتميز التقرير العربي للتنافسية بالحرص على توظيف المؤشرات التي تم تطويرها لتعيين اكثر الفجوات اتساعا في كل دولة عربية، مما يساعد صانعي القرار في تحديد الأولويات في سعيهم لرفع القدرة التنافسية، مشددا على أن شح الموارد المالية، يحتم ترتيب جدول للأولويات وفقا لمدى جسامة الفجوة ولمدى أهمية دور السياسات في تجاوزها. واعتبر التقرير أن تحقيق هدف رفع القدرة التنافسية يتطلب تحقيق أهداف أخرى على المدى القصير مثل تقليص التكلفة وتحسين الكفاءة في استخدام الموارد والنهوض بنوعيتها وتحسين بيئة الأعمال. بالإضافة إلى أهداف طويلة المدى مثل توطين التكنولوجيا وتطوير الطاقة الابتكارية والنهوض برأس المال البشري. وتمثلت ابرز التوجهات التي خرج بها التقرير على صعيد التنافسية الجارية بما يأتي: المحافظة على الاستقرار الاقتصادي واستدامة معدلات النمو والاستمرار في تنفيذ سياسات إعادة الهيكلة والمراجعة الدورية لهذه السياسات لتحسين الكفاءة ورفع القدرات الإنتاجية. تحفيز الاستثمار الخاص وتحسين بيئته وأدواته وآليات توظيفه ليستفيد من المناخ المتولد عن تبني سياسات الإصلاح الاقتصادي وإعادة الهيكلة. وعدم التركيز على سياسات الحوافز والإعفاءات. تطوير بيئة الأعمال وتحسين جاذبيتها بمختلف عناصرها الإدارية والقانونية والضريبية والتقانية، إضافة إلى الحاكمية والشفافية وتطوير البنى المؤسسية والمشاركة التي تشكل أحد ضمانات الأداء الاقتصادي وفاعليته وتقلص التكلفة ورفع الإنتاجية. التخلي عن السياسات التجارية المباشرة المتعارضة مع الالتزامات الدولية، والاعتماد بالمقابل على تقديم الحوافز غير المباشرة للقطاعات والصناعات التي يتزايد الطلب على منتجاتها أو التي تسمح بمعدلات أعلى من الابتكار والتميز والجودة. أما على صعيد التنافسية الكامنة فتمثلت ابرز التوجهات التي خرج بها التقرير في ما يأتي: - ضرورة تخصيص الموارد الكافية للبحث والتطوير، مع السعي إلى صياغة استراتيجيات لتطوير العلوم والتقانة، تتفاعل مع استراتيجيات التعليم والتشغيل، على أن يتم تعزيز التفاعل بين أنشطة البحث ومتطلبات الصناعة وتحقيق مشاركة أكبر من جانب مؤسسات الإنتاج في جهود البحث والتطبيق. - استمرار الحكومات بلعب دور أساسي في تمويل ودعم أنشطة البحث والتطوير، مع توفير الحوافز لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في هذا المجال. - تركيز الجهود على تكوين الكفاءات البشرية عالية التأهيل في كل التخصصات والمستويات، وخصوصاً في التعليم العالي، الأمر الذي يتطلب إعادة نظر شاملة في أنظمة التعليم والتكوين المهني والتدريب، بما يسهم في تحقيق المرونة وتعزيز القدرة على التكيف في مجالات التعليم والعمل. - العمل على تجسير الهوة الرقمية وتهيئة الشروط للمشاركة في الاقتصاد الرقمي من خلال نشر استخدام الحاسب في التعليم والإدارة وفي الشؤون العلمية والمهنية. إضافة إلى تطوير مشاريع الحكومة الإلكترونية وتشجيع التجارة الإلكترونية. - توسيع استخدام وسائط الاتصال الحديثة، خاصة التقانة الرقمية، ورفع طاقة الشبكات وزيادة سرعتها وتقليل تكلفة استخدامها.