منذ أن تولى رئيس الوزراء الإيطالي سليفيو برلوسكوني رئاسة نادي ميلان قبل 26 عاماً، حصد فريق كرة القدم كل البطولات المحلية والأوروبية والقارية المتاحة باستثناء كأس إيطاليا. وأول من أمس قدم المدرب كارلو أنشيلوتي وعناصر فريقه الكروي هذه الكأس على طبق من ذهب إلى رئيس ناديهم أثر تعادلهم مع فريق روما 2-2 إياباً في سان سيرو، بعد أن سبق وتغلبوا عليه في العاصمة 4-2 ذهاباً... وذلك بعد ثلاثة أيام فقط من فوزهم بكأس دوري أبطال أوروبا على حساب مواطنهم الشهير يوفنتوس. أول كلمات خرجت من فم أنشيلوتي عقب المباراة كانت: "لقد طلب منا الرئيس منذ بداية الموسم أن نبذل قصارى جهدنا من أجل الفوز بهذه الكأس تحديداً حتى يكتمل سجله الذهبي مع النادي، وها نحن قد وفينا بوعدنا". عرف بيرلوسكوني كيف يستغل شعبية ناديه الكروية في حركته السياسية... وكيف يزيد عشق الجماهير الإيطالية لفريقه من وراءها أيضاً، حين أطلق على حزبه اسم "فورتسا إيطاليا"، وهو الهتاف التقليدي الذي تلتهب به حناجر مئات الآلاف في كل مباراة يلعبها المنتخب الإيطالي. حقاً، إذا كان هناك فريق يستحق لقب "فريق المعجزات"، فهو بالتأكيد أي سي ميلان، لأنه حصد أربعين لقباً منذ أن تأسس في 16 كانون الأول ديسمبر عام 1899 أي قبل مئة عام بقليل... ولأنه من طريقه وصل بيرلسكوني إلى سدة رئاسة الحكومة مرتين. عندما يكون المرء في مدينة ميلانو الإيطالية، يتبادر إلى ذهنه فوراً المنافسة الشرسة التي تتسم بها لقاءات قطبي كرة القدم فيها ميلان وانتر ميلان... إذ تتحول مدرجات ملعب "جوسيبي مييتسا" الواقع في حي سان سيرو، وأرضيته الخضراء مسرحاً كبيراً تعرض عليه تحفة فنية مملوءة بالمشاهد الممتعة واللحظات المثيرة و"القفشات"المرتجلة... وفوق كل هذا عشرات الآلاف من الجماهير العاشقة لكرة القدم الحقيقية. أحياناً، يتعرض ممثلو أحد الفريقين الرئيسين إلى حال من الفتور، ويسمحون للفريق الضيف باستعراض عضلاته وفرض سيطرته على مجريات اللعب... وهذا ما حدث أول من أمس عندما سمح لاعبو ميلان أبطال أوروبا لضيوفهم الآتين من العاصمة بالتقدم بهدفين سجلهما القائد فرانشيسكو توتي من تسديدتين من ركلتين حرتين في الدقيقتين 56 و64، قبل أن ينتفض أصحاب الأرض وينجحوا في تقليص الفارق عبر البرازيلي رونالدو 65، ومن ثم ادراك التعادل بواسطة فيليبو إنزاغي 90 في اياب كأس إيطاليا. الخسارة بفارق أقل من ثلاثة أهداف لم تكن لتؤثر في فوز ميلان باللقب، لأنه سحق منافسيه 4-1 في روما ذهاباً... بيد أن لاعبيه أبوا الا تمضي جماهيرهم ليلة تختلط فيها مشاعر الحزن بالفرح... الحزن لخسارة اللقاء والفرح بضم كأس إيطاليا إلى كأس دوري أبطال أوروبا. ولذا جهدوا كثيراً الى أن تمكنوا من تحقيق التعادل وزمن المباراة يحتضر، فانفجرت فرحة نحو 80 ألف متفرجاً اكتظت بهم مدرجات جوسيبي مييتسا، ومعهم حُكماً بضعة ملايين من محبي هذا النادي في كل مكان في العالم. عموماً، استمتع الجميع باللقاء، وإن شابته الخشونة المتعمدة أحياناً، خصوصاً من جانب روما فخسرت جهود أنطونيو كاسانو وتوتي ببطاقتين حمراوين في الدقيقتين 70 و86 على التوالي، ما أثر بوضوح في أداء فريقهما في الدقائق الأخيرة من عمر اللقاء. رمز إيطاليا وبعيداً من المباراة، كان ميلان دائماً سفيراً ناجحاً للكرة الإيطالية على الصعيدين الأوروبي والعالمي، ولم ينل أي فريق إيطالي آخر ألقاباً أكثر منه... لكنه لم يتمكن محلياً من مجاراة منافسه العنيد يوفنتوس، إن على صعيد الألقاب أو الشعبية، بيد أن الفرصة متاحة أمامه ليتوج زعيماً للكرة الإيطالية على حساب يوفنتوس بالذات عندما يلتقيان في الكأس السوبر التي تجمع بين بطلي الدوري والكأس المحليين. وأسباب نجاح ميلان متعددة، أهمها تمويل وإدارة ممتازان، وتخمة من اللاعبين الدوليين الإيطاليين والأجانب الذين تعاقبوا على فريقه عبر تاريخه الطويل... ومنهم على سبيل المثال لا الحصر فابيو كوديشيني ونريو روكو وتشيزاري مالديني وجاني ريفيرا وفابيو كابيللو وجوفاني تراباتوني وفرانكو باريزي وروبرتو دونادوني وباولو مالديني وكوستا كورتا وروبرتو باجيو واليساندرو نيستا وستيفانو روسي وغيرهم عشرات من الأسماء البارزة، ومن الأجانب السويدي نيلس ليدهولم والبلجيكي فان هيغ والثلاثي الهولندي ماركو فان باستن وفرانك رايكارد ورود خوليت والفرنسي جان بيار بابان والكرواتي بابان والصربي سافيسيفتش والليبيري جورج ويا والألماني أوليفر بيرهوف والبرازيليان جوزيه التافيني وليونارد وسيرجينيو وريفالدو والأوكراني أندري شفتشنكو الذي نال قبل يومين أعلى وسام رياضي في بلاده لإنجازاته مع ميلان تحديداً. وبالمناسبة، فإن فكرة تأسيس نادي ميلان خرجت على أيدي ثلاثة إنكليز هم: كليبين وأليسون وديفيز، بيد أن مواطنهم الفريد ادواردز هو الذي أخرجها إلى حيز التنفيذ عام 1899 تحت اسم "نادي ميلان للكريكت وكرة القدم". وتشكلت اللجنة التأسيسية للنادي من ستة بريطانيين وخمسة إيطاليين من بينهم صاحب مصانع اطارات السيارات الشهير بييرو بيرللي... ومع مرور الأيام صار النادي ملكاً لشركة "بيرللي"، فطار الكريكت وبقيت كرة القدم. ثم انتقلت ملكيته من يد إلى يد إلى أن وصلت إلى رجل الأعمال المعروف سيلفيو برلوسكوني الذى عرف كيف يصل من طريقه الى رئاسة الحكومة الإيطالية مرتين. ولا شك في أن برلوسكوني زاد من شعبيته السياسية من خلال كرة القدم، وأحسن الاختيار عندما أطلق اسم "فورتسا إيطاليا" على حزبه السياسي لأنه استقطب نسبة كبيرة من عشاق كرة القدم الذين دأبوا على استخدامه لتحميس المنتخب لأنه يعني "قوة يا إيطاليا"، ففاز بأصواتهم سياسياً وبعشقهم لناديه كروياً... باختصار، لقد نجح برلوسكوني في أن يكون هو وناديه وجهين لعملة "رياضية - سياسية" واحدة. القائد مالديني قبل أيام قليلة، وبالتحديد الأربعاء الماضي، احتفل ظهير ميلان وقائده باولو مالديني بمناسبة خاصة جداً، تمثلت في فوزه بلقب بطل أوروبا واستلام كأسها بعد أربعين عاماً بالتمام والكمال من فوز والده باللقب ذاته ورفع كأس البطولة وقتها. واعتبر مالديني تلك اللحظة أحلى لحظات حياته على الإطلاق "لأنها جاءت لتكمل مسيرة عائلتي الرياضية جداً". والواضح أن المسيرة ستستمر طويلاً لأن باولو اصطحب خلال جولة الشرف أول من أمس عقب الفوز بكأس إيطاليا ابنه كريستيان وهو يرتدي القميص الرقم 3 لفريق ميلان أيضاً. ويعد باولو من بين أول من مارسوا مهمات من يطلق عليهم "الظهراء العصريين" لجهة مساندة المهاجمين وتسجيل الأهداف مع القيام بالواجبات الدفاعية على أكمل وجه. وتردد كثيراً أن جميع المدربين الذين تعاقبوا على تدريبه كانوا يختارونه أولاً ثم يكملون التشكيلة، وهو ما أكده بنفسه غير مرة: "منذ مباراتي الدولية الأولى، صرت الفتى المدلل لدى المدربين الذين لعبت تحت إشرافهم. المناقشات كانت تطول بين عناصر الأجهزة الفنية من أجل الوصول إلى التشكيلة المثالية باستثناء مركز الظهير الأيسر الذي كان محجوزاً دوماً لي". وعلى رغم قدرات باولو وإمكاناته الفنية العالية، فإنه كان يخشى مواجهة الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا في الملعب "هو أخطر من واجهت على الإطلاق، وهو الأفضل ليس فقط بسبب موهبته أو مهارته وإنما أيضاً لحماسته التي تضيف بعداً اعمق على أداء زملائه. إنه لاعب يحار المرء معه ولا يعرف كيف يوقفه، سمعت عنه كثيراً لكن عندما واجهته عرفت الفارق بينه وبين غيره". وهكذا، أكمل مالديني ورفاقه تحت قيادة انشيلوتي سجل برلوسكوني الذهبي الذي لم يكن ينقصه سوى كأس إيطاليا، وها هي صارت ضمن خزائن ناديه العريق ميلان صاحب فريق المعجزات... ويبقى أن يتمكن كريستيان مالديني من الفوز بكأس أوروبا ورفعها بصفته قائداً لميلان كما فعل جده تشيزاري ووالده باولو، ولمَ لا طالما أن الأحلام تبقى الطموحات مشروعة.