السياسة والرياضة وجهان لعملة واحدة في كل زمان ومكان وايطاليا ليست استثناء، والدليل ان رئيس وزرائها رئيس نادي ميلان إحدى القلاع الرياضية في لعبة كرة القدم سيلفيو برلوسكوني وجد نفسه أخيراً محاصراً بهذا المفهوم الراسخ في أذهان الجميع. فإذا كان برلوسكوني لم يسلم من الاتهامات التي تنهال عليه من كل صوب وحدب في كل زمان ومكان، مؤكدة أنه استغل شهرة فريقه وتقربه من كبار القوم في تحقيق انتصاراته السياسية... فإن شرارة هذه المرة انطلقت عندما ظهر رئيس وزراء إيطاليا قبل ايام أمام كاميرات التلفزة منتقداً أداء مدرب فريق ميلان كارلو انشيلوتي وفكره "لأنه ليس شرساً امام خصومه بالقدر الكافي... ولأنه يلعب بمهاجم واحد فقط، ما يؤدي الى غياب العرض الهجومي الممتع لفريقي العريق، وعليه ان يلعب كل مبارياته المقبلة بمهاجمين لا مهاجم واحد فقط... وإلا!". مضمون حديث برلوسكوني حُول فوراً الى الجانب السياسي، واعتبر المحللون أنه يستغل سلطاته الرياضية في تجيير ولاء مشجعي ميلان نحوه هو شخصياً، خصوصاً على صعيد الانتخابات المحلية والأوروبية... واعتبروا ان مثل هذه التدخلات "الذكيه" منه تمثل فلسفة انتخابية ناجحة، وأفضل بكثير من أي حملة انتخابية بمفهومها التقليدي. جريدة "كورييري ديلا سيرا" كانت الأكثر جراءة، وأكدت صفحتها الأولى ان "برلوسكوني لم يكن يتحدث عن كرة القدم فقط، ما قاله كان اعلاناً واضحاً ودعوة صريحة لاستجداء تعاطف الناخبين نحوه"... فضلاً عن أنه يستخدم السلطات التي يخوله اياها منصبه في خدمة فريقه كثيراً. وبعد أقل من 48 ساعة على هذا الحديث، دخل لاعب فريق ميلان باولو مالديني الى جمهورية تشيخيا من دون جواز سفر، لأنه نسيه في منزله في ميلانو... ما يعني أنه خرج أيضاً من إيطاليا من دون جواز سفر... فهل كان هذا ممكناً مع غيره، أو لو لم يكن رئيس ميلان هو نفسه رئيس وزراء ايطاليا؟ وإذا كان برلوسكوني انكر دائماً أنه يخلط بين الرياضة والسياسة، وان المحللين هم الذين يسعون دائماً الى توريطه في هذه الفرضية... فكيف يفسر ما حدث مع مالديني تحديداً، وعما إذا كان الموقف ذاته يمكن ان يتخذ مع لاعب آخر من غير فريق ميلان؟! الرياضة ترتدي ثوب السياسة منذ قديم الأزل، ولا أمل بخلعه عنها ولا يمكن احداً أن يجزم بأنها تسير في طريق لا علاقة لها بالسياسة، لأن هذا فعلاً مستحيل... وإذا كان أمر كهذا يحدث في الدول الأوروبية الأكثر تحضراً وتطوراً منا، فكيف هي الحال في دولنا العربية التي لا يخفى عن أحد كيفية سير الرياضة فيها... وكيف ان السياسة "تخنق" مسيرتها في غالبية الأحيان؟ الاجابة متروكة لحسن تقدير كل قارىء، وأين يعيش تحديداً!