قدم 170 مثقفاً ومفكراً عربياً، بعد ثلاثة ايام من المناقشة في مؤتمر عقد في مكتبة الإسكندرية رؤيتهم لاصلاح المجتمعات العربية، وأصدروا أمس "وثيقة الإسكندرية" التي تضمنت محصلة ما اتفقوا على ضرورة تحقيقه لتطوير المجتمعات العربية، وتفادي الضغوط الخارجية التي تدفع في اتجاه إصلاح قد يتسبب في انهيارات أو قفز لقوى أصولية على السلطة. وتطرقت الوثيقة الى ضرورة الاصلاحات الاقتصادية والسياسية والتربوية مشددة على ضرورة "ترسيخ اسس الفكر العقلاني والعلمي... وتجسيد الطابع الحضاري التنويري للدين... وفتح ابواب الاجتهاد". واعلنت الوثيقة تأسيس "منتدى الاصلاح في مكتبة الاسكندرية". واقترحت عقد مؤتمرات سنوية في الدول الاوروبية "لمناقشة الفكر الاصلاحي وعرض التجارب الناجحة في هذا المجال". اختتم مؤتمر "قضايا الإصلاح العربي" أعماله في مكتبة الإسكندرية أمس. وتضمنت الوثيقة النهائية رؤية شدد المشاركون على ضرورة تحقيقها وترجمتها إلى خطوات ملموسة "في إطار من الشراكة بين الحكومات والمجتمع المدني"، وتمثلت في "إصلاح دستوري وتشريعي وفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية فصلاً واضحاً صريحاً وتحديد أشكال الحكم بما يضمن تداول السلطة بالطرق السلمية دورياً طبقاً لظروف كل بلد، وإقامة انتخابات دورية حرة تصون الممارسة الديموقراطية وتضمن عدم احتكار السلطة وتضع سقفاً زمنياً لتولي الحكم وإلغاء مبدأ الحبس أو الاعتقال بسبب الرأي في كل الأقطار العربية، وإطلاق سراح سجناء الرأي". ودعت الوثيقة التي جاءت في عشرين صفحة إلى "إصلاح المؤسسات والهياكل السياسية العربية وإلغاء القوانين الاستثنائية وبينها قوانين الطوارئ وإلغاء المحاكم الاستثنائية أياً كانت أشكالها ومسمياتها، وإطلاق حريات تشكيل الأحزاب السياسية بما يضمن لجميع التيارات الفكرية والقوى السياسية المدنية أن تعرض برامجها وتدخل تنافساً شريفاً حراً على الحكم". وطالبت "الدول العربية التي لم تصادق من قبل على منظومة المواثيق الدولية والعربية الخاصة بحقوق الإنسان المصادقة عليها بما فيها تلك المتعلقة بحقوق المرأة". ودعت إلى "تحرير الصحف ووسائل الإعلام من التأثيرات والهيمنة الحكومية وإطلاق حرية تشكيل مؤسسات المجتمع المدني بتعديل القوانين المعنية بحرية تكوين الجمعيات والنقابات والاتحادات التطوعية وضمان حريتها في التمويل والحركة". الإصلاح الاقتصادي وفي شأن الإصلاح الاقتصادي، طالبت الوثيقة "إعلان الدول العربية خطط واضحة وبرامج زمنية محددة للإصلاح المؤسسي والهيكلي، مع تحديد دقيق لدور الدولة يجعلها محفزة للنشاط الاقتصادي، وموفرة للبيئة الملائمة للقطاع الخاص والقطاع العام في المجالات التي تتمتع بمزايا ومؤهلات لعمله فيها، والتصدي الحاسم للمشكلات المعوقة للاستثمار وإزالتها أمام الاستثمار العربي والأجنبي، وتشجيع برامج الخصخصة، وتقليص الاستثمارات الحكومية، ما عدا المجالات الاستراتيجية والسلع ذات النفع العام، ومراجعة السياسات الاقتصادية المتبعة من منظور تحقيق التشغيل الكامل لما يقدر بحوالي 5 ملايين من الداخلين الجدد لأسواق العمل العربية سنوياً، مع التركيز على سبل علاج لبطالة الشباب، ومعالجة الفقر بأبعاده المتعددة من التهميش الاجتماعي والسياسي وضعف المشاركة وقلة فرص الارتقاء، وتطوير البنى الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والربط بينها في العالم العربي، وتفعيل الاتفاقات العربية بوضع أهداف قابلة للتحقيق مع تحديد بعض القطاعات ذات الأولوية بوصفها صاحبة الفرصة الكبيرة في نجاح التعاون الاقتصادي مثل: النقل والمواصلات والكهرباء والطاقة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، مع إيجاد جهاز للمتابعة في مجلس الوحدة الاقتصادية العربية لرفع النتائج المحققة إلى القمة العربية، دورياً، مع إعلان ما يصدر من نتائج وتقارير. والاتفاق على إطار ملزم لتحرير التجارة في الخدمات بين الدول العربية. وتنظيم سوق العمل العربية عن طريق صياغة واعتماد اتفاقية متعددة الأطراف لتنظيم انتقال العمالة العربية بهدف تنظيم الانتقال لمدد زمنية محددة". ودعت الوثيقة إلى الاتفاق مع جامعة الدول العربية على تبني سلسلة من المؤتمرات العامة والندوات المتخصصة "لمناقشة هذه المواضيع بالعمق الذي يتناسب وأهميتها ودقتها وضرورة وضعها في إطار عملي، يستجيب تحديات الاقتصادات العربية على المستوى القطري والاقليمي، وبغرض الخروج باقتراحات محددة يمكن طرحها على الحكومات العربية". وحددت أهم هذه المواضيع في: قطاعات المال العربية والقيود على الاستثمار، والنظام الجمركي الموحد والتجارة البينية، والقدرة التنافسية العربية والمعايير القياسية، وإنشاء مجالس قومية للقدرة التنافسية العربية وتوحيد المعايير القياسية، والحضانات التكنولوجية، وإدارة الموارد العامة في الوطن العربي، والحكم الجيد للنشاط الاقتصادي، والإعلام الاقتصادي والارتقاء به". الإصلاح الاجتماعي وفي شأن الإصلاح الاجتماعي دعت الوثيقة إلى "تطوير نمط العلاقات الأسرية بما يخدم بناء الفرد المتميز المستقل القادر على ممارسة حرياته وخياراته بمسؤولية، وأن يقوم الإعلام بدور أساسي في بناء الثقافة العامة للمواطن"، الأمر الذي يستلزم "تأكيد دوره في إعادة بناء القيم المساندة للتطوير والتحديث، كقيم المساواة والتسامح والقبول بالآخر وحتى الاختلاف، جنباً إلى جنب مع قيم الدقة والاتقان والالتزام وغيرها من القيم الإيجابية التي تساعد المجتمع العربي في التحول إلى مجتمع جديد فعال". وشددت على ضرورة "توجيه المجتمعات العربية نحو اكتساب ونشر وإنتاج المعرفة". وأوصت ب"وضع معايير عربية لمخرجات التعليم في كل مراحله بما يتوافق والمعايير العالمية التي يمكن على أساسها القياس والتقويم، على أن يكون تبني هذه المعايير البداية التي تستطيع كل دولة أن تضيف إليها، وإنشاء هيئات للجودة والاعتماد والرقابة على التعليم في كل دولة عربية، مستقلة عن الوزارات المعنية، على أن تتصل ببعضها في إطار اقليمي، يسمح بالاعتماد المتبادل للخريجين، ويتيح حرية حركة المواطنين بين أسواق العمل، واستمرار تحمل الدولة مسؤوليتها في تمويل ودعم مؤسسات التعليم مع ضمان الاستقلال الاكاديمي لها، سواء كانت مؤسسات حكومية أو خاصة". التطرف الديني وأكدت الوثيقة "أن العمل على ترسيخ أسس التفكير العقلاني والعلمي بتشجيع مؤسسات البحث العلمي وتوفير التمويل اللازم لها، وإطلاق حريات المجتمع المدني في تنميتها، وفي الوقت نفسه القضاء على منابع التطرف الديني التي لا تزال رواسبها موجودة في المناهج الدراسية وخطب المساجد ووسائل الإعلام الرسمي وغير الرسمي. وتشجيع الاستمرار في تجديد الخطاب الديني سعياً إلى تجسيد الطابع الحضاري التنويري للدين بما يقتضيه ذلك من إطلاق الحريات الفكرية، وفتح أبواب الاجتهاد على مصراعيها في قضايا المجتمع للعلماء والباحثين، تحقيقاً لخير الفرد والمجتمع، ومواجهة لكل صور التشدد والحرفية الجامدة في فهم النصوص الدينية والابتعاد بها عن مقاصدها ومبادئها الكلية". واعتبرت الوثيقة إن ذلك "يستلزم أن يمضي إصلاح الخطاب الديني في اتجاه يتسق وروح العلم وحكم العقل والمتطلبات العصرية، وهو الاتجاه الذي يزيل التناقض الضار بين حرية الفكر والإبداع والوصاية التي يفرضها بعضهم باسم الدين الذي يدعو إلى المجادلة بالتي هي أحسن ولا يفرض إرهاباً فكرياً على المختلفين. والمضي قدماً في تحرير ثقافة المرأة وتطويرها بما يحقق مساواتها العادلة بالرجل في العلم والعمل، تأكيداً لفاعلية المشاركة الاجتماعية بمعانيها الكاملة". آليات التنفيذ وعن الآليات التي اتفق عليها المشاركون لتنفيذ هذه الخطة أعلنت الوثيقة تأسيس "منتدى الاصلاح العربي في مكتبة الاسكندرية" ليكون فضاء مفتوحاً للمبادرات والحوارات الفكرية والمشاريع العربية، سواء في ما يتعلق بالاصلاح العربي، أو إقامة جسر لكل أشكال الحوار والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني العالمي، ويتم ذلك من خلال عقد ندوات وحوارات مشتركة، عربية وعالمية، حول مواضيع التنمية بشكل عام، وإبراز دور الشباب والمرأة في التنمية بوجه خاص، يضاف إلى ذلك تنفيذ مشاريع التعاون في مجالات التنمية المختلفة، ويتصل بعمل هذا المنتدى تأسيس مرصد اجتماعي عربي لمتابعة نشاط المجتمع المدني العربي، ورصد وتقويم مشاريع الاصلاح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وذلك بالاعتماد على مجموعة متكاملة من المؤشرات الكمية والكيفية، على أن تختار مؤسسات المجتمع المدني في كل قطر عربي عدداً من نماذج الجمعيات غير الحكومية الناجحة في مجال التنمية وحقوق الإنسان، وذلك لعرض نشاطاتها وبيان مردودها الاجتماعي في مؤتمر عربي عام، يعقد سنوياً، في أحد الأقطار العربية لإبراز دور المجتمع المدني في التنمية". وقررت "عقد مؤتمرات عربية وطنية داخل كل بلد لمناقشة الفكر الإصلاحي وعرض التجارب الناجحة في هذا المجال على المستويين العربي والعالمي". وتبدأ مكتبة الاسكندرية بإعلان استضافتها للمؤتمر المقبل عن الإصلاح في مصر. وكذلك "عقد ندوات عربية إقليمية تناقش مواضيع محددة في مجالات الاصلاح المختلفة وتشكيل لجنة متابعة تجتمع كل ستة أشهر على الأقل لمراجعة ما تم تنفيذه، وذلك لدعم منتدى الحوار بعد تأسيسه".