ما زالت تداعيات الحرب على العراق تحاصر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير وتعرضه لمشاكل سياسية متتالية. فبعد فضيحة التجسس التي أخذت تتفاعل جاء طلب بعض النواب ومنظمة "غرين بيس" الكشف عن الموقف السري للمدعي العام البريطاني بيتر غولدسميث من شرعية الحرب على العراق. وسارع الناطق باسم رئاسة الحكومة البريطانية الى الاعلان "ان رأي المدعي العام البريطاني سيبقى سرياً بسبب تقليد طويل الأمد يقضي بعدم الكشف عن هذه الآراء التي تطلبها الحكومة". وكانت منظمة "غرين بيس" طالبت أمس بنشر موقف غولدسميث من شرعية الحرب على العراق في اطار المحاكمة المقبلة التي تشمل 14 من ناشطيها تسللوا خلسة الى قاعدة عسكرية بريطانية عام 2003. في غضون ذلك، سيوجه عدد من النواب العماليين البريطانيين اسئلة إلى بلير عن عملية التجسس على شيراك الذي كان رئيس الوزراء البريطاني اتهمه بأنه المسؤول الأول عن عرقلة اصدار قرار جديد من مجلس الأمن يعطي الضوء الأخضر لغزو العراق في أواخر عام 2002 وأوائل 2003. وتبادل الزعيمان الشتائم علناً. وأوضح كتاب جديد للصحافي البريطاني فيليب ستيغنر، أن بلير كان يعتقد، على أساس تقارير قدمتها إليه أجهزة الاستخبارات البريطانية، بأن النزاع حول الحرب على العراق كان عبارة عن انعكاس لعملية تنافس أكثر خطورة مع فرنسا، فقد كان شيراك استخلص أن بلير اغتصب دوره التاريخي زعيماً لأوروبا. وذكرت صحيفة "ذي اندبندنت" أمس نقلاً عن هذا الكتاب، ان النزاع بين شيراك وبلير كان شخصياً، فضلاً عن كونه سياسياً أيضاً. وجاء كشف هذه الأسرار الجديدة بعدما أعلنت الوزيرة السابقة كلير شورت، أن بريطانيا تجسست على الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في الفترة التي سبقت الحرب على العراق. وقالت إنها اطلعت على نصوص مكالمات هاتفية وأحاديث لأنان في لندن. وكشف أول من أمس أن كبار مفتشي الأممالمتحدة لأسلحة الدمار الشامل تعرضوا لعمليات تجسس وتنصت على مكالماتهم الهاتفية. وأقر بذلك أيضاً الأمين العام للأمم المتحدة السابق الدكتور بطرس غالي وهانز بليكس وريتشارد بتلر. وقال بليكس لصحيفة "ذي غارديان" إن مكتبه، وكذلك منزله، في نيويورك كانا عرضة لعمليات تجسس قبل الحرب. وفجرت شورت قنبلة سياسية جديدة أمس عندما أثارت تساؤلات عما إذا كان النائب العام البريطاني خضع لضغوط لتبرير الحرب على العراق قانونياً قبل وقوع الغزو، وذلك من خلال عمليات استغلال مشكوك فيها. وكان بلير استند الى نصيحة النائب العام لشن الحرب في مواجهة معارضة شديدة من النواب العماليين ومن الرأي العام البريطاني. وكتبت شورت مقالاً احتل صفحة كاملة في "ذي اندبندنت" أمس حاولت فيه تبرير كشفها أسرار التجسس على أنان والدفاع عن نفسها، بعدما اتهمها بلير بعدم المسؤولية ومطالبات عدة بفصلها من حزب العمال. و قالت ان رئيس الوزراء لم يكن يعلم على الارجح ان تسجيلات لاحاديث الامين العام كانت تبلغ الى الوزراء الرئيسيين في الحكومة البريطانية قبل الحرب، مشيرة الى ان هذه التسجيلات كانت تتم "على الارجح" من دون علم بلير. واضافت ان بلير "ليس على علم بالامور تفصيلياً لكنه يستطيع بحكم موقعه ان يضع حداً لها". ويقول معلقون إن شورت مصرة على شن حملة بلا هوادة على بلير بعدما طالبت باستقالته أو إقالته من منصبه بعد الحرب على العراق. وتشير الوزيرة السابقة إلى معارضة النائب العام للحرب حتى اللحظة الأخيرة، وسط اتهامات بأن الحكومة البريطانية لم تذع النص الكامل لمشورته التي أعطت في النهاية تفويضاً بدخول الحرب. وكان محامو الخارجية البريطانية اختلفوا أيضاً في مشروعية الحرب، وفقاً لما قالته شورت. وتقول أيضاً إن النائب العام حضر اجتماع مجلس الوزراء وذلك في اليوم الذي استقال فيه وزير شؤون البرلمان روبن كوك وجلس على مقعد وزير الخارجية السابق، ووزع مذكرة من صفحتين تقول إن قرارات عدة متوالية أصدرها مجلس الأمن تعطي تفويضاً لخوض الحرب. وذكرت شورت أنها حاولت أن تستفسر منه عن أسباب تأخره في توجيه النصيحة، وعما إذا كانت هناك شكوك تخالجه حول الحرب، ولكن تم ابلاغها بأنه لن تكون هناك مناقشة لهذا الأمر. وشن المقربون من رئيس الوزراء البريطاني هجوماً مضاداً على الوزيرة السابقة. وسعى وزير الداخلية ديفيد بلانكت، وغيره من اعضاء حزب العمال، للنيل من الوزيرة السابقة، فاتهموها بأنها ادلت بتصريحاتها بدافع "الثأر الشخصي" من بلير الذي استقالت من حكومته وسط صخب اعلامي كبير في ايار مايو تنديدا بالسياسة البريطانية في العراق. وقال بلانكت: "لم يعرض علي اياً كان اي نص مكالمة وانا من الاشخاص القلائل، خلافاً لكلير شورت، الذين لديهم اطلاع كامل على المعلومات المتعلقة بأمن" البلاد.